جريمة صبرا وشاتيلا...من يحاسب القتلة بقلم:مهند إبراهيم أبو لطيفة
تاريخ النشر : 2020-09-22
جريمة صبرا وشاتيلا...من يحاسب القتلة بقلم:مهند إبراهيم أبو لطيفة


جريمة صبرا وشاتيلا...من يحاسب القتلة

مهند إبراهيم أبو لطيفة

خلال تواجدي في غرفة " فلسطين القدس...اونلاين "، على برنامج المحادثة الشهير"البالتوك"، إستمعت إلى صرخة أحد رجالات الشعب الفلسطيني ويحمل إسما مستعارا- كما هي العادة في هذا البرنامج- وهو "صقر قريش"، يطالب فيها أن يتم إجراء عمل توثيقي لأحداث هذه الجريمة البشعة ونشر أسماء من قادها ونفذها، ومن تلطخت أيديهم بدماء سكان المخيم ، وتقديمهم للمحاكمة.

من المعروف أن هذه المجزرة البشعة، التي تعرض لها لاجئين عزل من السلاح في المخيم الفلسطيني، والتي بدأت في 16 سبتمبر 1982، واستمرت لثلاثة أيام، راح ضحيتها حسب التقديرات ما بين 700 إلى 3500 لاجيء فلسطيني منهم بعض اللبنانيين، وكان معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، تمت تصفيتهم بوسائل وحشية بربرية ، وتلذذ القتلة ببقر بطون الحوامل وهم يشربون الأنخاب وسط الدماء، ويقطعون أطراف الأطفال بلا أدنى رحمة أو واعز أخلاقي أو إنساني، ويلقون بجثثهم في أزقة المخيم.

وبالرغم من خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت، والضمانات التي أعطيت للقيادة الفلسطينية بحماية المخيمات،، والإتفاق مع المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي رونالد ريغان إلى الشرق الأوسط " فيليب حبيب" ، إلا أن ميليشيات الكتائب اللبنانية المسيحية المتطرفة ( بقيادة ايلي حبيقة) ، ومجموعات من جيش لبنان الجنوبي، وميليشيات النمور الأحرار، وبعض الجماعات المسيحية الأخرى، والمتعاونة مع الجيش الإسرائيلي، قامت تحت حماية وإشراف أرئيل شارون ورافائيل ايتان، بانتهاز الفرصة ودخول المخيم وإبادة سكانه، وتحديدا بعد حادثة إغتيال العميل " بشير الجميل" والذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية اللبنانية على يد أحد أعضاء الحزب السوري القومي الإجتماعي ويدعى حبيب الشرتوني، وكان المخيم محاصرا بالكامل من قبل جيش الإحتلال .

بالرغم من مضي فترة طويلة على هذه المجزرة البشعة، إلا أنها ما زالت في الذاكرة الفلسطينية، مثل باقي المجاز التي تعرض لها شعبنا في أماكن كثيرة، وما صرخة الفلسطيني الحر "صقر فريش" التي أطلقها من صميم قلبه وبكل حُرقة ، إلا شهادة حية على هذا الحضور في الوجدان الفلسطيني.

من دلالات هذا الحضور ومن أهم ما يمكن الإستدلال عليه من تفاصيل الحوار، وخصوصا في مثل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني، والتي على قيادات الشعب الفلسطيني أن تقرأها جيدا:



أولا: هناك شعور بالغ بخطورة وإستثنائية المرحلة، وضرورة الإستعداد العملي للتطورات القادمة على كافة المستويات.

ثانيا: يعم الإستياء الشديد أوساط الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتزداد الهوة إتساعا، بين قيادة الحركة الوطنية التقليدية وقاعدتها الشعبية وخصوصا الشباب، ويجب العمل ميدانيا على إعادة الثقة معها.

ثالثا: على الفصائل والأطر الفلسطينية، أن تُدرك أنها مطالبة بإعادة الهيبة للمشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي التصدي لما يتعرض له الفلسطيني، وبشكل واضح من شيطنة وتشكيك في قدسية وعدالة قضيته.

رابعا: هناك إحتقان وغضب شديد من قبل الشعب الفلسطيني، على خطاب ولُغة السلطة الفلسططينية وبعض شخصياتها التي تظهر على الإعلام، لتكرر تبريرات مستهلكة.

خامسا: تٌحمل أوساط واسعة من الشعب، قيادة العمل الوطني الفلسطيني بشكل واضح ومباشر، مسؤولية ما وصلت إليه الأمور وخصوصا مسار التطبيع وفشل عملية اوسلو، وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية للمواطن الفلسطيني.

سادسا: هناك إحساس عميق بتخلي القيادة الفلسطينية عن شعبها في المنافي خارج الوطن، وعدم ثقتها بمصداقية القيادات المحلية لبعض الساحات، حتى أن بعض الأصوات بررت عدم تلبيتها لنداء التظاهر والإعتصامات إحتجاجا على إتفاقيات التطبيع، بحالة الأهمال المستمرة منذ سنوات طويلة: " تركونا وأهملونا لسنوات، .والآن عندما وصلوا و اوصلونا إلى الحضيض يطلبون منا تلبية دعوتهم؟ ".

يجب على جميع فصائل العمل الوطني بلا إستثناء، أن تعيد حساباتها، وتجري مراجعة شاملة وسريعة لأساليبها، وتعيد هيكلة نفسها وبنيتها التنظيمية وتطوير برامجها للعمل الميداني، إذا أرادت أن تحافظ على ما تبقى لها من قاعدة جماهيرية، وعليها أن لا تتفاجئ من ردات الفعل الشعبية التي لها بالتأكيد ما يبررها.

لم يعد أبناء الحركة الوطنية الفلسطينية، يقبلون إستمرار حالة الترهل البيروقراطي، وضبابية الخطاب الإعلامي، وغياب الوجود الفعال لمنظمة التحرير الفلسطينية في الساحات ( وطبعا بلا بدلات رسمية)، على أساس برنامج وطني كفاحي واضح، ويطالبون بإعادة الإعتبار للنضال الفلسطيني شكلا ومضمونا.

لم يحقق البيان رقم واحد بالرغم من بعض إيجابياته، النتائج التي كان يتوقعها من قاموا بصياغته، لغياب البيئة الشعبية الحاضنة، لقد لعبت تراكمات سلبية كثيرة ( في مقدمتها الإنقسام والفساد والتنسيق الأمني) دورها في حالة التراجع الجماهيري في الوطن والشتات ، وربما سينطبق هذا الأمر على البيان رقم إثنين وثلاثة، مما يستدعي النزول المنظم المؤسس على برامج مدروسة للشارع الفلسطيني بكل أطيافه لتوفير هذه البيئة الحاضنة وكسب ثقتها.

لا يمكن لحركة تحرر وطني، أن تُحقق إنجازت دون مخزونها الإستراتيجي والحقيقي، والمتمثل بجماهيرها الشعبية، ووحدتها الوطنية، وأدائها المقاوم، وما زالت كل الفرص متاحة على الأقل من أجل مزيد من الصمود والتصدي وتجاوز الهجمة الحالية قبل أن يحل الظلام.

بعد الإستماع لكلمة "صقر قريش" في نفس غرفة الدردشة الصوتية، روى أحد الناجين من مذبحة مخيم تل الزعتر ( 12 أغسطس عام 1976)، وبكل مرارة تجرته ومشاهداته الشخصية ليكتمل المشهد، ألا يستحق هذا الشعب العظيم، الذي قدم كل هذه التضحيات، أن تشمر قياداته عن سواعدها، وتعيد لنضاله ديمومته وعنفوانه وكبريائه.