...بعض العرب كشفوا عن سوآتهم بقلم:أ.د.محمد صلاح أبو حميدة
تاريخ النشر : 2020-09-16
...بعض العرب كشفوا عن سوآتهم
مازال الفلسطينيون متمسكين بعروبتهم وعمقهم العربي الذي يشكل قوة كامنة لهم عبر مراحل نضالهم المتعاقبة ، فلا أحد ينكر أو يتنكر لمواقف القادة العرب الذين عشقوا فلسطين والقضية الفلسطينية، ونافحوا عنها متناسين الحدود التي صنعتها سايكس بيكو؛ من ينكر مواقف الرئيس جمال عبد الناصر القومية، الذي بارك ميلاد الثورة الفلسطينية المعاصرة، وقال عبارته الشهيرة " وجدت لتبقى وهي أنبل ظاهرة عرفها التاريخ" ، وأضاف عليها الشهيد الراحل أبو عمار "وجدت لتبقى وتنتصر"، ولا أحد ينكر موقف الملك فيصل بن عبد العزيز التاريخي في حرب أكتوبر 73 الذي استخدم سلاح البترول لأول مرة في وجه الغرب ، وأمر بوقف بيع البترول العربي للدول التي تساند وتؤيد اسرائيل في حربها ضد العرب عام 73، وطالب الزعماء العرب بتقديم كل أنواع الدعم لمصر وسوريا في حربها مع الكيان الإسرائيلي، ولا يقل موقف الرئيس هواري بو مدين شجاعة وشهامة عن سابقَيه؛ إذ كان مسكوناً بالحس القومي العروبي ، فقدم الدعم المالي واللوجستي والميداني على أرض المعارك العربية قائلاً " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة"، وها هو سخاء الشيخ زايد أل نهيان ماثلاً أمام العيان في كل الأقطار العربية، وكان دعمه للقضية الفلسطينية والحق الفلسطيني دعماً غير محدود، غير آبه برضى أو غضب أمريكيا أو اسرائيل أو سواهما، "فالبترول العربي ليس أغلى من الدم العربي" .
وموقف العرب جميعاً في قمة الرباط عام 1974 كان تتويجاً للمواقف العربية القومية، حيث أقروا بالإجماع بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأوقفوا بذلك القرار التدخلات -من هنا وهناك- التي كانت تسعى للتلاعب والتدخل في القرار والموقف الفلسطيني. ثم حصول فلسطين مؤخراً على عضو مراقب في الأمم المتحدة عام 2012 ، بجهود القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، ودعم ومساندة الدول العربية والإسلامي ودول عدم الانحياز والدول المساندة للحق الفلسطيني بوجه عام.
هذه المواقف وغيرها مازالت تنعش الذاكرة، ونسترجعها من حين إلى آخر حين تعصف بنا الأيام ، وتتزايد دعوات التراجع والتخاذل وتلقي بظلالها على المشهد العربي، فتنزلق بعض الدول العربية إلى هاوية التطبيع والاستسلام لإرادة العدو، وتتنكر لعروبتها وقضيتها المركزية قضية فلسطين التي وحَّدت العرب وجمعت شملَهم على مدى قرن من الزمان.
إن ما يجري من تهافت بعض الدويلات العربية على إقامة علاقات طبيعية ودبلوماسية مع دولة الكيان، يشكل صدمة صادمة لكل فلسطيني وعربي حر كان ومازال يؤمن بأن العدو الإسرائيلي قاتل ومحتل ومشرد للشعب الفلسطيني.
وحرص دولة الإمارات والبحرين ومن سيلحق بهما من دول أخرى عربية في المشرق العربي والمغرب، ليدلل على هشاشة هذه الدول، وغياب شخصيتها السيادية التي باتت تستجدي المحتل أن ينظر إليها بعين الرضى والعطف ، ويغفر لها مواقفها القومية السابقة تجاه القضية الفلسطينية، وما يزيد الموقف مرارة أن مثل هؤلاء المطبعين يتشدقون بالحق الفلسطيني مخادعين ومضللين شعوبهم أثناء توقيعهم على معاهدة الخزي والعار مع دولة الاحتلال وتقديمهم الشعب الفلسطيني والحق الفلسطيني قرباناً في معبد ترامب الأخرق، ونتنياهو الفاسد.
نحن الفلسطينيين نؤمن بعقيدة راسخة أن العرب لن يأتوا بطائراتهم ودباباتهم وجيوشهم الجرارة لتحرير فلسطين والقدس ، ونحن لا نتوقع منهم ذلك في يوم من الأيام؛ وإنما نؤمن بأن عبء التحرير هو على كاهل الفلسطيني؛ لأنه" ماحك جلدك مثل ظفرك"، الذي قدم التضحيات الجسام وضحى بالغالي والنفيس من أجل تحرير أرضه وحفظ كرامته وعزته التي هي رأسماله في زمن تباع فيه الكرامات ، وتتهاوى عزائم الرجال، وتتحطم القيم الإنسانية والمبادئ القومية العربية.
من هنا، فإننا نحن الفلسطينيين، متمسكون بعمقنا العربي ولن نحيد عنه، مهما قسا علينا بعض إخواننا العرب، وأن ما قام به، أو يقوم به، أو سيقوم به بعض الحكام هو حدث طارئ لن يدوم، وستنهض شعوب تلك الدول من غفلتها ؛ لتعيد القطار إلى مساره الصحيح، وتتلاحم أواصر الإخوة واللغة والدم والتاريخ في بوتقة الموقف العربي الواحد، والهم العربي الواحد، والمستقبل العربي الواحد.
أ.د.محمد صلاح أبو حميدة
أمين سر المكتب الحركي المركزي للكتاب والأدباء الفلسطينيين
أستاذ أكاديمي في جامعة الأزهر -غزة