معلمونا الأوّائل.. بحار من المعرفة شلال من العطاء.. بقلم: أ.تيّم داود
تاريخ النشر : 2020-09-24
> عندما يتسنّى لك العوم في محيط الذّكريات؛ فلا شكّ أنّك باحثٌ عمّا يطيب للنّفس أن تنثر شذاه، وتنشر أريجه، لتقف واجمًا في زحمة النّشوة، واكتظاظ السّناء، وسموق المجد..
> صفحة عتيقة من ذخر مخضّب بأصالة المكان، وطهر الرّسالة، جاب بها روابي فلسطين التّاريخ، لينتهي به المطاف في يطّا، حيث المسكن، والمقام، والسّعي،.... والمدفن..
> ولد المرحوم المربّي الحاج يونس محمّد يونس صيام، أبو محمّد، رحمة الله عليه، عام خمسة وعشرين وتسعمئة وألف، في عسقلان الواقعة في جنوب السّاحل الفلسطينيّ، وبالتّحديد في قرية (الجورة).
> بعد أن حصل على الثّانوية العامّة في مدارس عسقلان؛ عيّن معلّمًا في مدارس غزّة، الّتي كانت تتبع القضاء نفسه، حيث استلم كتاب تعيينه يوم السّابع والعشرين من أيلول عام تسعة وأربعين وتسعمئة وألف، ثمّ نُقل إلى مدرسة الرّاشديّة في القدس، حيث سكن هناك إلى أن نُقل إلى جبل المكبّر، ولم يطل به المقام حتّى نُقل إلى بتّير في بيت لحم، ثمّ الشّيوخ، ثمّ صوريف، ثمّ إلى مدرسة النّهضة في الخليل (البلدة القديمة).
> وبعد مجيئه إلى يطّا عام أربعة وخمسين وتسعمئة وألف؛ عمل معلّمًا في مدرستها الأمّ (الصّخرة)، ومدرسة ذكور يطّا الإعداديّة (النّظاميّة)، ثمّ مضى يروي عطشه المعرفيّ، فالتحق بجامعة دمشق عام ثلاثة وستّين، وحصل على شهادة اللسانس في الفلسفة وعلم الاجتماع، وبعد أن افتُتحت مدرسة سعد بن أبي وقّاص؛ عمل فيها مديرًا مدّة ثماني سنوات ( 1968- 1976)، وانتقل بعدها إلى مدرسة رقعة الابتدائيّة (ابن تيمية) مديرًا، إلى أن حصل على التّقاعد في الأوّل من شباط عام أربعة وثمانين وتسعمئة وألف.
> تتملذت على يديه، رحمة الله عليه، في مدرسة ذكور رقعة الابتدائيّة، إذ عرفته مربيًا ومعلّمًا ومرشدًا ومديرًا، وقد حوى من الألقاب ما يليق به، وادّخر من المكانة والرّفعة ما يستحقّه شخصه الكريم، فصوته الهادئ الرّزين ذو النّبرة اللّينة، المتشرّب عفويّة الفصحى، ينبئ بدفء سريرته، وعمق ثقافته،...ولخطواته المتأنيّة... ورسمه الحروف على السّبّورة انطباع يستثير الطّلبة، ويمتلك انتباههم، ولترتيله القرآن الكريم ووقوفه عند الآيات الّتي تدعو إلى التّدبّر، وتكرارها أثر في إصغاء السّامع، واستشعاره بعظمة المقروء، ما يحفّز النّفس على الانسجام طوال حصّة التّربية الدّينية.
> كان معنيًّا بطلبة المدرسة الّذين خبر احتياجاتهم، فهذّب، ويسّر، وثقّف، وربّى.. داخل المدرسة وخارجها، مؤمنًا بدور أولياء الأمور في صنع تربية أبنائهم، فعني بالتّواصل معهم وإشراكهم، وحضورهم أجزاء من حصص مختلفة، ليقف كلّ منهم على مستوى تحصيل أبنائه.
> استأثر أبو محمّد، رحمة الله عليه، وصحبه الأوائل بما يطفح به المكان من خصال طيّبة، يقصر القلم عن حصر شآبيبها، إذ رسّخوا مفاهيم التربية الحقّة، فإذا كان يعتصر اللحظات كي ينشئ جيلًا مؤمنًا، صالحًا؛ فقد رفدته جهود الأستاذ المرحوم أحمد إسماعيل الجبور في صقل هذه البنية ببسمته الّتي كانت تشعّ عبق الدفء، ونشوة البناء.
>> رحم الله أبا محمّد، وصحبه من معلّمين الأوائل، وخلّدهم في الفردوس الأعلى من الجنّة.