كورونا يعيد تشكيل الحياة بقلم:محمد حطيني
تاريخ النشر : 2020-09-16
كورونا يعيد تشكيل الحياة  بقلم:محمد حطيني


كورونا يشكل حياتنا من جديد

ليس الغرض من هذا المقال الحديث عن جائحة كورونا ومسبباتها، لكن الحقيقة التي تقال أن هذا الفيروس التاجي أعادة تشكيل حياتنا، وصبغها بمعايير جديدة، لم تكن مألوفة في السابق على وجه اليقين لأي منا، فكل منا  كان مشغولا يوميا بأسرته وعمله وزرقه ونشاطاته، وترفيه نفسه، ولم يكن هنالك دلالة على أن مخلوقا متناهيا في صغره سيطل علينا على حين غرة، ويلزمنا بتصرفات كان وما زال علينا أن نواكبها ونتقيد بها، تجنبا للمرض مرة، واعتزال الناس من حوالينا مرة أخرى، والحرص على التباعد الاجتماعي وعدم الاقتراب من أي شخص آخر لمسافة لا تقل عن مترين، والتقيد بأنظمة تصدر عن الحكومات والهيئات ذات العلاقة من حجر وعزل وإغلاق وغيره في زاوية ثالثة.

أكثر ما ترتب على جائحة كورونا وخاصة في بداياتها، القرارات التي تصدر بشكل شبه يومي من الحكومات لشعوبها من عديد الأبواب، مثل الخروج من المنزل والعمل في أوقات محددة، ولبس الكمامة، وتنزيل تطبيقات على أجهزة الهاتف الخلوي تحذرك إن خالطت مصابا بكورونا، ورسائل تطلب منك مراجعة المراكز المختصة لتقصي الإصابة بالفيروس من غيرها، علاوة على الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام وتثير الرعب في نفوس البشر من حيث عدد الوفيات والمصابين وغيرها.

كورونا ليس أول جائحة تصيب الكرة الأرضية، بل إنه قد يكون أقل ثقلا من جائحات أخرى ضربت الأرض على مر الزمان، وواحدة من أكثرها ثقلا كانت الإنفلونزا الإسبانية التي انطلقت شرارتها في عام 1918 وقتلت ملايين الأشخاص، ولم تفرق بين البشر وأصابت الكبار والصغار والمرضى والأصحاء، ومثلها جائحة الموت الأسود التي قضت على حوالي مائتي مليون شخص، وجدري العالم الجديد ووباء الكوليرا وغيرها من الأمراض التي فتكت بالإنسان.

الأمر المثير للكثير من الاهتمام هو الأثر الذي تركه كوفيد-19 في حياتنا، مثل العزل، والحجر ومنع التجمعات وإقامة الأفراح والعزاء وإغلاق الحدود وتعليق رحلات الطيران والحظر الكلي الذي امتد لفترات ليست بالهينة أثرت نفسيا واجتماعيا واقتصاديا على الكثير من الأفراد والأسر، لاسيما من يعملون لحسابهم ولا يحصلون على راتب شهري، كسائقي السيارات والبنائين والسباكين والكهربائيين والميكانيكيين ومن يقوم بأعمال الحفر وغيرهم كثير، علاوة على منع السفر على فترات، وعدم ركوب السيارات إلا بالتقيد بإجراءات معينة وارتداء الكمامة.

أما البقاء في المنزل فتلك حكاية أخرى، كانت سيفا ذا حدين.  فمن كان من الأزواج على طرفي نقيض، فقد تحولت حياته إلى جحيم وإما أن يفاقم الخلافات الأسرية، أو يدمر الأسرة سواء كانت ناشئة أو قديمة العهد، وأما من كان منهم على وفاق، فذلك كان سعيدا في حظه وحافظ على أعمدة بيته وبنيانه.  هكذا إذن أعاد كورونا رسم خريطة جديدة لحياتنا خلاصتها أنك أيها الإنسان تستطيع أن تتكيف مع تغير الظروف من حولك، والمثال الذي أطرحه هنا، إلغاء إقامة بيوت العزاء التي كانت تكلف أهل الميت إنفاق آلاف مؤلفة على استقبال المعزين والقيام بواجبهم، وذلك ينطبق على إقامة الأفراح التي غدت في زمن كورونا تقتصر على مجموعة من الأشخاص لا تتعدى العشرين، وربما إلغائها والاقتصار على إعلان الزواج أو الخطبة أو حتى العزاء على وسائل التواصل الاجتماعي.

نواتج كورونا فيما يستقرؤه قلمي، أدت إلى فقدان أسر لمصادر دخلها، ناهيك عما ترتب عليه من تأثير نفسي، نتيجة البقاء خلف أبواب موصدة، يتعذر معها في بعض الأحيان على المرء رؤية أشعة الشمس، وزرقة السماء، وتنفس قليل من هواء عليل، بما يغير من نفسية الإنسان إلى الأفضل.

ماذا فعلت بنا أيها الزائر الثقيل ظله؟ أجمل ما فيك أنك تعيدنا إلى الله، وشغلت الناس عن السياسة وهمومها، وأعدت ترتيب أولويات الحياة التي تقدم الأمن البدني والصحي والاقتصادي على كافة مناحي الحياة الأخرى، ويبقى الأمل ان تعود الحياة كما كانت من خلال التعايش مع المرض الذي لا يعلم أحد متى ستكون نهايته.

خلاصة القول، أن جائحة كورنا غيرت في أنفسنا وأنماط حياتنا ما لم تقدر مسببات كثر على فعله مثل الحروب والأزمات التي لحقت بالعالم على فترات زمنية متفاوتة، كأزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن الماضي، وانهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينيات الماضية، والحرب المستعرة حاليا على الصعد الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بين الصين وأمريكا.

محمد حطيني
كاتب وباحث مستقل