كورونا والمواطنة الرقمية الداء والدواء بقلم: د. منير حسن شقورة
تاريخ النشر : 2020-09-22
كورونا والمواطنة الرقمية الداء والدواء
 بقلم/ د. منير حسن شقورة
أستاذ أصول التربية المساعد                        
[email protected]

هل تشكل المواطنة الرقمية الدرع الواقي للأبناء في ظل استخدام كبير للتكنولوجيا؟

كيف ستغير كورونا فكر وثقافة التربويين حول سلامة الأجيال في العالم الرقمي؟

ما ضرورة تطوير جدارات المختصين حول المواطنة الرقمية؟

   تغيرت الحياة الاعتيادية بفضائلها وإيجابياتها المتعددة، وكذلك فقد تغير العالم اليوم بتقدمه ورفاهيته وتقنياته وبأفكار المختصين والباحثين، فقد مثَّلت جائحة كورونا أعظم التغييرات وأكثرها أثراً في العشرين عاماً الماضية؛ فأحدثت فجوة كبيرة في كل من دراسات المستشرفين، وخدمات التقنيين، واستراتيجيات وطرائق التدريس، ولا يختلف اثنان أن جيل الانترنت يرتبط بالتقنيات الرقمية والتكنولوجيا ارتباطاً فطرياً، ولكن مع هذه التغيرات العالمية وتأثيرات كورونا أصبحت ضرورة للأجيال كافة، هذه الأجيال التي نشأت في ظل التكنولوجيا وقد ظهرت التكنولوجيا في حياتها، فأصبحت مرتكز أساس للتواصل بين الناس، وأعادت تشكيل كل الكيانات الحياتية (الأسرة، والعمل، والتعليم، والسوق التجاري، وغيرها)، وبدأت الأجيال تهتم بأداة العصر الحديث (الإنترنت) بصورة قوية، فظهر الاهتمام بمواقع التواصل الاجتماعي، والألعاب الالكترونية ومقاطع الفيديو، والموسيقى بأنواعها، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ساحة حوار يتبادل فيها الأفراد موضوعاتهم الحياتية وقضاياهم الاجتماعية، وازداد الأمر في ظل جائحة كورونا بالمناداة للتباعد الاجتماعي، فقد بدأ التربويون في العملية التعليمية بتطبيق استراتيجيات التعلم عن بعد، والمناداة بتطبيق استراتيجيات التعليم الالكتروني التي نجحت به بعض الدول، وأخفقت به بعضها، وظهرت العديد من تقنيات وبرامج التعليم الالكتروني، والتي بدوره انعكس ذلك على كل عناصر العملية التعليمية، فبدأ الاهتمام بالمعلم الرقمي القادر على تحقيق أهدافه التعليمية عبر الشبكات الرقمية، وإعادة النظر للمقررات الدراسية والمحتوى المقدَّم للطلبة، وأدوات التقويم الاعتيادية والانتقال للتقويم الالكتروني، كما ظهر الاهتمام بالقيادة، وبدأ العناية بإعداد القيادات التربوية الرقمية أو الافتراضية القادرة على إدارة الموارد البشرية عن بعد، وعبر بوابة التعليم الالكتروني، وقد أصبح في البيئة الأسرية من الضرورات توفير أجهزة رقمية، وإتاحتها للكبار والصغار، إضافة إلى الارتباط الكبير للأطفال بالتكنولوجيا، وقد يصل في بعض الأحيان إلى حد الإدمان للإنترنت، فعند الاستفسار عن استخدام التكنولوجيا لدى أولياء الأمور؛ فيقول أحدهم أعرف أن لديها أضرار ولكن لدي غموض وتشتت في طرح حلول أو آليات منطقية للتعامل معها؛ لهذا نجد الحيرة عند طلب ابنهم استخدام التكنولوجيا؛ فإما عزله عنها، ويبقى متأخراً عن أقرانه، أو إتاحة استخدامها، وقد يصعب مراقبته، وقد يقع الابن في أحد المشكلات السيئة التي تُحْدثها التكنولوجيا.

   فاليوم نعيش في زمن التكنولوجيا، ومع كل مظاهر التحول نحو مجتمعٍ رقميّ، فقد أحدثت التكنولوجيا تغييراً فسيولوجياً في بنية الدماغ البشري، ففد تغيرت تصورات الأفراد عن العالم، وكذلك تغيرت العادات والتقاليد باستمرار مع مشاهدة أنماط حياتية تختلف مع عاداتنا وتقاليدنا المستنبطة من ديننا الإسلامي، فأعادت التفكير في مفهوم الهوية الوطنية والمواطنة.

