الخطوات الفلسطينية اللازمة في ظل التطبيع العربي والغطرسة الاسرائيلية بقلم: سفيان الشنباري
تاريخ النشر : 2020-09-16
الخطوات الفلسطينية اللازمة في ظل التطبيع العربي والغطرسة الاسرائيلية
بقلم: سفيان الشنباري

حينما رفض العالم العربي الوجود الإسرائيلي وعدم الاعتراف به، قد أبقى حالة الاصطدام مع إسرائيل قائمة نظرياً ومحتملة واقعيا، فكان الرفض العربي رغم عدم كفايته، الا انه قد حجب عن إسرائيل سمة الشرعية في المنطقة، فحينما تعترف دول عربية بإسرائيل وتفتح باب التطبيع والعلاقات وبسط السلام فيما بينهما هنا يصبح هذا الاعتراف نسفا لكل القرارات والمبادرات العربية الخاص بالقضية الفلسطينية والتي كانت دائما البند الاول في جدول اعمالها.
وبالتالي اي عملية سلام مع اسرائيل من قبل الدول العربية كأنه يعمل على ازالة اللاشرعية التي اتسمت بها إسرائيل وتغطية الاحتلال الاسرائيلي بغطاء الشرعية لتدخل المنطقة من اوسع أبوابها.
السؤال الذي يطرح: ما هو تأثير تطبيع الدول العربية مع إسرائيل على سير النضال الفلسطيني للوصول الى دولة فلسطينية؟
الفلسطيني على مدار تاريخه ونضاله كان يستند أولا على العنصر البشري الفلسطيني وهو السلاح الحاسم في هذا الصراع ومن ثم معتمداً على العنصر البشري العربي أي بعده الاستراتيجي وعمقه العربي، حيث كان المأمول من قبل الدول العربية في الأساس ليس التمسك بالحق الفلسطيني فحسب وانما التمسك بعدم شرعية إسرائيل في المنطقة لكي تبقى حالة الصدام بين الدول العربية وإسرائيل حاضرة ليشكل هذا الرفض ضغط على إسرائيل في اجل إيجاد حل للقضية الفلسطينية، يرغمها العالم فيما بعد على الانسحاب من المناطق المحتلة خوفا من الانفجار في منطقة ترفض وجودها، فكان القول السائد طيلة تلك الفترة ان القضية الفلسطينية حلها يكون على المدى البعيد مرهون بما يحدث في العالم العربي من تطورات، فجاءت التطورات الاخيرة بعدما اخترقت الامارات والبحرين المفهوم والمأمول والمعمول به لأجل فلسطين، لتخرج علينا اليوم لتوقع اتفاق سلام برعاية أمريكية، وما خفي كان اعظم قد تخرج علينا دول أخرى تعلن تطبيعها مع إسرائيل، الامر الذي من شأنه عزل القضية الفلسطينية عن بعدها الاستراتيجي، وخاصة بعد فشل جامعة الدول العربية بإقرار مشروع يدين التطبيع الاماراتي مع إسرائيل، هنا ندرك ان الدول المطبعة قد ادارت ظهرها للقضية الفلسطينية ومنحت الاحتلال الشرعية في كل ما يفعله بالشعب الفلسطيني، واعطت ضوء اخضر لإسرائيل لتستمر في سياستها تجاه القضية الفلسطينية، بل ان الصمت العربي قد اعطي الحرية في تطبيع دول أخرى مع إسرائيل، فنتنياهو قالها في المرة الأولى والثانية والعاشرة سلام مقابل سلام واقتصاد مقابل اقتصاد فقط، وقد لا نستبعد ان تقوم الدول المطبعة في الفترة المقبلة بالسعي لإلغاء قرارات الأمم المتحدة التي تدين إسرائيل وبالتالي القضية الفلسطينية والقيادة الفلسطينية امام تحديات كبيرة الهدف منها عزلها لتفعل إسرائيل الافاعيل بالأراضي الفلسطينية.
