بطولات خالدة 2.. الشبلان الأسدان حمودي إسماعيل وإلياس عطا الله بقلم:السفير منجد صالح
تاريخ النشر : 2020-09-17
بطولات خالدة 2.. الشبلان الأسدان حمودي إسماعيل وإلياس عطا الله بقلم:السفير منجد صالح


بطولات خالدة 2 ... الشبلان الأسدان حمودي إسماعيل وإلياس عطا الله

السفير منجد صالح

في زمننا الأغبر الذي نعيشه هذه الأيام، زمن هرولة الأعراب على أبواب البيت الأبيض، لتقديم حسن الطاعة والولاء والسلوك لسيّد أمريكا، ول"قرينه" وصديقه وتوأم روحه نتنياهو، فإننا بجاجة إلى شحذ ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.

من أجل أن نتمكّن من مُجابهة رياح الصرصر العاتية، التي تهب على ما تبقّى من بيّاراتنا وكروم عنبنا وتيننا وزيتوننا، وعلى ما تبقّى لنا من "حواكير" بيوتنا، نزرعها زعترا وميرمية وزنبقا ورياحين.

نحن بحاجة أن نغوص في عمق لُبّ الماضي، البعيد والقريب، نستذكر "الزمن الجميل" ونجلبه حاضرا مؤزّرا، نصنع منه سفينة تمخر عباب البحر نحو مستقبل أكثر إشراقا، بسماء أجمل وابهى نورا وأقمارا ونجوما وثريّات.

نصنع منه قربة ماء ورمحا ومنجنيقا، تلتقطها النسور القادمة من وراء الأفق، لتدافع عن الحصن المُهدد، المقام وسط نجمات "درب التبّانات" بين رصاصتين.

الشبلان، الأسدان، حمودي إسماعيل وإلياس عطا الله، قمران سطعا في سماء البطولة والكرامة والمجد والعزّة والفداء.

شبلان صغيران، بعمر الزهور والورود، يتمنطقان برشاشيهما الكلاشنكوف، ومطرّز على وسطيهما "جعبات" الرصاص، والقنابل اليدوية، تُزيّن الكوفية المُرقّطة بالأسود والابيض الرقبة وتلتف حولها وكأنها "عقد" من الماس واللؤلؤ.

أحدهما شعره أسود مُجعّد (مقطقط)، والثاني شعره أجعد (مقطقط) لكنه أشقر، كالذهب الأصفر المعتّق، كليمون يافا في عزّ تورّده ونُضجه.  

يوم 10 حزيران 1982، أي خلال إجتياح جحافل شارون المجوقلة والراجلة ثرى لبنان، من الجنوب ومن صوب الشمال ومن وسط الوسط، كان الشبلان الأسدان المُقاتلان إسماعيل وإلياس يقومان بأعمال المراقبة والدورية والإستطلاع في أحراش بلدة "عين زحلتا"، من قرى قضاء الشوف في محافظة جبل لبنان. 

لاحظ الشبلان إسماعيل وإلياس، فجأة، دورية إسرائيلية راجلة، مكوّنة من 8 مظلّيين، ملتصقين تقريبا ببعضهم ويتحدّثون اللغة العبرية بصوت مسموع، وهي تتّجه نحوهم.

إتّخذ الفدائيّان الفلسطينيّان الفتيّان وضعا قتاليّا من وراء صخرة وصوّبا رشاشيّهما بإتجاه "الكتلة العدوانية المُتراصة" الداهمة.

ميزان القوى على الأرض ليس في صالحهما، لكن عنصر المُفاجأة كان في صالحهما وفي أيديهما، فأفراد الدورية الإسرائيلية الثمانية كانوا غافلين ساهمين عن معرفة وجود وتواجد الشبلين، على بعد عدة أمتار فقط.

برباطة جأش الأسود وربما بشيء من الجنون ظهر الشبلان فجأة، برشاشيهما المصوّبين، أمام الدورية الإسرائيلية، الثمانية جنود مظلّيين، وصرخا عليهم بصوت واحد أن: "إلقوا سلاحكم".

وكان لفرط دهشتهما وإستغرابهما أن ألقى المظلّيين الثمانية سلاحهم على الأرض ورفعوا أيديهم عاليا إلى السماء!!!

بالمُحصّلة، وبصريح الكلام، فقد قام الشبلان الفدائيّان الفلسطينيّان بأسر ثمانية جنود مظلّيين إسرائيليين من قوّات النخبة، و"قطّوهم" أمامهم، بعد أن حمل كل شبل أربعة رشاشات من طراز "إم 16 و غاليل"، الغنيمة التي ألقاها على الأرض الجنود المُتفاجئين المُضطربين المرعوبين.

في طريقهما إلى مخبأ آمن "لتأمين" الأسرى فيه، كان الحمل ينوء بالفدائيين الفتيين، فحملهما من الأسلحة ثقيل، وهول الموقف يسيطر عليهما: فدائيّان صغيران، كبيران بحجم الأسود، يُسيطران على ويأسران ثمانية جنود مدججين بالسلاح والخبرة والتفوّق العددي الواضح!!!

مرّا في دربهما وسيرهما بقاعدة عسكرية للجبهة الشعبية القيادة العامة، فطلبا من "الرفاق" العون والمدد، فوافق الرفاق أن يدعمانهما بشرط أن يأخذوا إثنين من الاسرى، وهكذا كان.

وأستمر الشبلان في مسيرتهما إلى أن وصلا بالستة جنود الأسرى إلى مكان آمن.

فيما بعد، تمّ إستبدال جنود الإحتلال الستة ب 4700 معتقل فلسطيني ولبناني من معسكر معتقل انصار، في جنوب لبنان، سيء السمعة والصيت، إلى جانب 65 أسيرا فلسطينيّا من داخل السجون الإسرائيلية، من الداخل الفلسطيني المحتل، في إسرائيل.

أمّا الأسيرين الإسرائيليين الآخرين، فقد تمّت لاحقا مبادلتهما في صفقة شهيرة، شملت 1250 أسيرا فلسطينيّا من سجون وباستيلات الإحتلال الإسرائيلي، عام 1985، كان من ضمنهم معتقلين معروفين، منهم المعتقل الأممي الياباني كوزو أكوموتو، قائد مجموعة الجيش الأحمر الياباني، التي هاجمت مطار اللد، بتاريخ 30 أيار 1972، حيث أسفرت العملية عن قتل 26 شخصا معظمهم من الأجانب، وإصابة 79 شخصا.

فدائيّان شابان مراهقان أطلقا سراح ما يقارب من سبعة آلاف أسير ومعتقل فلسطيني وعربي وأممي من معتقلات وسجون الإحتلال الإسرائيلي، بينما حكّام وملوك ورؤساء وأمراء، "بشوارب ولحى" كثيفة وكبيرة، يلهثون وراء ترامب ونتنياهو، ويحشرون أنفسهم وشعوبهم المغلوبة على أمرها، في فخ الإسرائيليين والأمريكيين اللزج، الذي لا فكاك منه.

يجرون وراء "تطبيع" وسراب سلام لن يطولوا منه "لا بلح الشام ولا عنب اليمن". وسيعودوا منه "بخفّي حُنين". وقتها سيقول القائل: "على نفسها وأهلها جنت براقش!!!".

تحية إكبار وعز وكرامة ووفاء إلى البطلين الشبلين الأسدين حمودي إسماعيل وألياس عطا الله.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني