تأثير العلاقات القطرية-الإسرائيلية على القضية الفلسطينية بقلم د. عرفات علي جرغون
تاريخ النشر : 2020-09-16
(تأثير العلاقات القطرية - الاسرائيلية على القضية الفلسطينية)
بقلم د. عرفات علي جرغون
ناشط وباحث سياسي فلسطيني

رغم أن قطر بررت علاقتها مع الكيان الصهيوني إضافة إلى المتغيرات الإقليمية والدولية، بأنها تهدف من وراء هذا التقارب إلى تدعيم وتحريك عملية السلام العربية والإسرائيلية، إلا أن العلاقات التطبيعية المتزايدة مع تل أبيب والمبادرات التي تقدمت بها قطر لإحداث انفراجة في عملية السلام تثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك التي تؤثر بدورها على الموقف العربي عامة، وعلى القضية الفلسطينية خاصة.
كما أنها تكشف عن وجود نوع من التناقض في السلوك القطري على أكثر من مستوى. فمن ناحية هناك تناقض بين الموقف الرسمي والشعبي في قطر، ففي حين يتجه الأول إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل وصياغة سياسة خارجية فاعلة إزاء تل أبيب، فإن الموقف الشعبي يرفض هذه السياسة ويطالب بوقف هذه العلاقات، وإغلاق المكتب الإسرائيلي في الدوحة، احتجاجًا على ممارسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني.
وفي هذا الإطار كشفت تطورات الساحة الفلسطينية بداية من انتفاضة الأقصى ونهاية بالعدوان الإسرائيلي على غزة 2012، وجود تناقض آخر في السياسة الخارجية القطرية يتعلق بمسألة التوتر الذي يشوب العلاقات بين قطر وإسرائيل، ويظهر هذا جليًا في أعقاب انتفاضة الأقصى التي تفجرت في 28 سبتمبر 2000، وفي ظل الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية ضد أبناء الشعب الفلسطيني، تنوع رد الفعل العربي والإسلامي إزاء مسألة التطبيع بين القرارات السيادية. فقد طالب البيان الختامي للقمة العربية الطارئة المنعقدة في الدوحة في 12 نوفمبر2000، الدول الأعضاء التي أقامت أو شرعت في إقامة علاقات مع إسرائيل في إطار عملية السلام، بقطع هذه العلاقات بما في ذلك إغلاق المكاتب والبعثات وقطع العلاقات الاقتصادية، ووقف جميع أشكال التطبيع مع إسرائيل حتى تنفذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بالقضية الفلسطينية. وواجهت القمة تحديًا كاد أن يعصف بانعقادها ونجاح فعالياتها بل وإحداث شرخ في الجدار الإسلامي، إزاء مسألة التطبيع مع إسرائيل، حيث رفضت قطر الدولة المضيفة للقمة إغلاق مكتب الاتصال التجاري الإسرائيلي لديها، في إعلان رسمي عن رغبتها في أن تكون على رأس قائمة الدول التي تريد تعزيز التعاون مع إسرائيل باعتباره أمرًا سياديًا لا يجب المساس به. في حين ظلت مترددة في تنفيذ توصيات القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في أكتوبر2000 على خلفية انتفاضة الأقصى، والتي دعت الدول العربية إلى إعادة النظر في اتصالاتها مع إسرائيل.
فهناك العديد من المبادرات العربية التي طُرحت مقابل التطبيع مع إسرائيل، كان أخرها المبادرة العربية للسلام التي طرحتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت 2002، والتي تتضمن دعوة إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة 1967، وإقامة دولة فلسطينية مقابل إقامة علاقات طبيعية بين إسرائيل والدول العربية.
وعليه، فإن هذا التناقض في السلوك القطري أضر بالموقف العربي العام، والاستراتيجية العربية المقررة في القمم العربية والتي تهدف إلى توحيد الصف العربي وتقوية حججه في مواجهة الكيان الصهيوني لإجباره على القبول بشروطه مقابل أي شكل من أشكال التطبيع معه.
وإن لجوء قطر وغيرها من الدول العربية (المغرب، تونس، سلطنة عُمان، موريتانيا) إلى إقامة علاقات مع إسرائيل مدفوعة بمخاوفها أو مصالحها الذاتية، لكي تضمن مكانها في أي ترتيبات مستقبلية في المنطقة بعد التوصل إلى التسوية الشاملة على المسارات الأخرى.