هل يعني ذلك ان تكتفي القيادة الفلسطينية بالرفض؟
بخصوص موقف الرفض علينا ان نحدد متى يكون ايجابيا نضاليا ومتى يكون سلبيا يشكل نزيفا لطاقات النضال، الفلسطيني كان أمام قضية واحدة وهي ازالة آثار العدوان الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية المحتلة للوصول الى دولة مستقلة، ولكن في ظل تطبيع بعض الدول العربية وخذلان جامعة الدول العربية أصبح الموقف الفلسطيني مثقلاً بالأعباء والتحديات فإما أن يبقى الفلسطيني متهم من قبل الاحتلال بعدم وجود شريك للسلام او متهم من قبل العرب المطبعة بضياع الأرض ومحروما من أي صديق او حليف، والعالم يشير اليه بأصبع الاتهام وعلى رأسهم الولايات المتحدة التي لطالما تغنت مع إسرائيل بان الجانب الفلسطيني يفوت الفرص ويرفض السلام ولا يريد حل. فالولايات المتحدة بطبعها تريد تضيق الخناق على الفلسطينيين واثبات ذلك بدل من اثبات حقهم في ارضهم المسلوبة، وبالتالي لنأخذ بمقولة معروفة فيها التفاؤل يتكلم" بالضغط والتضييق تلتحم الأجزاء المبعثرة، والأزمة تلد الهمة" ولأجل ترجمة هذه المقولة علينا تفعيل عدة خطوات على الجانب الفلسطيني القيام بها لدحض كل ما ذكر ليصبح رفض الموقف الفلسطيني رفضا إيجابيا نضاليا مبنيا على النحو التالي:
أولا: تحقيق المصالحة الفلسطينية:
من السهل الجلوس وراء خنادق النقد وإظهار عيوب بعضنا البعض ولكن اليوم أصبحنا مطالبين بالخروج من هذه الخنادق لنضع خطط وأدوات تنهي هذا الانقسام الذي عزل الفلسطيني عن قضيته وهويته وألهى الفلسطيني عن واجبه، وبالتالي الموضوع اليوم ليس برنامج او نظام حكم او من يكون او لا يكون، اليوم لا صوت يعلو فوق صوت الوطن، قد تختلفوا في المقاعد والبرامج والحصص ولكن لا تختلفوا على الوطن.
كيف تقبل عقولنا توالي الفتن وبقاء الانقسام لأكثر من 13 سنة، ورغم اننا نعرف خطط إسرائيل في التوسع على حساب تمزيق الكيان الفلسطيني من الداخل وبالتالي لا أريد التحدث عن المصالحة الفلسطينية فالكثير تحدث عنها، لأنها من البديهيات فمن المعضلات شرح الواضحات، والمعروف لا يعرف ولا يمكن ان تقوم لنا قائمة الا من خلال التصرف والبدء بترتيب البيت الداخلي يكون فيه الجميع محصن وتشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الكل الفلسطيني.
ثانيا: الاتفاق على شكل المقاومة والوسائل والطريقة:
إذا نظرنا الى الواقع الفلسطيني نجد خمسة مليون فلسطيني في المناطق المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ومليون ونصف في الداخل وجميعهم تحت الاحتلال الإسرائيلي.
كيف يمكن ان نجعل هذا الواقع بمجموعه ان يؤثر على مجريات الاحداث وخاصة بعد تهرب الاحتلال من استحقاقات التسوية السياسية، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية؟ كيف يمكن ان يعاد اسم فلسطين على خارطة الاحداث كقضية مركزية وبؤرة الصراع في الشرق الأوسط؟
بعض الفصائل الفلسطينية تعتقد ان فلسطين ممكن ان تتحرر بالضربة القاضية أو الحاسمة، فمن يؤمن بالضربة القاضية والحاسمة فهذه الفكرة لا وجود لها طالما افتقدنا للشروط المطلوبة لأنها تحتاج الى دعم وحاضنة عربية تمدك بكل ما تريد وتكون مستعدة في كل الأوقات وهذا امر غير وارد اساساً هذا من جانب ومن جانب أخر فكرة الضربة القاضية لا تتحقق بمرحلة واحدة ومسيرة واحدة وانما بعدة مراحل. فالتحرير لا يأتي بالضربة القاضية او الحاسمة او بخلطة سحرية في ظل الواقع والخذلان والتفكك العربي.
