بين نصين في مجموعة" أزرق.. مما أظن"بقلم: د. محمد عبد الله القواسمة
تاريخ النشر : 2020-09-20
بين نصين في مجموعة" أزرق.. مما أظن" للشاعر علي الفاعوري
د. محمد عبدالله القواسمة
نواجه في مجموعة الشاعر علي الفاعوري" أزرق.. مما أظن" (عمان: خطوط وظلال: 2020) نصين مختلفين: أحدهما عتبة نصية، وهو التقديم الذي نهض به الكاتب الساخر كامل نصيرات، والآخر هو المتن الشعري الذي يتكون من إحدى وثلاثين قصيدة.
من المعروف، أن التقديم سواء أكان ذاتيًا، أي كتبه الشاعر ذاته أم غيريًا كتبه الآخرون، من العتبات النصية المهمة التي قد ترد في الديوان بعد عتبات: العنوان، والغلاف، والإهداء؛ وعادة يقوم بوظائف مهمة: من تعريف بالشاعر، وبيان أفكاره وأهميته، وتوضيح مرامي العمل، وكشف ميزاته، والدعوة إلى الإقبال على قراءته ونقده. وإذا كان الناقد الفرنسي جيرارد جينيت Gérard Genette لم يمنح التقديم هذه الأهمية، ولم ير فيه ضرورة إلزامية أو اختيارية فإن الناقد والفيلسوف الفرنسي جاك دريدا Jacques Derrida يعده خطاباً مساعدًا، لا يُستغنى عنه في تلقي العمل وتقريبه للقارئ، أو في خلق حوار نقدي بشأنه.
نلاحظ أن الكاتب كامل نصيرات لا يتعامل مع مجموعة الشاعر تعاملًا جادًا، يحلل ويفسر ويناقش ويحكم، كما يفعل النقاد عادة، إنه لا يغير جلده فيخرج في تقديمه عن أسلوبه الساخر؛ فهو يصف الشاعر الفاعوري بأنه "فحل"، وأنه "جعل من أصل الشعر ثالثة الأثافي"، وبإمكانه بعد هذا الديوان كأي طباخ ماهر أن يطبخ " ما شاء من شعر"، وأن ديوانه "علامة فارقة في الشعر الأردني" ويجب على النقاد أن يأخذوا ذلك في الحسبان؛ لينتشر شعره كالعطر في أقطار العروبة كلها تمييزًا عما ينشره دعاة الشعر على وسائل التواصل الاجتاعي وغيرها.
إن ما كتبه نصيرات في تقديمه لمجموعة " أزرق مما أظن" عتبة نقدية مهمة، تطرح وظيفتها بأسلوب ساخر، ينطوي على روح من الدعابة والمرح والهزل، ويؤثر فينا بألفاظه التي تجمع بين القديم والجديد، وبين العامي والفصيح، وبالصور التي تتسلل إلى القلب بسهولة، وسط غلو واضح في المعاني. إنه نقد ساخر لا يذهب مذهب الإقلال من شأن المنقود بل لإعلائه عن طريق الهزل لا الجد. إن كل ما أراد نصيرات إظهاره في تقديمه أن مجموعة الفاعوري تستحق القراءة والاهتمام ما دامت قد حظيت بتقديم كاتب ساخر مثله.
هكذا تتجلى المفارقة بين نصين: النص الأول يتصف بالهزل، والآخر يتصف بالجد الذي يتجلى في قصائد تتغنى بالحب، وتمجد الحياة، وتسيح في الزمان ليحيا الشاعر في الماضي طويلًا، وينتقل ليمر بالحاضر مسرعًا إلى المستقبل، وربما من الضرورة تقديم شاهد من الشعر على ما نقوله. فكان أن اخترنا أبياتًا من قصيدة عنوانها "صك اعتراف". وهي من القصائد المتميزة التي يتبين فيها الإحساس الرقيق بالحب الذي يستدعيه الشاعر من براثن الزمن الذي ضاع، الزمن الذي كانت فيه الحبيبة شمسًا بين الصبايا، تنشر الفرح والجمال في المكان الذي تحل فيه؛ مما يجعل أنا الشاعر تعانق الحياة شادية الشعر الممزوج بلوعة الشوق، ووهج العاطفة، وانسياب الإيقاع. نقرأ:
كنتِ أنت
قبل اختراع الحكايا
حين كان المساء
لم يصح بعد.
كنت قبل الشروق
شمس الصبايا حيثما دست
كان ينبت ورد
ليحيا
بلبل الشعر في مداي
ويشدو...
في النهاية يحسن القول: إن التقديم الذي كتبه نصيرات، وتصدر مجموعة الشاعر علي الفاعوري يشكل عتبة نصية تخترق المألوف في تقديم الأعمال الشعرية بما تجلى فيه من مفارقة مبتكرة تلفت الانتباه إلى النصين: النص الشعري، والنص التقديمي؛ وهذا يفتح الباب على مصراعيه للنقاد في مقاربة مجموعة" أزرق.. مما أظن" دون الاكتفاء بهذا التقديم النصيراتي ذي الروح الكوميدية المحببة.
[email protected]