أضعف وأربك الموقف العربي، فضلاً عن تأثيره السلبي على القضية الفلسطينية وشعبها، وزاد من مماطلة وتعنت إسرائيل في إقامة الدولة الفلسطينية والاستجابة لتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين، والانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، لإدراكها بعدم وجود موقف عربي موحد قد يؤثر ويضغط عليها في المحافل الدولية.
ورغم أن القيادة السياسية القطرية قد أكدت على أن علاقتها مع إسرائيل تنطلق من عدة اعتبارات تتمثل في (العلاقات القطرية- الإسرائيلية هي جزء من العلاقات العربية- الإسرائيلية العامة والتي بدأت بمؤتمر مدريد للسلام وتواصلت عبر توقيع الاتفاقيات مع الأطراف العربية الأخرى. ضرورة قيام قطر بالإطلاع على التطورات على كافة المسارات من خلال تواصل اللقاءات، والعمل على دفع الإسرائيليين من خلال الحوار إلى الوصول إلى حل دائم وعادل وشامل. ضرورة استمرار المباحثات والمفاوضات العربية- الإسرائيلية حتى يتحقق السلام عبر تبادل الآراء والمشاورات بين الجانبين. التأكيد على أنه لا يمكن قيام سلام إلا إذا تأكدت السيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى والقدس الشرقية). إلا أن ما حدث هو أن انجراف قطر وراء رغبتها في تحقيق مكانة إقليمية ودور فاعل على الساحة العربية دون التزام بالثوابت العربية في هذه القضية، وهو ما جعل إسرائيل المستفيد الوحيد من العلاقة مع قطر انطلاقًا من قناعتها بأن علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي عامة ومع قطر خاصة، يمكن أن توظف لصالحها في عدة مجالات، وهو ما تحقق بالفعل؛ حيث حققت إسرائيل من وراء هذا التقارب ثلاثة مصالح أساسية، وهي:
- تلبية حاجة الاقتصاد الإسرائيلي الملحة لمصدر طاقة قريب "نفط الخليج" مقارنة بمصادر الطاقة البعيدة والمكلفة التي تستوردها إسرائيل.
- فتح الأسواق الخليجية ذات الأنماط الاستهلاكية المتسارعة لترويج المنتجات الإسرائيلية.
- أن يكون لإسرائيل يد مباشرة في التأثير على النظام الإقليمي الخليجي وتوتير العلاقات بين أطراف هذا النظام.
وبهذا فإن استخدام قطر سياسة التطبيع والإقصاء كأدوات سياسية للحفاظ على الظهور في بيئة جيوسياسية متغيرة حتى تضمن أن تكون لاعبًا إقليميًا قويًا ومؤثرًا جاء على حساب قضايا مصيرية وجوهرية مثل القضية الفلسطينية. فرغم التطور النوعي في التعاطي القطري مع القضية الفلسطينية من مجرد تقديم الدعم المادي والمعنوي في عهد الأمير "خليفة" إلى لعب دور أساسي في القضية من خلال طرح مبادرات لحل القضية والعمل على إنجاح المصالحة الفلسطينية، وهو ما تجسد في إعلان الدوحة، وزيارة الأمير "حمد" لقطاع غزة 2012 ـ فإن هذا التطور لم يفد القضية الفلسطينية بقدر ما أضرها، نتيجة لتعظيم السياسة الخارجية لدور طرف فلسطيني (حركة حماس) على حساب طرف آخر (حركة فتح) ما زاد من حدة الانقسام حتى وصل الأمر إلى الترويج لقطاع غزة باعتباره دولة مستقلة منفصلة عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو الأمر الذي وإن لم يظهر واضحًا في تصريحات المسؤولين القطريين فإنه كان بارزًا في تغطية قناة الجزيرة (إحدى الأدوات الرئيسية للسياسة الخارجية القطرية) للقضية الفلسطينية.
كما وأن التقارب القطري مع إسرائيل شجع بدوره العديد من الدول العربية على السير قدمًا نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، ما مثل شرخًا في الموقف العربي وعكس في مجمله تأثيرًا سلبيًا على القضية الفلسطينية التي كانت وما زالت تعاني مماطلة وتعنت إسرائيل من تنفيذ استحقاقات السلام الموقعة في المحافل الدولية؛ فإسرائيل لا تخشى الصف العربي فمعظمه يسعى للتودد إليها للحصول على بعض الضمانات الخاصة بالأمن من الولايات المتحدة الأمريكية الداعم والمؤيد للكيان الصهيوني منذ نشأته على أرض فلسطين التاريخية.