من أوراق شاهد حي على النكبة بقلم:أوس أبوعطا
تاريخ النشر : 2020-09-20
من ألمِ نكبة شعبنا الفلسطيني المقدام، والغصّة والحرقة المُتقدةِ في حشاشتهِ، سَرت شُهب الشّهداء في غلسِ المؤامرة الكبرى لتنجلي الحقيقة والشّهامة والشّهادة فوق رؤوس الأشهاد.

في شهر أيّار/مايو من العام 1948 تم تهجير أكثر من 800 ألف فلسطيني مما يزيد عن 530 قرية وبلدة، و662 ضيعة وقرية صغيرة فلسطينية، وكان عام انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، و إعلان قيام الكيان الصّهيوني على بعض الأراضي
الفلسطينية . وبعد مرور 72 عام على النكبة، مازال الفلسطيني يحلم بالعودة لبيته وأرضه ومسجده وكنيسته بل وما يزال البعض يحتفظ بمفتاح بيته و صكوك ملكيته للأرض كنوع من التمسك والتشبث بحق العودة للأرض والوطن والمنزل، تلك الحقوق التي لا تسقط بالتقادم.

الكاتب الموسوعي الفلسطيني فوزي حميد، عضو اتحاد الكتاب العرب، الذي ألّف حوالى خمسة عشر كتابا عن وطنه السليب، وهو من مواليد قرية دلاته شمال صفد 1937، وبالرغم من تقدمه بالسن وبالرغم من الأمراض التي تنهش جسده، ما انفك
يتكلم عن قريته بشغف وحنين وشوق لا يتوقف، ففلسطين جرحه النازف وعن يوم النكبة يقول " إنه يوم بؤسٍ ويوم شؤمٍ إنه يوم النكبة". وفي وصف قريته التي يعرفها كما يعرف باطن كفه يتابع" دلاته قرية متواضعة تقع في شمال صفد، تشتهر بزراعة
التين والزيتون والكرمة وبعض الفواكه، مساحتها حوالى عشرة آلاف هكتار، عدد سكانها قبل اللجوء كان حوالى 400 نسمة، تحوي مسجدا وآثارا رومانية قديمة، وصورتها في ذاكرتي محفورة بعمق".

رحلة الخروج من فلسطين

وعن رحلة الخروج إلى سوريا يقول بغصة بيّنة " كنا نتعرض للقصف الهمجي بشكل مستمر أثناء عودتنا من المدرسة من مستوطنة عين زيتيم، فنلجأ للمغارات للاختباء فيها وأيدينا التي تحمل زجاجة الحبر" المحبرة" ترتجف هلعا، وعليهِ، أخطرنا جيش الانقاذ أنه علينا الخروج، واستجبنا لطلبهم بعدما تجمعنا مع أقاربنا وماشيتنا، ثم يممنا شطرنا صوب لبنان إلى بنت جبيل وبقينا أكثر من شهر كامل ونحن نسير، نقطع الجبال والتلال والوديان والمرتفعات والمنحدرات ونقاسي تقلب الطقس سيرا
على الأقدام، بلا طعام أو شراب، وكان الرجال يطرقون أبواب البيوت في القرى التي كنا نمر خلالها و "يشحدون" لنا بعض التمر والماء لسد رمقنا و إطفاء حرقة عطشنا، وعندما وصلنا حدود سوريا بقينا ما يقارب أسبوعا كاملا تحت ظلال
الأشجار، غطاؤنا السماء وفراشنا التراب، نقضي أوقاتنا في العراء، ولم نكن نملك حتى خيمة، نتناول الزيتون المتساقط من الشجر، ونجمع ما تيسر لنا من شجر العليق الشائك، ثم سمحوا لنا دخول مدينة القنيطرة التي قاسينا فيها البرد القارس، اتجهنا نحو قرية جاسم في حوران، واستقبلنا الأهالي استقبالا أخويا وأكرموا
وفادتنا، وقد تاهت ماشيتنا في الطريق وفقدنا ما تبقى لنا من رزقنا، وبعد أن أمضيت سنوات الاعدادية في درعا، ثم اتجهنا إلى وجهتنا الأخيرة في مخيم اليرموك، وبعد نيلي الشهادة الاعدادية، محققا المركز الثاني على مستوى المحافظة تم تعيني موظفا في وزارة الدفاع السورية، ورغم عملي تابعت دراستي، وحصلت على الشهادة الثانوية ثم الشهادة الجامعية فرع الجغرافيا".

ذاكرة الطفل التي تعجّ بالأسى

أما عن ذاكرة الطفل الذي كان يبلغ من العمر أحد عشر عاما فقط، ذاكرته الجريحة عن وطنه الجريح فلسطين، التي أثرت أيما تأثير بالغ على حياته وبالتالي على نصوصه و كتاباته وأدبه وأبحاثه يتابع قائلا بحرقة واضحة " لقد نهجت هذا المنهج في الكتابة والتأليف حباً وهياماً بفلسطين والقدس وترابها وشجرها، وهذا العمل كان يقربني من وطني المغتصب أكثر، ومن أهم الكتب التي أنجزتها أذكر على سبيل المثال لا الحصر، فلسطين التاريخية و الموسوعة الوطنية للتراث الفلسطيني".

ختاماً، بعد مرور أكثر من سبعة عقود على النكبة، مازال الشعب الفلسطيني متمسك بحق العودة لوطنه السليب، وما يزال الفلسطيني يطلق على بناته من الجيل الثالث بعد النكبة أسماء مدن فلسطينية كبيسان وإيلياء ويافا كنوع من التأكيد على الحق
الذي لا يموت.