الذكورية تستنجد بالصلح العشائري لحماية جرائمها بقلم: سميرة الخطيب
تاريخ النشر : 2020-09-22
الذكورية تستنجد بالصلح العشائري لحماية جرائمها بقلم: سميرة الخطيب


الذكورية تستنجد بالصلح العشائري لحماية جرائمها

غالبية الإعلام الفلسطيني يتصرف ، في قضايا معينة ، كما كان يتصرف هذا الإعلام  قبل مئة عام . وأخص بالذكر قضايا  القتل على خلفية  " شرف " العائلة ، والعنف الأسري ، وكل ما فيه  ضرب أو قتل أو ظلم أو عنف ضد المرأة بشكل عام .

لست أدري أي " شرف " يوجد في جريمة قتل !

عندما تحدث أية حادثة من هذا النوع ، يصمت الإعلام الفلسطيني صمتاً رهيباً ، وفي أقصى الحالات قد ينشر فقط بيان الشرطة الذي عادة لا يعطي أية تفاصيل . قبل يومين قتل شاب أختيه وزوج إحداهما ، على خلفية معارضته لزواجها أو على خلفية شرف العائلة - والله أعلم -  ولم يكن هناك أي مصدر رسمي لتفاصيل الخبر سوى ما كتبه بعض نشطاء الفيسبوك . أنا احترم القول القائل بأن " الشرطة ما زالت تحقق في ملابسات الحادث "  ، وهذا مشروع وجيد ، لكن في كل القضايا الأخرى تحقق الصحافة قبل الشرطة وتنشر أخبار التحقيقات أولاً بأول ، إلا في هذه القضايا  .

هل تعلمون لماذا ؟

لأن الإعلام ، على ما يبدو ، ما زال يبدي " تفهماً " للمسألة وما يشبه التضامن مع المجرم أو المعتدي أو الفاعل . لا تقولوا لي أن الإعلام يصمت ليساعد الشرطة أو لينتظر نتائج تحقيقات الشرطة ، فهذا الأمر لا يسري في القضايا الأخرى ولا نراه إلا في قضايا قتل وضرب وظلم المرأة ، تضامناً مع الذكر .  الإعلام الفلسطيني هو إعلام ذكوري محافظ . وطالما لم نحتل ، نحن النساء ،  نصف الإعلام سيبقى هذا الحال على ما هو عليه .

قلت إن الإعلام هو ذكوري محافظ ولم أقل متدين ،  لمعارضتي الشديدة ربط الإمر بالدين . فقتل المرأة على خلفية شرف العائلة ليس فقط انه لا صلة له بالدين ، بل إن الغالبية العظمى لهؤلاء المجرمين هم غير متدينين ولا صلة لهم بالدين ، كما إن الدين منهم براء .

المشكلة فينا نحن ، كمجتمع ما زال قَبَلياً  ويقبل هذا الأمر ولا يرى فيه أمراً غير عادي ولا يرى فيه الجريمة ، بل يبحث عن حجج وتفسيرات لتغطيتها ، وما عادة  " الصلح العشائري "  الا طريقة لشرعنة هذه الجرائم وهي ، سواء بقصد أو بدون قصد ، تشجع على ارتكاب الجريمة . فالمجرم يعرف مسبقاً أنه اذا ارتكب الجريمة فسوف تكون هناك الجاهة والصلح العشائري  وأن هناك من سيخرجه منها كما يخرج الشعرة من العجين خاصة اذا كانت عشيرته أو عائلته قوية . وأحياناً يكفي أن يكون أبوه قوياً  و " محترماً " .

لكن الطامة الكبرى أن الشرطة والمحاكم  يساعدون في طمطة  القضية  وعدم عقاب المجرم تحت حجة الصلح العشائري أو منع الانتقام أو حتى  عدم إغضاب فلان أو فلان من معارفهم أو من المسئولين عنهم  !

إن الصلح العشائري مفيد في قضايا الخلافات المالية أو العقارية أو التجارية أو ما شابه ذلك . لكن في قضايا جرائم القتل وحتى العنف الأسري يصبح الصلح العشائري ليس مضراً فقط بل هو عامل مساعد لارتكاب الجرائم .

الصلح العشائري قد يكون مفيداً  في بلاد ليس فيها قانون ومحاكم وشرطة وتحقيق . أما في بلاد فيها دستور وقانون ومحاكم مدنية وشرعية  وجهاز أمن وشرطة ومخابرات ومحققون ونيابة ومحامون ، فإن الصلح العشائري ليس فقط إهانة لهذه الدولة وهذه المؤسسات ، بل هو راعي الجريمة والمدافع عن المجرم !

كلنا نذكر الصبية  من خانيونس ، والتي اعتدى عليها أخوها لمجرد أنه يخالفها الرأي ، فقررت تقديم شكوى ضده ، وذهبت أولاً للطبيب للمعالجة والحصول على تقرير طبي  ( والا سيتم طردها من مركز الشرطة !) ، فحاول الطبيب إقناعها بأن لا تقدم شكوى لأن المعتدي هو أخوها . لكنها لم تقبل وذهبت لمركز الشرطة فحاول الشرطي المحقق ، بدوره ،  أن يقنعها أن لا تقدم الشكوى ، لنفس السبب .

لماذا فعل الطبيب أو الشرطي ذلك ؟  هل لأنه ذكر ؟ أم لأنه يخاف من ردة فعل الأخ أو معارفه أو عشيرته ؟ أم لأنه يخاف من غضب المسئولين ؟  أم لأن البنت ضعيفة لا حول لها ولا قوة مقارنة بالأخ الذكر ؟

في الواقع : جميع الأجوبة صحيحة .

 والحقيقة أنه لو كنا في بلد متنور ومتقدم وفيه سيادة للقانون لتم تقديم الطبيب والشرطي للمحاكمة . لكننا في فلسطين . وفي فلسطين  يعارض الناس حتى تشريع قانون  بشأن العنف الأسري ! أي أن الناس  ، " الشعب " يقول أن من المسموح للأخ أن يضرب أخته وأمه ، ومن المسموح للزوج أن يضرب زوجته وأبنته ، من المسموح لأي ذكر في الأسرة أن يضرب أية أنثى في الأسرة  ، لا لسبب إلا لأنه ذكر !

إنه  ذكر !

 انه يستنجد بالصلح العشائري لحماية  جرائمه .

عاش الشعب !

عاش الذكر !
          بقلم : سميرة الخطيب