عمي المختار المرابو بقلم: شقيف الشقفاوي
تاريخ النشر : 2020-10-12
من روايتي الثالثة
عمي مختار الماربو
الحلقة الأولى
أصبحت الشقفة بلا حلم ، و قد ماتت الطموحات في قلوب أبنائها ، و لم يعد لديهم إحساس أو شعور بالرغبة في الحياة ، مادام فيها أربابا توارثوا الالوهية من عهد الثورة ، و اعتقدوا أن الحياة في القرية رهن إشاراتهم في استعباد الناس و إذلالهم ، بوسعيدية ، اعميرة الفن ، الميهوب ، اللعباوي ، ولم يبق لهم سوى الإفصاح عما يجول في خاطرهم من حقد و أنانية حتى لبعضهم البعض ، تذكر عمي الشريف بن عميرش حادثة استشهاد بومسلات وقد قال لهم بوشليح خلال كلمة التأبين ، نحن من يحكمكم و أبناؤنا يحكمون أبناءكم و نساؤنا تحكمن نساءكم ثم طوى الورقة و اختفى
قال لمبارك بلعويفري :
كان شارع فازة قبل أن يلعقه الإسمنت أو قبل أن ينتهي إلى الحالة التي هو عليها الآن ، كان مزيجا من الذكريات الجميلة التي عاشها الأهالي و النصارى مناصفة رغم التمايز و التعالي ، و رغم الاختلافات الكثيرة ، كانت مدام جورج رمزا من رموز الشقفة فهي من استقدمت طاحونة القمح إليها ، و هي من فتحت أول مخمرة بها و بنت النزل الوحيد ، وقد حول فيما بعد إلى مقر للبلدية ثم مكتب لحزب الميهوب و الزوبير طرطاق اللذان مارسا الجرائم الفظيعة في حق المدنيين
تسلل خيط الوهن إلى قلبه ، و أحدث فيه شرخا عميقا ، انفلت الصبر و تدحرجت الفرحة خلفه
قال عمي الشريف بن عميرش :
لم تعد صدور البنادق تحمل مزيدا من الزيف و التملق ، فالزناد ذبل و لم يستجيب للصمود و المقاومة أو لاسترجاع ما فات من همم ، و الثورة التي هزمت الحلف الأطلسي ، هرمت و عادت معبرا لكل الويلات و مكسبا للانحراف و تجار الشرف و الأخلاق ، وأصبح الحركى و الخونة سندا و مسندا في قلبها
صمت عمي المختار المربو صمتا موحشا و مرعبا ، تأمل في الذبابة التى علقت في شباك العنكبوت و أخذت تحاول الخلاص بأزيزها المقزز ، أشار إلى منحدرات أولاد عبد الله و تنهد كأنه يقول لهم :
كيف تأتي الحرية من أنين الأموات ،،،؟؟؟
بقي العنكبوت ينسج شباكه الرهيف ، ساعة حائطية من مخلفات أجيال الماضي ، تلسع عقاربها وجه العائدين ، تدق برتابة مفرطة مساميرها في الفراغ ، تشرائب لها الأعناق ثم تكمل مسارها صوب المجهول ، منذ بداية الاستقلال و نحن لم نبدأ بعد ، ننتظر ثم يذبل الانتظار مثل زهرة الزعفران ،
مسافر في الطفولة عبر تخوم الوطن منذ أعوام و أعوام ،
قال : من يتجرأ على السعال أمام من قتلوا النمل بلا رحمة ...؟ و أنتم أرخص من النمل
كان يقصد البسطاء من المواطنين الذين عجزوا عن الهروب ، لما استسلمت القرية لمصيرها المحتوم ، فالأوامر حينها تصل تباع من حنجرة زيدان و تستقر في قلبه ، ثم تتفرع انتقاما من أبناء الجبال القابعين في الفقر و الرجولة حين قرروا الصمود ، وهزموا الحلف الأطلسي ببنادق الصيد ، لكنهم قرروا الانتقام لأنفسهم ، فالاستقلال كان مشروطا بأوامر ديغول السرية ، كانت السيارة السوداء الذاكنة تشحن الأجساد المشبوهة في دمس الليل و في الصباح يعثر المسافرون على بقايا جثث تأخرت على الرصيف بقصد لتفزع رهاف القلوب ، هي بقايا وطن انتصر فيه القمل و القتل و الدبح و انتصرت فيه الدموع ، و لم يعد فيه مجالا للمقارنة بين تلك الخرافات الموروثة عن ليالي سنوات الثورة ، و كيف ترجل علي بوسليح صوب الكوخ المنزوي في الظلام ليغرف تخمة في الدفء باسم الجهاد و الثورة على الكفر ، كان فقيها في المنكر يقضي نهاره نائما وليله هائما و يتوعد الرجال في نسائهم ، لكن الدليمي تصدى له حين التحق بجيش الاحتلال و أخذ زوجته معه خوفا عليها، و أقسم على الانتقام ،
قال له : بابا حناني ليس لنا ما نقتات عليه ، حتى المعزاة الوحيدة انتزعها منا بوشليح و تركنا أيتاما ، بقي يتذكر بوابة السوق في ذلك اليوم المشؤوم ، كان رفقة أمه ، لكن الدليمي ثقب لها دن الزيت و غمس لها الغرس بالرمل ، بعد الاستقلال نزلت من جبل بن حروت رأت الدليمي في سوق الشقفة و على وجهه مسحة من الخيانة ، أقسمت و لم يصدقها أحد ، قالت لهم :
_ الشقفة تعج بالدود ...؟
انتفخ حميد الفن أمام الناس يستعرض رجولة من خيش ، اخرج قطعة المعدن و هددها بالقتل ، لكن النمس انتزعها منه وأبعدها ، عادت أدراجها صوب جبل بن حروت و ماتت هناك ، احترف بابا حناني بيع الخضر بجانب المفرغة ( الزبالة ) ثم مات هو أيضا و أخذ أسراره و أسرار الجبل في قلبه ،
قال لهم عمار بولرواح و هو يتفقد أطراف مزوارة :
بابا حناني هو من جنى على نفسه ، كنت سأمنحه سكنا لكن لسانه سليط لم يترك أحدا منا على الهامش ، ذبل الاستقلال في العيون الدامعة و من خلف ضبابية الدمع استرجع عمي المختار المرابو صورة المزارب في أعالي اولاد عبد الله وهو يعبرها خلف حصانه الأدهم المحمل بالمؤونة للثوار مازال يذكرهم حين يصل فيلوحون له بالبنادق عرفانا لشجاعته في اختراق حصون العدو ،
كانت عيناه مسمرتين في جهة لعمارشة التى ألف العبور منها

.../...
يتبع
شقيف الشقفاوي