ذاكرتي في حفل الإعتراف بقلم:نفين عباس
تاريخ النشر : 2020-09-20
بقلم:نفين عباس

لكل منا زاوية لا يعرفها أحد سواه ولا يحب أن يشركها مع الأخرين، لكنني في تلك الليلة قررت أن أشرك الأخرين في تفاصيل قصة فتاة لم تجد يوماً أحد يفهمها فإستمعوا لها…
ذهبت إلي غرفتها بعد أن أغلقت الباب وأطفأت الأنوار لتجلس إلي جوار نافذتها وتتذكر ما فات وما حدث وما ينتظرها، كانت كمن يرتل أوجاعه ويتغزل في الألم الذي تمكن بالنهاية من التأقلم معه بعد رحلة طويلة من التعب..
إن وحدتها من أشد الأشياء وفاءاً لها، في تلك اللحظة المظلمة من الوقت، تمنت لو أن بإستطاعتها أن تفقد نعمة السمع والبصر، فقد كانت تتمني أن لا تري شخصاً تحبه حباً شديداً لكنها لا تستطيع الوصول إليه مهما سعت لوصله، ولا ترغب في سماع صوت آخر ينادي عليها تبغضه بغضاً شديداً لكنه ولحظها العاثر متعلق بها أشد التعلق
إن الحياة غير عادلة يا أصدقائي وصعبة، ومن حظ تلك الفتاة العاثر بجانب وحدتها أنها فتاة لا تملك نعمة تحقيق الأحلام كبقية البشر، دائماً ما وقفت طويلاً علي أعتاب الحلم تصارع دون الوصول لغايتها، لقد إستيقظت تلك المرة علي كابوس مفزع سيلازمها لسنوات ولا مناص للهروب من كافة تفاصيله، لقد تيقنت أخيرا بعد رحلة طويلة من المعاناة من قدرها المحتوم الذي لن يتبدل مهما سعت، إنها وحتي كتابة تلك السطور وحيدة تماماً، ولمعرفتي الشديدة بها أكاد أقسم بأنها ستظل وحيدة حتي آخر أنفاسها، لأنها ببساطة من الأشخاص البسطاء الذين يريدون إختيار ما يرغبون به حقاً، لقد كان كل ذنبها في الحياة أن قلبها لا يمكن إمتلاكه بسهولة، إنها تتمرد علي الأشياء التي لا تحبها وبإستطاعتها أن تقول لا لكل شيئ لا تحبه، إنها نقية لدرجة شفافه، فهي ببساطة لا تريد أن تنظر لمرآتها في يوم من الأيام لتجد نفسها شخصاً أخر نافق في مشاعره من أجل أن يعيش إلي جوار شخص إختاره لكنه لا يشعر به، أو لمجرد أن تعيش إرضاءاً لمن حولها من اللائمين عليها وعلي أفكارها التي يعتبرونها ضرباً من الجنون، إنها تمتلك فلسفة جعلتها تتجاهل كل ما لا تشعر تجاهه بالإنتماء، إنها بسيطة لدرجة أنها قالت لا علي أشياء لو عاشت بين تفاصيلها لكانت عاشت تعيسة، ظالمة للعديد من الأشخاص حولها بالرغم من أن ظاهرها محاولة إرضاء ستصبح في قمة الفشل لو كانت حدثت، فهي ببساطة ليست شخص رمادي بإستطاعته التلون لمسايرة الحدث!
بكل أسف، إنها من الأشخاص المقدر لها أن تحب الأشياء التي لا تحبها، في حين أحبها كل شيئ لم تحبه ولن تسعي لإمتلاكه مهما مر الزمن!
ومن هنا وبعد ترتيل أوجاعها وتقديم الإعتذار، والمواساة لكل من أستحقها، حتي وإن كانت هي من يحتاج لمن يعتذر لها عن تفاهة الحياة وسخريتها، قررت المضي بعيداً والعيش بمفردها، فالوحدة خير لها من أن تتقبل حياة باهتة مع أشخاص لا يمكن تقبلهم مهما قدموا لنيل محبتها فهي لا تنتمي لهم منذ زمن طويل
أتعلمون يا أصدقائي أن الحب يحيطها من كل جانب!! لكنها لا تشعر بأي شيئ منه ولا تراه!!
لأنه ببساطة دائماً ما يأتي من الأشخاص الخطأ، الذين لا يمكن بأي حال من الأحوال تقبل منهم أي شيئ حتي وإن كان كلمة بسيطة كصباح الخير!! أحلامها تشبه أحلام أي فتاة أخري، بسيطة، غير معقدة، لا تطمع في الكثير، بل يرضيها القليل، لا تطمح سوي أن تأتي الكلمة من شخصٌ أحبته وستظل تحبه، أجمل أحلامها التي تلخصت في صورة إنسان إلتقته صدفة بعد رحلة طويلة من الوحدة والتعب، شخص تحفظ ملامحه جيداً وتعرفها، إنه جمال ذو نبرة صوت آخاذ، تعودت في السابق الإستيقاظ عليها كثيراً مع ساعات الفجر ليخبرها كم إشتاق لها طوال تفاصيل يومه الشاق، والذي أدركت فيما بعد أنها لم تكن للحظة جزءاً منه! إنها نبرة دافئة تعرفها جيداً لأنها النبرة الوحيدة التي تسكن روحها وستظل وفية لها حتي الممات، بل ويمكن أن تميزها من بين كل أصوات العالم، حتي وإن كانت تلك النبرة تؤلمها كلما تذكرتها الأن لأنها أصبحت أهم درس وعبرة تلقتها بين تفاصيل الحياة المملة الغير عادلة والتي صفعتها دون أي ذنب إقترفته فقط لمجرد أنها قالت لا!
فهي ليست من الأشخاص المرضي بحب إستغلال الأخرين، بل من البسطاء الذين تسعدهم كلمة من شخص يحبونه بصدق بدلاً من قصور من الذهب تقدم لهم من شخص لا يريدون رؤيته حتي ولو بأحلامهم!
مر العديد من السنوات وبرعت الحياة بالنهاية في تصفيتها وتجريدها من كل شيئ حتي الشيئ الذي كان يشكل لها كل الحياة، لكن ما تزال تلك الدمعة داخل أعينها حبيسة ولا تريد النزول، إنها دمعة الأحلام التي تتمسك بها رغم إستحالة الوصول لتحقيقها، في لحظة يأس داخل حفل الإعتراف قررت أن تودع الجميع وتتخلص دفعة واحدة من كل الأمور التي ألمتها بالرغم من أنها لم تكن للحظة واحدة مشاركة بها، ولا ساهمت حتي في أن تكبر أحزان الأخرين لتصل لذلك الحد المرعب الذي جعلهم يتألمون بسببها، لم يكن لها أي ذنب سوي أنها حلم لأخرون يقفون علي أعتاب حياتها ولا تسمح لهم بالدخول، فهي تري أنها ليست مسؤولة عن بناء أحلام أخرين طالما لم تشارك بها من الأساس بل ولم تقدم حتي أي دليل لبناء تلك الأحلام، لكن لا أحد في تلك الدنيا إستطاع أن يسمع لصوتها أو يفهمها، بل إنهالت عليها الإتهامات بالرغم من براءتها من كل شيئ، كل ما في الأمر أنها لم تركض خلف أحد، لم تطلب من أحد أن يحبها، لم تطلب من أحد أن يقدم لها أشياء لا تستحقها، لم تكن تريد أن تصبح داخل السرب الذي يتشابه فيه الجميع، أرادت فقط أن تحلق في سمائها الخاصة وعالمها، أتذكر جيداً أنها في أحد الأيام وصلت لمرحلة عميقة من الحزن والغضب لدرجة أنها رفعت نظرها للسماء لتساءل ربها عن سبب تحملها وزر محبة الأشخاص الخاطئين لها دون أن تبادلهم أي شعور علي الإطلاق ولو للحظة حتي في خيالها!
بالنهاية تعبت كثيراً من الركض لأنها لم ولن تجد من يفهمها فقررت التوقف والصمت.. تركتني أنا أكتب عنها ما لا تستطيع كتابته لأي أحد، حملت أحلامها ومضيت لأدفنها علي أعتاب المقابر فهي المكان الوحيد الذي أستطيع أن أعدها بأنه حقيقي في تلك الدنيا