النبي محمد عليه الصلاة و السلام منقذ الإنسانية بقلم:د.طارق ليساوي
تاريخ النشر : 2020-09-16
النبي محمد عليه الصلاة و السلام منقذ الإنسانية بقلم:د.طارق ليساوي


النبي محمد عليه الصلاة والسلام منقذ الإنسانية ...

د.طارق ليساوي

في مقال "أولويات الشعوب العربية في زمن التطبيع" خلصنا إلى أن أولوية الشعوب العربية تحديد تتمحور في :" وقف مسلسل الاستبداد و الانحدار للخلف، و الارتماء في أحضان الغرب و الشرق.. فكل الدول العظمى تخدم مصالح شعوبها ، بينما منطقتنا العتيدة حكامها يحاربون شعوبهم و يبذرون مواردهم خدمة لأجندات الغير، و هم لا يعلمون أنهم بذلك يوقعون على شهادة زوال سلطانهم، إذ لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر طويلا فالحكام العرب تخطوا كل الحدود الحمراء و الشعوب فقدت  وعاء الصبر و دوام الحال من المحال و هذا هو منبع تفاؤلنا بأن القادم من السنين سيكون أفضل شريطة الخروج من حالة الصمت القاتل فلابد من رفع الصوت عاليا و لو من شرفات البيوت..." و بنظرنا ، هذا الحد الأدنى الواجب على كل مواطن مسلم غيور على وطنه و دينه، فأضعف الايمان رفض الذل و الانبطاح و إنكاره و لو بالقلب، مصداقا لقول المصطفى عليه الصلاة  السلام : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، و ذلك أضعف الإيمان" هذه وصية محمد عليه الصلاة نبي الإسلام و رسول الله للعالمين و للبشرية جمعاء، هذا النبي الكريم الذي لازال هدفا لسهام النقد و التجريح و التشكيك منذ بعثته قبل 1450 سنة، هذا النبي الذي جاء بوحي و هدي ما أحوج البشرية له في زمن التيه و استعباد الإنسان و غلبة الهوى ...

و الواقع أني لا أريد أن أحمل غير المسلمين مسؤولية الأذى الذي يتعرض له نبينا الكريم، فنحن المسلمين من نتحمل المسؤولية، لأن واقعنا يعطي للغير صورة سلبية عن حقيقة الإسلام و المسلمين، فأغلب شعوب الدول الإسلامية و في مقدمتها الدول العربية تعيش تحث نير الاستبداد و الظلم و الطغيان ، فحكام هذه البلاد لا يتورعون في تقديم صورة مخزية عن دينهم و شعوبهم ، فغياب الديمقراطية و العدل و سيادة القانون و المساواة بين الحاكم و المحكوم، و تبذير المال العام، و السفه في إدارة الثروات الوطنية الطائلة، و غياب الفصل بين السلط و الخضوع المذل للأجنبي و الإهانة و التنكيل بالمعارضين للحاكم، و تكبيل حرية الرأي و التعبير ، و التفريط في الأوطان و التعاون مع العدو لإلحاق الأذى بالأخ في العقيدة و الوطن ، كلها إساءة عميقة و مباشرة لحقيقة و روح نبي الإسلام و دين الإسلام فضعف المسلمين سبب في تطاول الغير على مقدساتنا و نبينا الكريم..

فالإسلام يرفض كل هذه الممارسات و يدينها بشكل واضح، فالإسلام هو من أرسى مبدأ الحكم الديموقراطي و أعطاه مفهوما أوسع و أعم " (و أمرهم شورى بينهم ) (الشورى الاية 38)، و تبعا لذلك فقد دعى للقطيعة مع الحكم التيوقراطي و جعل من إختيار الحاكم مسألة تهم كل المسلمين – المواطنين، فالبيعة في الإسلام هي انتخابات عامة ...و قد تم تطبيق هذه المبادئ في عهد الخلفاء الراشدين قبل أن يتحول الحكم إلى حكم ملكي وراثي، و رأينا كيف كان الصحابة يحاسبون الصديق  و الفاروق و عثمان و علي رضي الله عنهم جميعا، فالطاعة لم تكن عمياء و إنما طاعة في الحق لا نصرة للظالم و المستبد ...فالإسلام دين يعادي الظلم و يرفض الذل، و لاعبودية في الإسلام إلا لله الواحد القهار و هو جوهر التوحيد ...