   وإذا كانت النظرة سليمة للتحول نحو المجتمع الرقمي؛ فإنَّ مسئولية التربويين والقيادات المختصة بتشجيع الأفراد على استخدام التكنولوجيا دون إحداث الضرر، والحث على استخدامها بصورة حسنة وذكية، وهذا ما طرحته المواطنة الرقمية التي تنادي بها المؤسسات التربوية المعنية إقليمياً وعالمياً، ذلك المفهوم الذي يبحث في الاستخدام الآمن والملائم للتكنولوجيا، ويعزز الوعي بالقضايا المتعلقة بالتكنولوجيا، فهو يهدف لتشكيل سياسة وقائية من مخاطر قد تحدثها التكنولوجيا، وتحفيزية لاستخدامها بالصورة الإيجابية.

   فلم تكن التكنولوجيا بكليتها إيجابية، فلا شك أنها شكَّلت شغفاً كبيراً لدى الأفراد في المجتمع نحو الانفتاح الخارجي، والإقبال على أنماط الحياة الغربية، والتأثر بالمفاهيم والقيم والاتجاهات الدخيلة على ثقافة المجتمع الأصيلة، فالتلاقح الثقافي والفكري الذي تتيحه لم يكن بكليته إيجابياً، ولم يكن يوماً الحرية المطلقة للأفراد في استخدام التكنولوجيا صحياً. فمع سهولة الحصول على الأفلام والمقاطع المتعددة، وفي ظل الانتشار الكبير لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فسجَّل العديد من المشكلات الجسام التي نتجت عن الاستخدام السيئ للتكنولوجيا، منها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي: كالانحراف الأخلاقي، وفقد الولاء، والانتماء والتطرف الفكري، وشيوع القيم السلبية والهدامة، ومنها ما كانت يتعلق بالجانب الصحي والنفسي، مثل: مشكلات العظام والعيون، وآلام العضلات والمفاصل، ومشكلات تتعلق بالجانب النفسي، مثل: التوحد والعزلة الاجتماعية، وإدمان الإنترنت، وظهور المخدرات الرقمية، ومظاهر التنمر الالكتروني بأشكاله، والعزلة والتوتر العصبي، وفقدان التركيز، ومنها ما يتعلق بالجوانب الشخصية، مثل: سرقة كلمات السر وسرقة الحسابات البنكية والاحتيال، كما ظهرت مشكلات عديدة في السرقات العلمية بأشكالها.

   لهذا فالمواطنة الرقمية تفرض نفسها بقوة لتشكل الدرع الحامي للأبناء في ظل استخدام كبير للتكنولوجيا. ذلك المفهوم الذي يتضمن عدة أبعاد. فهو لم يقتصر على جانب محدد كالتوعية بالأضرار الجسمية؛ بل يمتد ليسهم في المجالات كافة أو المحاور المهمة في العالم الرقمي، فيتحدث عن الوصول الرقمي (الوفرة والإتاحة للجميع)، والتجارة الرقمية (البيع والشراء)، والثقافة الرقمية (مهارات الاستخدام)، والاتصال الرقمي (التبادل الالكتروني)، والصحة الرقمية (سلامة الجسد والنفس)، والسلوك الرقمي (الاتيكيت واللياقة)، والقوانين الرقمية (المسئولية الاجتماعية)، والحقوق والواجبات الرقمية، والأمن الرقمي (السلامة الأمنية).

   فهي لازمة للمعرفة والتعليم وتعزيز القيم والمسئولية الاجتماعية في العالم الرقمي، وفي هذا المجال، فقد شارك الكاتب ضمن فريق عمل في وزارة التربية والتعليم بإعداد مقرر دراسي حول المواطنة الرقمية بعنوان (كن واعياً) التي نحن في أمس الحاجة له في ظل المناداة بالتعليم الالكتروني، وانشغال الكبار والصغار بالتكنولوجيا.

   وعند تقصي آراء بعض الطلبة في مدارس التعليم العام حول استخدام التكنولوجيا، واستثمارها في التعليم الالكتروني وجد آراء متباينة في الاستخدام، فمنهم: من طرح التبادل المعرفي والمشاركة مع زملائه في توظيف تقنيات متعددة كالفيديو ودمج الصور والبرامج التعليمية، وآخر طرح آلية الافادة لصديقه في الصفوف الافتراضية، وطرق احترام الآخر عبر العالم الرقمي.

   خلاصة الأمر أنَّنا لا نستطيع مراقبة أبنائنا لتصرفاتهم طوال الوقت، كما أنَّ المراقبة المباشرة قد تحدث فقدان للثقة بين الفرد وأهله، وضعف في تشكيل الشخصية، ولأنَّنا نريد النشأة السليمة والقويمة للأبناء؛ وصولاً لمجتمع متماسك ومتناغم، فإنَّنا سنبحث سوياً لإجراءات تعليم وتعزيز مفاهيم المواطنة الرقمية، وبهذا فالكل مسئول في المجتمع عن ذلك، وخاصة واضعي السياسات التربوية، بحيث يعاد النظر للمقررات الدراسية؛  لكي تتضمن موضوعات تعزز مفاهيم وقيم المواطنة الرقمية، ويعاد النظر للأنشطة الطلابية، وفي إعداد المعلم؛ ليكون قادراً على تحقيق تلك الأهداف المنشودة.