تَعالْ نخونُ الحصارَ و نَسَكر بقلم : سعيد محمد الكحلوت
تاريخ النشر : 2020-09-16
تَعالْ نخونُ الحصارَ و نَسَكر بقلم : سعيد محمد الكحلوت


تَعالْ نخونُ الحصارَ و نَسَكر
للكاتب : سعيد محمد الكحلوت

   عاد الازدحام إلى الشوراع حذِراًً  فالسيارات تهرب من الحواجز عبر  الطرق المُمزقة  و السائقون يكذبون على الشرطة .

اخترع أحدهم كذبةً أن السيدة َالتي تركب في المقعد الخلفي هي زوجته المريضة و أقسمت  هي للشرطي بأنها  ذاهبة للمستشفى ،   أزاح الشرطي الحاجز و مرت  الكذبة و السيارة . 

في اليوم التالي ذات السائق على حاجزٍ آخر  و في المقعدِ الخلفي ذاته  سيدة أخرى أقسمتْ لذات  الشرطي أنها  زوجة السائق و هي ذاهبة لزيارة أمها المحتضرة في المستشفى،  ابتسم الشرطي للسائق و بينما يزيح الحاجز الحديدي  قال للسائق " يبدو أنني سأتعرف على نسائك الأربع ؟!"

و الحق أن للسائق زوجة واحدة  يحبها جداً و التزمتْ بالحظر لكن زوجها خرج يبحث عن ما يسد رمق الأسرة .

يبدو أنني أدور في ذات الدائرة المغلقة كما يقول صديقي المقرَب المقيم في بريطانيا هامساً "  أن كتاباتي لا زالت تدور حول محور المدينة المغلقة"

ضحكتُ قائلاً أنه من الخيانة أن أكتب عن قصة حب وردية و رسائل شوق مشتعلة و عيون تشع بالحنين و قلوب أدمتها الذكريات ،  بينما أنا واحد من ضحايا هذا الحصار ، هل ترضى يا صديقي لصديقك أن يخون الحصار ؟

حسنا يا صديقي  سأخون الحصار :  على خارطة للعالم أمامي الآن سأرسم خطا متعرجا باللون الأحمر سأصل إلى أمريكا ها انا أتجول في  شارع مزدحم بواشطن  كل المحلات مضاءة و السيارات تسير مسرعة ، و هناك مُشرد  يترنح  ها هو يسقط أرضاً لم يكثرت له أحد و واصل الجميع السير حتى أن أحدهم وسع خطواته من فوقه و مضى ، بينما يأن المسكين من فرط ألم خاصرته.

هناك ضجيج أغنية لا افهم معناها و عاهرتان جاهزتان تماماً لأي امتطاء  تتميلان على وقع الألحان المتسارعة ، و شاشة كبيرة فوق محل للخمور تعرض صور توقيع البحرين و الإمارات اتفاق سلام ، يردد محمود درويش في رأسي " سنشخ مزيكا على أمريكا "  فيرد عليه مظفر النواب " سنبول عليها و نسكر"

هل لاحظت كيف أنني أترنح على الخارطة متخفياً لأخون   الحصار لكنه لا يخونني  انه عدوٌ مخلصٌ واضحٌ و صريح  " أينما وليت وجهك كل شىء قابل للانفجار"

هل تخون أنت حصاراً بهذا الوضوح ؟!

لا بأس ، عما قليل سيصدر كتابي الثالث #جدران_صامتة  إنه أشد كتبي اخلاصاً للحصار  .

لقد أهداني  هذا الحصار ثلاثين قصة  جديدة و خمسين قديمة و رواية كتبتها بدمي  النازف من اشتداد الاسلاك الشائكة اذ  تلتف حول عنقي ،  و أربعين قصة قصيرة  قادمة عن النساء المُعذبات مثلي تماما من هذا الحصار .

لقد غلقّت تفاصيل الحصار عليّ الأبواب كلها و أطفأت الأنوار و همست لي  " هيت لك ما أجملك "هل أخذلها يا صديقي و أنا الذي يسير في صحراء اللغة يبحث عن العبارة و الاستعارة بالتصريح تارة و بالتلميح تارات ؟

هل تطلب مني أن اتجاهل قصة السائق الذي يتحايل على الفايروس فيتزع من فم الموت عشاءً لأطفاله الجوعى و يكسب على الموت بالموت جولة أخرى .

أم تريدني أن أوسع خطاي لأتجاهل بكاء أم  ما انقطعت عن البكاء ساعة منذ أن مزق صاروخ جسد ابنها فتاهت اشلائه في الأحراش المظلمة و سجلته الأخبار كرقم عابر مجهول الهوية في ليل لم ينتهِ ؟

لقد خاننا الجميع .. فهل ترضى لي أن أخون؟!

تعال هنا لنخون الحصار و نسكر ...