وبالتالي من اجل إعادة القضية الفلسطينية الى الواجهة لابد من تفعيل المقاومة الشعبية وذلك بتثوير الشعب الفلسطيني أي أن يكون في حالة ثورة شعبية شاملة تستهدف الى ارهاق واشغال وزعزعة الاحتلال. باستخدام الأساليب الممكنة والعديدة في المواجهة والمقاومة، من خلال وضع استراتيجية وطنية موحدة تجمع الكل الفلسطيني هدفها الاول فلسطين وهدفها الأخير الإصرار على فلسطين، وذلك بحشد الخبراء والمختصين وانشاء مراكز أبحاث تدرس إسرائيل من الداخل وتدرس مطامع إسرائيل وعليه لابد من إعداد إطار جامع يدير المعركة الطويلة مع الاحتلال الإسرائيلي والذي يجب ان يضم حامل البندقية وحامل الفكر رجل السياسة ورجل الحرب ورجل الاقتصاد وعالم التاريخ وعالم الجغرافيا وعالم البيئة وبمشاركة فلسطينيو الداخل والخارج كل ذلك من اجل بناء وتهيئة الشعب الفلسطيني لخوض هذا الطريق حتى يكون مؤهلاً للصمود ومعبأ تعبئة وطنية خالصة لا يمكن ان تقهر او تقتلع، ومؤهلاً لأشكال المواجهة الأخرى الأشد عنفاً، أن آن اوانها، باختصار أن يكون الفلسطيني مسلحاً فوق السلاح نفسه، من اجل الحصول على الهدف البعيد وهو تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية.
ثالثا: تعزيز الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية:
ندرك ان الشرعية الدولية وقرارتها معنا ولكن الوقائع على الأرض ليست معنا وانما مع الاحتلال الإسرائيلي وذلك لأننا نعيش في عالم لا تسوده الاخلاق والقيم ولا قواعد القانون الدولي ولا مبادئ حقوق الانسان وانما نعيش في عالم تحكمه شريعة الغاب والظفر والناب.
وبالتالي نعيش في عالم يشهد التكتلات والتحالفات والمجموعات والتي كان لها شأن في مساعدة بعض الدول على تحقيق الاستقلال والنصر وعليه نجد أن الدول دائما تبحث عن حلفاء لها من دول أخرى لتقف بجانبها في الحرب والسلم ونذكر هنا ألمانيا التي قد خسرت حربين عالميتين لأنها كانت معزولة في أوروبا ولم يكن لها حلفاء مهمين، في المقابل بريطانيا لم تخوض حرباً بمفردها وانما تخوض حروبها دائما مع حلفاء لها.
لم اذكر هذا المثال لأجل ان تخوض دولة ما الحرب بجانب الفلسطينيين وانما ذكرت هذا المثال لأهمية البحث عن دول لهم قوة وتأثير، وخاصة بعد أن عمدت الولايات المتحدة الى اقصاء أي دولة او منظمة دولية يكون لها دور في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أضحت الولايات المتحدة الوصية على عملية السلام وفرض مشاريع التسوية السياسية في المنطقة دون الرجوع الى قرارات الشرعية الدولية، المتعلقة بالصراع الفلسطيني -الإسرائيلي وعملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.
لذلك على الجانب الفلسطيني ان يبحث عن موقف دولي مضاد يمكنه كسر احتكار ووصاية الولايات المتحدة على عملية السلام بوجود دول تدعم الحقوق الفلسطينية دون الالتفاف على قرارات الشرعية الدولية او تجزئة الحقوق الفلسطينية مثل الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية اللتان تعتبران قوى عظمى وقوى اقتصادية كبرى في العالم ودائمي العضوية في مجلس الامن، لهما التأثير على العلاقات الدولية، وكذلك مواقف الاتحاد الأوروبي، كل هؤلاء اكدوا على دعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بقيام دولة مستقلة على حدود حزيران 1967م. وبالتالي من أجل استثمار هذا الموقف لابد من وجود موقف فلسطيني موحد فلو توحد الفلسطينيون سيعاملهم العرب والعالم معاملة جديدة وسوف يضعوا كل هؤلاء امام مسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية بشكل أو بأخر.