فمحمد عليه الصلاة هو خاتم الأنبياء و رسول للعالمين ، لذلك فإن الإسلام هو دين الله في السماوات والأرض وملة جميع الأنبياء ، ويقوم على التوحيد، وهو يوفر رؤية للكون والحياة والإنسان، وهو طراز خاص في الحياة، متميز عن غيره كل التميز، يفرض على المسلمين العيش و فق  منهج ثابت لا يتحول ولا يتغير، ويحتم عليهم التقيد و الاستسلام لهذا المنهج في العبادات و المعاملات، و هذا الاستسلام هو جوهر الحرية، لأنه يجعل المسلمين لا يطمئنون فكرياً ونفسيا إلا في هذا النوع المعين من العيش، و محاولة إبعادهم عن المنهج يجعلهم يشعرون بالاغتراب و فقدان الهوية و الطاقة المحركة ...

و تبعا لذلك، فإن الإسلام ليس مجرد دين روحي أو مجموعة مفاهيم لاهوتية ، وإنما هو طريقة فريدة في العيش، وعلى المسلمين جميعا أن تكون حياتهم حسب هذه الطريقة وحدها.. فهو دعوة الله إلى الناس كافة، ورسالته سبحانه و تعالى  إلى العالمين، وهو الدين الذي يدعو إلى التفاعل الحضاري دعوة صريحة وقوية، على اعتبار أن الحوار الذي نادى به الإسلام ، هو في طبيعته وجوهره ورسالته فهو دين يخاطب العقل و يقوم على البينة ، كما أنه قائم على قاعدة التسامح ، هذا المنحى فتح السبيل إلى الاحتكاك الواسع بالأمم والشعوب الأخرى، بل إن انتشار هذا الدين تحقق بالحوار أما دعاية أنه إنتشر بالسيف فذلك أمر فيه مجانبة و اضحة للصواب ، فالمسلمون لم يقوموا بغزو- فتح شرق أسيا بل إنتقل إليها الإسلام عبر التجارة، و نفس الأمر في العديد من الأقطار في إفريقيا و أوروبا، و انتشار الإسلام في العصر الحالي و دخول العديد من الناس فيه، لم يكن بالسيف و إنما بالمطالعة و البحث الواعي في روح الإسلام ...

فالإسلام يحمل مشروع حضاري و رؤية واضحة لسعادة الإنسان في الدنيا و الآخرة ، وبالرجوع إلى المنطلق التاريخي نجد أن ملامح المشروع الحضاري الإسلامي ظهرت في الماضي بداية بنزول الوحي على خاتم الأنبياء والرسل محمد عليه الصلاة والسلام، حيث كان نواة نشوء الحضارة العربية الإسلامية بتحويل البيئة العربية السائدة من الشعر إلى الوحي، الذي بدأ بكلمة "إِقْرأْ"، فقد عمل مخمد عليه الصلاة و السلام، على تأسيس التوحيد كعقيدة شاملة للعرب والناس كافة، حيث كان الهدف الأولي هو تكوين دولة قاعدة للوحدة، قبل أن تكون تصورا وفتوحا خارج بلاد العرب، فكانت الفتوحات العربية انطلاقة لحركة تاريخية جديدة لتوحيد القبائل العربية، ثم تمكن بعدها المسلمون من وراثة الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، المتناحرتين على السيطرة على العالم واستعباد شعوبه، وبعد أن أرست الدولة الإسلامية أسسها عرفت تطورا في العلوم، فكانت غايتها إقامة حضارة إنسانية علمية يكون العلم وإعمال العقل فيها مساويا للدين ومرادفا له، بل إن أحدهما في خدمة الآخر ،فصنعت الفكرة الدينية وتفاعلها لدى الفرد المسلم حضارة نموذجية للعلم والفكر والفن، يتبارى فيها المفكرون والعلماء والأدباء مع الخلفاء والأمراء والقضاة والفقهاء.

