حالة إبداع..!! بقلم:عبد الهادي شلا
تاريخ النشر : 2020-09-20
حالة إبداع..!! بقلم:عبد الهادي شلا


حالة إبداع..!!
عبد الهادي شلا
يواجه المبدعون على الدوام صعوبات أمام بعض الموضوعات التي يودون الخوض فيها ،ودائما يكون لهم هدف سام من ذلك يسبق ما يصل للمتلقي بشكله النهائي الذي يتفق معه أو يرفضه ويبدأ مشاركته في وضع تصورات أخرى فيه.
المبدع (الأديب والفنان وغيرهم في مجالات أخرى كثيرة) يقف حائرا أمام الفكرة التي تلح عليه وهو يتعايش مع حالة ما فلا يدري من أي جهة أو باب يلجها.
هذا أمر ليس بالهين كما يظن العامة حين يتصورون أن خبرة المبدع ستسهل عليه الطريق كي يصل بلا عناء،فهذ فهم غير صحيح ولا صائب.
الوقوف على الحالة التي تثير المبدع لها مقدمات صعبة ،ولها تبعات من خطوات يجب أن تكون محسوبة و موزونة فلا تكون تقليدا لأخرين ولجوا إلى صلب حالة مماثلة أو تَشبُّه بمن صنعوا شكلا مؤثرا قد يقع في فخه المبدع في غفلة منه..!
لعل هذه صورة مختصرة جدا عن ما يقصد به "المعاناة" قبل ولادة العمل الإبداعي،بل أكثر من ذلك فقد يصل الأمر بوقوف المبدع مكبلا أمام الفكرة التي تراوده وهو يراها تتحكم في تفكيره وتحضر أمامه صورتها ،بل وقد يأخذه الخيال إلى التحدث إليها،لكنه يعجز أن يضعها في القالب الذي يريده خاصا به ومميزا عن ما يمكن أن يكون قد عالجها فيه مبدع أخر..
كل مبدع في مجاله له طقوس يمارسها عند إحساسه بتلك العوارض التي تسبق الإعداد لعمله.
بعض المبدعين يتلهون بأعمال لا علاقة لها بما يجول في خاطرهم كأن يتجه إلى حديقة منزله ويبدأ فيها أعمال نظافة أو زرع بعض النباتات أو إصلاح باب أو يقود سيارته دون تحديد وجهة ما،وغيرها من الأشياء وكأنه في عملية "تسخين" و"إنضاج" للفكرة يستدرجها حتى تصل إلى أقرب نقطة تماس مع ما يرد فيمسك بها بكل قوة ويبدأ في تقليبها على كل وجه وكأنه يضع اللمسات الأخيرة لميلادها.
قد يصدر عن بعض المبدعين تصرفات غير تقليدية يعتبرها العامة خارجة عن المألوف فيتهمونه بالمريض نفسيا أو الشخص الذي تتحكم فيه عُقد تجعل منه شخصا مختلفا و شاذا،رغم أنهم يتابعون ما يقدم من أفكار أو إبداعات فنية تتجلى فيها العبقرية ولكن النظرة القاصرة تجعلهم يذكرون ما هو غير مألوف وتقليدي في سلوكه،وقد يحجم الأطباء النفسيون عن تقديم علاج لمثل هؤلاء المبدعين لأنهم يدركون أن ما بالمبدع ليس مرضا نفسيا ولو تم علاجه على هذا الأساس فإنه سيفقد أعز وأجمل ما في حياته وهو إخراجه من حالة الإبداع التي تسكنه بحاله الذي عليه.
الملفت أن كثيرا من المبدعين ظهرت منهم علامات التميز في عمر متقدم،كما ظهرت عند بعضهم في عمر مبكر كما في حالة الفنان"بيكاسو" عبقري القرن العشرين الذي برزت قدراته الفائقة وهو في المرحلة الثانوية وتفوق على والده،وحين استقر في باريس تاركا أسبانيا برزت قدراته الخلاقة التي تجددت في أكثر من أسلوب فني تاركا إرثا فنيا عظيما،بينما "موديلياني" و "فان جوخ" اللذان ماتا صغار السن مثلا،فقد تركا إرثا لا يقل عن ذلك،وهذا يعطينا فكرة ان الإبداع لا عمر له ولا يتوقف عند سن معين.
يجمع المتخصصون على أن الإثارة هي من الدوافع القوية التي تبعث الأفكار وتجدد الرؤى عند المبدعين فبدون أن يكون هناك حدث هام أو مشهد أو ظاهرة مثيرة لها علاقة بالحياة سيكون الأمر مختلفا بل ستكون النتائج ضعيفة وغير مقنعة، كما يراد لها أن تكون.