من الفتوغرافيا إلى اللوحة تفجير بيروت بأسلوب الأمريكي Will Cloughley
تاريخ النشر : 2020-10-06
من الفتوغرافيا إلى اللوحة تفجير بيروت بأسلوب الأمريكي Will Cloughley


بشرى بن فاطمة

من الفتوغرافيا إلى اللوحة تفجير بيروت بأسلوب الأمريكي Will Cloughley

إن الواقع الصادم الذي يتسرّب كأحداث عبر الصور والشاشات ليغمر التفاصيل اليومية، استطاع أن يحفر ثقوبه في الذاكرة ويدمج ألوانه معها بشكل متفاعل، فتأثيره على الفنان له وقع خاص وتصورات ماورائية مختلفة، وهذا ما تركه تفجير مرفأ بيروت في البصريات التي تعاملت معه في وقت مختلف من هذا الواقع المعاصر المعقّد والمتصادم مع أفكار الموت والدمار والفناء التي تأتي من كل الاتجاهات لهذا العالم الذي يعيش عزلته الاجبارية.

ولعل كل هذه التعقيدات هي التي حوّلت الصورة والفوتوغرافيا في تصوّرات التشكيلي ويل كلوغلي إلى خدوش وعلامات بصرية لم تتحمّلها الصور الواقعية ليسقطها عمدا داخل المساحة البصرية لمحمل اللوحة لتحتل مكانها فيها وتتكاثف وتتجادل وتتفاعل وتندفع بغضب لوني وشّحها بالخراب والفوضى ولتتكوّن بسريالية لم تصمد أمام الصورة، فتجرّدت وتمرّدت على المسطّح والشكل وحملت مفهومها لينتشل ما تبقى من المكان في عمق المساحات.

ولعل تأثر كلوغلي بهول ما حدث في بيروت لم يكن مجرد تفاعل انساني ولكن تعايش فكري وفلسفي وبصري مع مكان حمل معه الكثير وكان له بمثابة البوابة التي فتحت له منافذ الشرق وصوره التي التقطها وصاغ منها فنونه البصرية ومنها فنون الكتاب.

يحمل كلوغلي منطق يبنيه على التعايش مع الظروف والأحداث والواقع وفكرة التفجير وما تحمله إنسانيا من حيث المكان والذاكرة الحنين والانتماء، فبأسلوبه الملون الذي حمّله الكثير من التصوّرات ليندمج مع الرؤى البصرية وليستخرج من ذلك الواقع علامات يميّز بها جماليا مفاهيمه ويستدرج من خلالها اللغة السردية إلى مرايا مؤثّرة قادرة على تخليد الفكرة من لحظة التفجير أو توثيقها لتكون قادرة على أن تنتشل الذاكرة من صمتها أو تنبش فيها حواسها المكبوتة مع الصدمات وهو التصوّر القادر على استدراج المفهوم نحو المنطق البصري الفوضوي في تفاعله المرتب وانسيابه في الفكرة أو نفوره منها وتجرّده من أشكالها أو تأثيره عليها لتتوافق مع مفاهيمه.

تجرّد ويل كلوغلي في تصوراته البصرية من انبهاره الأول بالشرق وترك الفوضى تتسرّب الى صوره وهو يحاول لملمة ما تبقى من انتصارات للأمل في دواخل الذاكرة من الهندسة والمعمار ليخلق توازناته المرئية التي حفّزته على التوافق أكثر داخل الصورة حتى تحمل مفاهيمها ولا تكون مجرّد نقل من تلك الفوتوغرافيا وهو ما جعله يتحكّم في المشاهد بأبعادها وهو يوظّف الفراغ مع اللون ليتحكّم في حركتها وعمقها وأبعادها عند الاشتغال على عناصر المكان واختلالات التوازن فيه عند التفجير وبعده، فقد سيّر كلوغلي المفاهيم بالأحاسيس التي كانت منتشرة في فوضى تكاثفت لتطوّع المشهد وتتناغم معه ومع الفكرة ومدراتها التجريبية.

فكلوغلي تمكّن من أن يجيد التحكم في السطح والمساحة وترتيبها حسب توافقات الفراغ فيها ودرجاته المتعمّقة في زواياه وتراكماته وهو ما وافق فيه بين الملامح والاحاسيس من جهة والانفعالات والمفاهيم والتعبير عنها من ناحية أخرى.

استطاعت الصور التي نفّذها ويل كلوغلي أن تنتشل المشهد الصادم وتحرّره من منطقه السوداوي الذي استدرجه نحو التعبير أكثر عن جوانب التفاعل الحسي والانفعالي بحيوية أكبر كان لها مداها التوافقي مع الخيال الفني الذي طوّع له المكان والذاكرة من خلال اللون الذي اخترق تلك المساحات الحارة والداكنة والترابية في تمازجات تعاصفت وتراكمت وتصادمت، حيث أن العبثية كانت معها في لقطات موظّفة لسرد التفاصيل الدقيقة بعلامات مختلفة، فاعتماده على التصوير المفاهيمي تشكيليا بفوتوغرافيا تحاور الفلسفة والخيال إنسانيا للوصول إلى تكوين لقطات وحالات تجسد الفكرة التي تكتب تفاصيلها من مواقفها البصرية وتوجهها نحو ألوانها وأضوائها وتفاعلاتها الحسية مع الأشكال الهندسية التي من الصعب أن تفسر بعبثية لأنها لقطات موظفة في بناء فوضى الواقع وفوضى الفكرة والمفهوم المتحرر من قيود الشكل.

فهو يطرح تجربته على القيم التي تفجّرت مع التفجير نفسه وتكاملت بين الرسم والفوتوغرافيا بكثير من العمق حيث يعتبر من خلالها أن هناك الكثير لقوله إبداعا وابتكارا، بتوظيف التعبيرات الروحانية في التحول من الصورة الواقعية إلى الرسم ليس كنقل عادي من فوتوغرافيا الى اسكاتش تصويري للأمكنة ولكنه اقتحام الإحساس والحالة والنفسية ليركز على أبعادها فيحوّلها إلى عمق يتجاوز النقل نحو التشريح ومنها تحوّل إلى تجربة التعبير بالصورة نفسها والعمل على البحث عن مفاهيمها الخفية التعبيرية التي تخضع لفكرة صامتة تحتاج الاستنطاق.

ساعده توظيف المزج والدمج بين فكرة الصورة الفوتوغرافية والرسم اعتمد كلوغلي على الضوء والحبر في تركيب التفاعلات بين الأبعاد من خلال الأبيض والأسود وتعيمق اللون الذي عبّر عنه بالفوضى الحسية تلك التي تعمق الرؤى والانفعالات التي تتدرج عبر الاحاسيس نحو الألوان والخطوط لملأ المساحات والفراغات.

ذاك المزج العميق بين فكرة الصورة والرسم سكن مخيلة الفنان ومنه تعمّد أن يروض المفاهيم خاصة عندما قادته تجربة تصوير الأفلام الطبية إلى اكتشافات إنسانية للجسم والتشريح فخلص إلى فكرة الموت والتشويه وفكرة تجاوز الشكل، حيث أخضع أعماله لفلسفة الوجود والصراع والبقاء والفناء ومنها رتب تلك الفوضى على إيقاع موحّد للمكان خاضع للتحولات الضوئية واللونية والحركية والشكلية ومنه تجاوز مورفلوجيات الطبيعة إلى ماورائياتها العبثية ليطوّعها فكرة تراوغ الموت.

ساعدته التقنية الفنية من كاميرا وآلات تصوير وأسلوب المزج اللوني والتجميع التركيبي على دمج التصورات وإخضاع المفهوم لمبدأ اللوحة والألوان.









 *الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections
https://willcloughley.wordpress.com