لذلك، فحالة الجمود الفكري الذي عانت منه الأمة الإسلامية كان سببا في تخلفها الحضاري، و فشلها في القيام بدورها الرسالي، و حمل أعباء هداية الناس و إخراجهم من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، و لا يستطيع أحد اليوم أن ينكر أن الإنسان أصبح عبدا لهواه أو عبدا للقمة العيش ، و عبدا لحكام فاسدين لم يختارهم بحرية، فأوجه العبودية في عصرنا يصعب حصرها فوثنية عصرنا أصعب و أعقد من وثنية عصر الجاهلية... و لعل هذا ما أثار عقول نيرة في الغرب و دفعها إلى التعبير عن رأيها بموضوعية و عمق في النبي محمد عليه الصلاة و السلام ...

و إذ ندين و نستهجن الإساءات التي تصدر بالغرب في حق المصطفى عليه الصلاة و السلام و ندين سكوت المسلمين عن هذه الإساءات المتكررة ، فمن الإنصاف  أن نذكر أن هناك عقول لها وزنها و قدرها قد أشادت بموضوعية، بعظمة النبي محمد عليه الصلاة و السلام، فمثلا قال الفيلسوف الألماني "جوته" عن محمد عليه الصلاة و السلام: "إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه مُحمد، ولن يتقدم عليه أحد، ولقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته في النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهكذا وجب أن يظهر الحق ويعلو كما نجح محمد الذي أخضع العالم كله بكلمة التوحيد"..و قال عالم الاجتماع الفرنسي "جوستاف لوبون" في كتاب "حضارة العرب":رغم ما يشاع عن محمد من قبل خصومه ومخالفيه في أوروبا إلا أن الحقيقة، التي لا مراء فيها، أنه أظهر الحلم العظيم والرحابة الفسيحة".

أما الأديب الأيرلندي "برنارد شو" فقد قال عنه:" من الإنصاف أن يدعى محمد منقذ الإنسانية، وأعتقد أن رجلاً مثله لو تولى زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشكلاته وأحل فيه السعادة والسلام" ،  أما الكاتب الأمريكي "مايكل هارت" في كتابه "العظماء مائة وأعظمهم محمد ، فقد صرح بما يلي : "اخترت محمداً في أول هذه القائمة، ولا بد أن يندهش كثيرون لهذا الاختيار، ومعهم حق في ذلك، ولكن محمداً هو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي، فدعا إلى الإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد 13 قرناً من وفاته ما زال أثر محمد قوياً ومتجدداً" ...أما الفيلسوف والمؤرخ الأمريكي "ويل ديورانت" في كتابه "تاريخ الحضارة الإنسانية ، فقد قال عن محمد عليه الصلاة و السلام : "إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس، فإننا سنقول إن محمداً كان أعظم عظماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية وحرارة الجو وجدب الصحراء، وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحاً لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ" و على الرغم من جمال و موضوعية هذه الأوصاف الصادرة عن علماء غير مسلمين ، إلا أن وصف الله تعالى لنبيه كان أعظم و أجمل و أشمل فقد قال تعالى في مدح نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقد جاءت هذه الآية في معرض الرد على المشركين بعد اتهامهم النبي عليه الصلاة والسلام في مكة بأنه مجنون، فنفى الله عنه تهمة الجنون، وأنزله منزلته الحقّة، وهي أنّه ذو خلق رفيع عظيم، وشهادة الله تلك إنّما هي دليل على كمال سيدنا محمد عليه السلام، وعلوّ شأنه، وعظمة شخصيته...و سنحاول إستكمال هذا النقاش في مقال موالي إن شاء الله .. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون …

أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية  أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..