شظايا النّرجس بقلم: حسين أحمد سليم
تاريخ النشر : 2020-10-03
شظايا النّرجس بقلم: حسين أحمد سليم


شظايا النّرجس
رواية الدّكتور أحمد علي جمعة

بقلم ادّكتور حسين أحمد سليم
باحث و مهندس فنّان تشكيلي عربي من لبنان

سُجِنت ظلما لأجل حبّها له, ولا تدري في البعد التّفكيري أنّها سَجِينة حبّها له... وسُجِن ظلما لأجل حبّه لها, ولا يدري في بعد رؤاه أنّه سجين حبّه لها... فغدا كلّ منهما سجين حبّه للآخر, ولا يعرف أيّ منهما أنّه سجين الوفاء للحب والإخلاص للعشق...
مزج الدّكتور أحمد علي جمعة في روايته شظايا النّرجس, بأسلوب سلس يمتاز بالسّهل الممتنع... مزج بلباقة توصيفيّة وتقييميّة بين تقاليد وأعراف وعادات وفلكلوريّات, مستويات الطّبقات المجتمعيّة المتنوّعة... لينسج تفاصيل روايته المشوّقة من الواقع المعاش, مستفيدا من الحكايا والأقاصيص التي تُروى على ألسنة النّاس, إضافة لتلك التي عايشها واقعا في بعض تفاصيلها أو بالمحاكاة التي تناهت لوجدانه... مستخدما كلّ أدواته الثقافيّة والخياليّة والأدبيّة والابداعيّة, ليسكب قِوامةَ إنشاءاته الرّوائيّة في لوحات ومشهديّات تتّشح بالكثير من المفاجآت للقاريء والمتتبّع تفاصيل رواية شظايا النّرجس...
انطلق الدّكتور أحمد علي جمعة في روايته من الواقع الأليم والمعاناة القاهرة, التي عاشها ويعيشها أكثر شبابنا وشابّاتنا في حقبة زمنيّة صعبة, اتّسمت بالإضطرابات الأمنيّة الدّاخليّة بين فئات المجتمع, والاعتداءات الحروبيّة على المدن والقرى من قبل الأعداء, ممّا زاد في استفحال الأزمات على أكثر من صعيد... وهو ما دفع بالكثير تحت وطأة صلف العيش في ظلّ الخوف ممّا يخبّيء الغد, إلى الإغتراب بهدف الأمان في إستمراريّة العيش, ومتابعة البعض لتحصيل العلم وقطف نتائج الإختصاصات في شتّى المجالات...
تتمحور رواية شظايا النّرجس حول سيرة شابٍ متحفّذٍ للحياة, ولد في كنف اسرة قرويّة فقيرة, تحاكيه رؤاه بغد مأمولٍ مبنيٍّ على العلم والإختصاص في ناحية ما... يسعى للحصول على منحة دراسية من جهة ما, ويترك وطنه ويغترب ليتابع تحصيله العلمي, والأمل المرتجى يحدوه بغد عزيز مشرق... يعاني الغربة في البلاد التي شاء القدر أن يتابع فيها دراساتها العليا, ويحقّق النجاحات تلو النّجاحات ويقطف ثمار نجاحاته بحيث تتوّجه في طليعة التّمييز... وشاءت له الحياة أن يتعرّف على زميلة له في تلك البلاد, فتنشأ علاقة حبٍّ وعشقٍ تُتوّج بالزّواج وإنجاب طفلة رغم اعتراض ذوي حبيبته, الذين يحملون كلّ العداء للصّنف العربي وبذلوا كلّ جهودهم لتحطيم هذا الزّواج ونجحوا بما ذهبوا إليه بما يملكون من سطوة, ممّا استدعى العودة الى الوطن هروبا مصطحبا طفلته من دون زوجته التي وعدته باللحاق به هروبا من قهر ذويها, بعدما اكتشف أنّ ذوي زوجته من العاملين لصالح العدوّ... ولكن باءت كلّ الأمور بالفشل واختفت الزوجة بشكل مفاجيء, بعد أشهر معدودة مع ذويها ولم يعرف مصيرهم, وخامره الشّكّ أن تكون زوجته أكرهت على السّفر مع ذويها إلى الأرض المحتلّة, حيث الكيان الصّهيوني يُقيم دولته الغاصبة لتعمل كرها كمرشدة اجتماعية للجنود الأعداء... إلى أن شاءت الظّروف أن تكشف له عن وجودها صدفة في البلاد المعادية, وهو يقوم بواجبه الوطني الجهادي عند الحدود يراقب تحركات الأعداء في موقع ما, ولشدّ ما أذهله أن تكون زوجته وأم طفلته التي يحبّها في زيارة الموقع المعادي الذي يقوم بمراقبته, ممّا أوقعه في حيرة وقلق بين تفجير الموقع بمن فيه والقضاء على حبيبته أو إنتظار مغادرة زوجته الموقع ومن ثم تفجيره وهو ما حصل, مطمئنّا أنّها مجبرة على فعلها دون قناعتها تحت سلطة ذويها... وبذلت الزّوجة ما بوسعها بحكم علاقاتها أن ترسل برسالة خاصة ومختصرة لزوجها, عبر أسير مجاهد سجين سعت بإطلاقه وتحريره, ولكن باءت مساعيها بالفشل بحيث افتضح أمرها لدى استجواب الأسير والاستيلاء على الرّسالة, فسجنت بتهمة التّواصل مع المجاهدين... وبعودة الأسير المحرّر إلى وطنه باح بما لديه بلا علم للجهات المختصّة, فأقدمت على سجن الزّوج الذي ينتظر قدوم زوجته ولا يعرف سبب الإعتقال والسّجن...
تختلط في رواية الدّكتور أحمد علي جمعة معاناة الفقر والحاجة, وتتفاعل بنبل العواطف وتشاغف الأشواق ووله القلوب, وتتماذج رؤى البعد بالآمال المرتجاة للغد المشرق بالسّعادة وبالحب والعشق المحال, إلى جانب التّفاعل الّذي لا بدّ منه في الجهاد في سبيل الوطن وبذل كل الجهود المتضافرة لحماية الأرض... هذا وتعكس نسائج الرواية كيفية التضحية في سبيل الآخرين, وتجاوز كل المعوقات لاقتران الحياة بالحياة وضمان الإستمرار, وكيف تجري الأشياء على عكس ما التّقديرات, وكيف يتم تفسير الكثير من الرموز والطّلاسم والمصطلحات على نحو سلبي وظالم, لتؤدّي بالحكم والإجراء الظّالم بحقّ البعض دون التّحقّق ممّا تنطوي عليه بعض التّصرّفات لبعض الأفراد...
حقّق الدّكتور أحمد علي جمعة في روايته شظايا النّرجس, البعد الذي نسج تفاصيل روايته من أجله... واستطاع أن يقوم بتوصيل ما يريد إيصاله للقاريء, بأسلوب سلسل جذّاب يمتاز بالسّهل الممتنع... وولج بسياقات توصيفه الكثير من التّفاصيل دون تسبّب الملل أو الحرج للقاريء, واستخدم بحذاقة مكوّنات تقنيّة نفسيّة وإجتماعيّة ولإختصاصيّة, ساعدته على صياغة عبارات روايته بكثير من الدّقّة والإنتباه والتّهديف الذي أصاب النّجاح له والتّواصل مع القرّاء عبر رؤى أفكاره التي توّج بها روايته شظايا النّرجس...