من أجل إعادة صياغة تحالفات الشعب الفلسطيني بقلم:مهند إبراهيم أبو لطيفة
تاريخ النشر : 2020-09-20
من أجل إعادة صياغة تحالفات الشعب الفلسطيني بقلم:مهند إبراهيم أبو لطيفة


من أجل إعادة صياغة تحالفات الشعب الفلسطيني
مهند إبراهيم أبو لطيفة

تفرض التطورات التطبيعية أو بتعبير أدق ، فتح المجال للكيان الإسرائيلي ليقوم بدور الشرطي في منطقة الشرق الاوسط ، أن يعيد الشعب الفلسطيني صياغة تحالفاته الإقليمية والدولية، على ضوء المُتغيرات السياسية العربية والدولية.
لم يعد خافيا على أحد أن الحالة الفلسطينية تواجه تحديات وجودية، وأن الحركة الوطنية الفلسطينية بالذات بكل مكوناتها الفصائلية وقواها المُنظمة تتعرض وستتعرض للشيطنة والتشويه والإبتزاز والحصار بكافة أشكاله، ويتم طرح وإعداد سيناريوهات بديلة عن القيادة في رام الله ، أو لنزع سلاح المقاومة في غزة، إضافة لجيش الظل الإعلامي الذي يطال بخطابه المتواصل ، عُمق عدالة القضية وقدسيتها تمهيدا لمزيد من مراحل تصفية القضية الفلسطينية.
لم يعد للشعب الفلسطيني في محيطه القريب والأبعد، ما يمكن أن نسميه بالمجال الحيوي أو الحليف الحقيقي القوي ، ليسنده في معركته من أجل تقرير المصير، وعلى الدبلوماسية الفلسطينية أن لا تسمح بإستمرار هده الحالة، بالإضافة لحاجتها للإلتفاف الشعبي، وإعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني، وهيكلة منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة ، والتمسك بأهمية الوحدة الوطنية، تحتاج الحركة الوطنية لفك الحصار الذي يزداد حولها بشكل متسارع.
تقتضي المصلحة الوطنية العُليا للشعب الفلسطيني، تطوير العلاقات أكثر مع الأردن ، لبنان، سوريا، العراق ، والمغرب العربي، وإلإستفادة من دور القوى الإقليمية الأخرى في المحيط الأوسع وفي مقدمتها تركيا وإيران، إضافة للعلاقات مع روسيا والصين والهند، وباقي الدول الإسلامية.
لإعتبارات كثيرة جيوسياسية وثقافية وتاريخية، تكتسب العلاقات المتقدمة مع تركيا الجديدة، أهمية خاصة يجب التركيز عليها، وإستثمار الفرصة التاريخية من أجل إيجاد صيغة لعلاقات متقدمة مع دولة مرشحة في المستقبل القريب، لأن تلعب دورا مهما للغاية في الشرق الأوسط، وبالتأكيد بالإمكان تصويب وتصحيح شكل ومضمون هذه العلاقة.
لعبت عوامل كثيرة جدا، منها التنافس الإستعماري البريطاني والفرنسي على المنطقة ، إضافة لما شهدته تركيا تحديدا مند عام 1908 ، في التأثير على العلاقة العربية التركية ، وسخر المنتصر في معركة إنهاء الخلافة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي طاقات كبيرة من أجل تزوير التاريخ وتعميق الخلافات بين العرب والأتراك، بينما إستغلت الحركة الصهيونية والدبلوماسية الإسرائيلية هذه الفجوة، وعملت على نسج علاقات مع دول إفريقية وتركيا وإيران الشاه منذ عام 1956، واستطاعت أن تجد لنفسها مجالا حيويا يخرجها من الحصار النسبي العربي الدي وجدت به في تلك المرحلة، ولكن المواقف والمعطيات السياسية وتحديدا في تركيا وإيران تغيرت الآن، والمجال مفتوح سياسيا وإقتصاديا، للعمل على تخفيف الحصار عن الشعب الفلسطيني ودعم صموده.
مند نشأة الكيان الصهيوني وهو ضامن لحاضنته الدولية، والتي إعتبر نفسه دائما جزءا منها وليس من المنطقة العربية، وإستند على دعمها سياسيا وإقتصاديا وعسكريا وأمنيا، ومن حق الشعب الفلسطيني أن يعزز مقومات وجوده وصموده بما ينسجم مع مصالحه.
من الأمثلة التي يعلمنا منها التاريخ على سبيل المثال:
تلقى الكيان الصهيوني دعما لا متناهيا من بعض الدول الاوروبية الغربية ، لدعم مشاريع الإستيطان والتوطين في فلسطين، بالرغم من رفض معظمها توطين اللاجئين اليهود في بلدانها، فخلال إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة حول فلسطين في عام 1947، وفي الوقت الدي كان يتم فيه التصويت على قرار للسماح لليهود بالدخول إلى بعض الدول الغربية حسب حصة نسبية معينة ، وجوبه القرار بالرفض، قامت نفس هده الدول بالتصويت لصالح قرار تقسيم فلسطين، أي أنها فضلت حل ما سُمي ب " المسألة اليهودية" على حساب شعبنا الفلسطيني، تلبية لأغراضها الإستعمارية، على أن تستوعب المهاجرين اليهود في بلدانها.
