تَعالْ نخونُ الحصارَ و نَسَكر
للكاتب : سعيد محمد الكحلوت
عاد الازدحام إلى الشوراع حذِراًً فالسيارات تهرب من الحواجز عبر الطرق المُمزقة و السائقون يكذبون على الشرطة .
اخترع أحدهم كذبةً أن السيدة َالتي تركب في المقعد الخلفي هي زوجته المريضة و أقسمت هي للشرطي بأنها ذاهبة للمستشفى ، أزاح الشرطي الحاجز و مرت الكذبة و السيارة .
في اليوم التالي ذات السائق على حاجزٍ آخر و في المقعدِ الخلفي ذاته سيدة أخرى أقسمتْ لذات الشرطي أنها زوجة السائق و هي ذاهبة لزيارة أمها المحتضرة في المستشفى، ابتسم الشرطي للسائق و بينما يزيح الحاجز الحديدي قال للسائق " يبدو أنني سأتعرف على نسائك الأربع ؟!"
و الحق أن للسائق زوجة واحدة يحبها جداً و التزمتْ بالحظر لكن زوجها خرج يبحث عن ما يسد رمق الأسرة .
يبدو أنني أدور في ذات الدائرة المغلقة كما يقول صديقي المقرَب المقيم في بريطانيا هامساً " أن كتاباتي لا زالت تدور حول محور المدينة المغلقة"
ضحكتُ قائلاً أنه من الخيانة أن أكتب عن قصة حب وردية و رسائل شوق مشتعلة و عيون تشع بالحنين و قلوب أدمتها الذكريات ، بينما أنا واحد من ضحايا هذا الحصار ، هل ترضى يا صديقي لصديقك أن يخون الحصار ؟
حسنا يا صديقي سأخون الحصار : على خارطة للعالم أمامي الآن سأرسم خطا متعرجا باللون الأحمر سأصل إلى أمريكا ها انا أتجول في شارع مزدحم بواشطن كل المحلات مضاءة و السيارات تسير مسرعة ، و هناك مُشرد يترنح ها هو يسقط أرضاً لم يكثرت له أحد و واصل الجميع السير حتى أن أحدهم وسع خطواته من فوقه و مضى ، بينما يأن المسكين من فرط ألم خاصرته.
هناك ضجيج أغنية لا افهم معناها و عاهرتان جاهزتان تماماً لأي امتطاء تتميلان على وقع الألحان المتسارعة ، و شاشة كبيرة فوق محل للخمور تعرض صور توقيع البحرين و الإمارات اتفاق سلام ، يردد محمود درويش في رأسي " سنشخ مزيكا على أمريكا " فيرد عليه مظفر النواب " سنبول عليها و نسكر"
هل لاحظت كيف أنني أترنح على الخارطة متخفياً لأخون الحصار لكنه لا يخونني انه عدوٌ مخلصٌ واضحٌ و صريح " أينما وليت وجهك كل شىء قابل للانفجار"
هل تخون أنت حصاراً بهذا الوضوح ؟!
لا بأس ، عما قليل سيصدر كتابي الثالث #جدران_صامتة إنه أشد كتبي اخلاصاً للحصار .
لقد أهداني هذا الحصار ثلاثين قصة جديدة و خمسين قديمة و رواية كتبتها بدمي النازف من اشتداد الاسلاك الشائكة اذ تلتف حول عنقي ، و أربعين قصة قصيرة قادمة عن النساء المُعذبات مثلي تماما من هذا الحصار .
لقد غلقّت تفاصيل الحصار عليّ الأبواب كلها و أطفأت الأنوار و همست لي " هيت لك ما أجملك "هل أخذلها يا صديقي و أنا الذي يسير في صحراء اللغة يبحث عن العبارة و الاستعارة بالتصريح تارة و بالتلميح تارات ؟
هل تطلب مني أن اتجاهل قصة السائق الذي يتحايل على الفايروس فيتزع من فم الموت عشاءً لأطفاله الجوعى و يكسب على الموت بالموت جولة أخرى .
أم تريدني أن أوسع خطاي لأتجاهل بكاء أم ما انقطعت عن البكاء ساعة منذ أن مزق صاروخ جسد ابنها فتاهت اشلائه في الأحراش المظلمة و سجلته الأخبار كرقم عابر مجهول الهوية في ليل لم ينتهِ ؟
لقد خاننا الجميع .. فهل ترضى لي أن أخون؟!
تعال هنا لنخون الحصار و نسكر ...
تَعالْ نخونُ الحصارَ و نَسَكر بقلم : سعيد محمد الكحلوت
تاريخ النشر : 2020-09-16