ومن يراجع سجلات الأمم المتحدة ، الجلسة 127 ، للجمعية العامة في 28 نوفمبر 1947، سيكتشف هذه الحقيقة.
على الشعب الفلسطيني، ممثلا بحركته الوطنية، أن تراعي في صياغة تحالفاتها الجديدة، الخلفية الأيدولوجية والثقافية، والإقتناع بأن من يقومون بالتطبيع، قد إختاروا إستراتيجيا الخروج من إطار القيم والثوابت العربية والإسلامية والإنسانية المشتركة، ورهنوا أمنهم ومسستقبل كياناتهم بالإحتلال ومن يقف خلفه، وبالتالي إنتقلوا من جبهة إلى أخرى، وبالتأكيد ليست الجبهة التي يكافح من خلالها شعب فلسطين.
ليس بخاف على أحد أن كل هذا الدعم الذي يحظى به الكيان الصهبوني، ليس مؤسسا فقط على المصالح الرأسمالية أو الدولية، بل له جذورعقائدية وأيدولوجية وثقافية، ومن أمثلة ذلك ما نشرته جريدة جيروزاليم بوست، في مارس 1979، وجاء على لسان الرئيس الأمريكي جيمي كارتر.
في خطابه أمام الكنيست الإسرائيلي، في مارس عام 1979 ، قال الرئيس كارتر: " لقد آمن وأظهر سبعة من رؤساء الجمهورية، أن علاقة أمريكا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة ، لقد كانت ولا تزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويتها لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي نفسه. لقد أقام الرواد من أقوام تجمعوا في الشعبين دول، فشعبي كذلك أمة مهاجرين ولاجئين...إننا نتقاسم معا ميراث التوراة..."
وكتب العالم والسياسي اليهودي " هارون ولدافسكي": " إن إسرائيل من الغرب ومن صنعه وله، سواء أحب الناس ذلك أم لم يحبوه، وإسرائيل بقرارها التطور تحس وتشم وتبدو كبلد غربي وهي ليست كفيتنام، إنها ليست جزءا من المحيط الخارجي، ولكنها لُبه، إن إسرائيل هي نحن سواء أكان ذلك للأفضل أم للأسوأ. وحين تتصرف الولايات المتحدة كأن ليست لها مصلحة أمريكية قومية في إسرائيل، فهي بذلك إنما تتخلى عن هويتها الدينية والأخلاقية والسياسية والثقافية". *
بمعنى أن الإلتزام بدعم وأمن الكيان الإسرائيلي، من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الغربية، أساسه المصالح الإستراتيجية ، وخلفيته ثقافية ، دينية، أيدولوجية، فلماذا لا نستخدم هذه الأسس في تطوير علاقاتنا مع دول مثل تركيا، إيران، روسيا بشكل أوسع؟؟.
عند دراسة جذور نشأة الحركة الصهيونية في الغرب، قبل أن تتبلور كمؤسسة سياسية، وعند مراجعة تاريخ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية ، سنكتشف ذلك التأثير الهائل للأيدولوجيا والعامل الديني المشترك، ويكفي أن نعرف أن من وضع شعار " أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" هو اللورد شافنتسري، وكان من أبرز الإنجيليين الذين دعموا فكرة الوطن القومي في فلسطين في القرن التاسع عشر، وهناك العشرات من الشخصيات من كانوا يحملون نفس الدوافع.
عندما إلتقت مصالح الدول الإستعمارية مع مصالح الصهيونية، وجد مشروع الكيان الإسرائيلي فرصته التاريخية، فلمادا يجب على الفلسطينيين ، التردد في توسيع علاقاتهم مع قوى إقليمية وازنة ، على أرضية المصالح المشتركة، وفقط من أجل إرضاء ومجاملة دول، إختارت التطبيع والتبعية والتكامل مع المحتل الغاصب لأرض فلسطين؟؟
تبقى الأولوية بالتأكيد لتماسك الشعب الفلسطيني، صموده، وحدته، تكامله وبناء قوته الذانية، وتمسكه بثوابته الوطنية والقومية وشخصيته الثقافية ، ولكن إيجاد مجال حيوي جديد يعني الحفاظ على وجوده مما هو قادم، يستحق شعب فلسطين من قيادته أن تحترم إرادته أكثر، وتعبر عن إرادته بأدوات جديدة، وتجسد وحدته بآليات جديدة، وتخاطبه بلغة العمل الميداني.
--------------

*Aron Wilsdvsky, „ Whats In It For Us Amercas National Intrast in Israel; Midle East Review, Vol, 10, No .1, Fall 1977, Pp. 12-13: