العرب يفكون ارتباطهم بفلسطين بقلم: هاني الروسان
تاريخ النشر : 2020-09-16
العرب يفكون ارتباطهم بفلسطين
لا يمكن قراءة اسقاط الجامعة العربية لمشروع القرار الفلسطيني بإدانة التطبيع الاماراتي مع اسرائيل على انه حدث يدخل في مذكرات ايام السقوط العادي لامة بدأت رحلة تلاشيها منذ اكثر من الف عام.
والعارفون بكواليس انضاج ذلك المشروع وما طالته من جراحات تجميلية تتفق وذوق صاحب الخيمة وحاشيته يعرفون ان اسقاط المشروع كان اصرارا لإسقاط حق، قبل ان تكفله كافة القوانين الوضعية كانت قد كفلته القوانين الطبيعية والاديان وهو المساواة بين بني البشر بدء بالحق في الوطن وانتهاء بحرية عبادة الله خالق هذه الحقوق حيث لا اكراه في الدين.
فقد قبل الجانب الفلسطيني مختلف التنقيحات التي ادخلت على النص الاصلي بغية تمريره من اجل المحافظة على الحد الادنى من ديناميات العمل العربي المشترك التي تشكل شبكة آمان اقليمية للحراك الفلسطيني على الصعيد الدولي لاستعادة جزء من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
ومع ذلك تم الاصرار على اسقاط مشروع القرار، في اشارة شديدة الوضوح للفلسطينيين على النية بفك الارتباط العربي الرسمي معهم كما انه جاء اشارة مماثلة للمجتمع الدولي على ان الشأن الفلسطيني لم يعد شأننا عربيا.
وما يؤكد ذلك ويشكل خطرا اكبر على الحق الفلسطيني هو ما تضمنه البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب وكان قد مهد له امين عام الجامعة احمد ابو الغيط عندما شدد على ادانة ما اسماها بالتهديدات الايرانية والتركية وضرورة التصدي لها دون اية اشارة لإسرائيل او حتى لاثيوبيا التي يقول الاعلام المصري انها سرقت حقوق مصر في مياه النيل، فيما يقول آبي احمد ان بلاده لم تتجاوز حدود الاتفاقيات التي وقعها السيسي.
اذن ماذا يعني ان تتفرغ الجامعة العربية بمناسبة انعقاد كهذه لتصنيع اعداء وهميين يمينا ويسارا وتتجاوز عن الخطر الاسرائيلي الحقيقي؟ هل تشرعن للأنظمة العربية منفردة ومجتمعة البحث الحر عن وسائل الدفاع الخاصة بها؟ ام انها تمهد لانهاء معاهدة الدفاع العربي المشترك، وتعد لاخرى تكون فيها ايران او تركيا او كلتيهما العدو الجديد للامن القومي العربي؟. وان كانت اسرائيل ستكون صديقة وحليفة الامن القومي العربي الجديد وفقا لهذا التوجه فهل هناك ما يمنعها من ان تتبوأ مقعد فلسطين وتصبح عضوا في الجامعة؟
وحتى لا يبدو اننا نسبح في خيال ساذج فاننا نذكر بان ادارة ترامب ومنذ فترة وبهدوء تعمل على إنشاء تحالف أمني من ست دول خليجية إضافة لمصر والأردن، ويعرف بشكل غير رسمي باسم "الناتو العربي"، كما قد يحمل أيضا أسماء مثل "ميسا" و"تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي"، قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الخليج العربي، تيم لاندركينغ، في مقابلة مع صحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية إن الإدارة الأمريكية تخطط لعقد قمة في يناير/جانفي المقبل لتدشينه حيث سيضم تسع دول عربية على رأسها دول التعاون الخليجي، بالإضافة لمصر و الأردن و الولايات المتحدة.
ومن المنطقي ان لا يضع لاندر كينغ اسرائيل في قائمة دول هذا التحالف خاصة وانه سابق للاتفاق الاماراتي الاسرائيلي، ولكن بعد هذا الاتفاق واحتمال انخراط دول عربية اخرى في التطبيع سوف يغير من عناصر ومكونات الرؤية الاخلاقية ويضع اسرائيل في قلب هذا التحالف الذي سيكون اولا لتجاوز كافة الحقوق الوطنية الفلسطينية، وثانيا لتحويل اطراف هذا التحالف الى محميات في اطار وظيفي لا يتجاوز البعد الادواتي فيه.
يخطئ من يعتقد ان اسقاط مشروع القرار الفلسطيني من قبل العرب الرسميين باستثناء دولتين سيكون اجراء عاديا وانه يقع في اطار الممارسات السيادية التقديرية التي تمارسها الدول الاعضاء وفقا لميثاق الجامعة سيئ الذكر. بل ان ما قامت به الجامعة العربية هي انها دقت المسمار الاخير في نعش آليات العمل العربي المشترك التقليدية وهيأت الارضية لانهاء الجامعة التي سيكون الناتو العربي بديلا انتقاليلا لها قبل ان يأخذ اسما جديدا عندما تصبح اسرائيل ليست عضوا فيه بل على رأس قيادته.
صحيح ان هذه الخطوة قد تبدو انتحارية لاصحابها من وجهة نظر اتباع المدرسة الطبيعية وضد المسار الطبيعي للاشياء خاصة وان الحقوق كثيرا ما تكون خارج المدوّنات الرسمية للقوانين والقرارات ، باعتبار انها نابعة في الاساس من الالتزامات الأخلاقية المحفورة في ضمير الأفراد وانه يمكن لنا الاستناد اليها لمجابهة كافة القرارات التي تخالفها وحتى القواعد الراسخة في القوانين المكتوبة. حيث ان القانون الدولي اعترف لنا بصورة رسمية بوجود مجموعة من القواعد الآمرة وهي عبارة عن قواعد قطعية لا يجوز الإخلال بها حتى وان كانت غير مكتوبة، ولكن ذلك لن يكون فاعلا خارج رؤية تغييرية اساسها القطع النهائي مع العشوائيات والركون الى العمل الواعي.
لم يكن القرار العربي مخيبا للامال فقط كما انه لم يكن محبطا وانه كان يستحق ان يُنعت بابشع النعوت واكثرها انحطاطا، غير ان هذا هو ما يجب تجنبه لانه ينتمي لوسائل مقاومة مجربة وفشلت فشلا ذريعا في مواجهة مخططات الهيمنة على المنطقة باسرها لا على فلسطين وحدها، وامام هذا فانه ان لم نتجاوز ردود الفعل الغاضبة لخلق آليات فعل جديدة فان الكارثة القادمة ستكون اكثر ايلاما.
ولان كافة هذه المحاولات على خطورتها تبقى بلا افق حقيقي مالم تنل رضا وموافقة اصحاب الحق والشأن، فانه صار ملحا ان يعاد الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما بات من ضروري ان تلتزم كافة الفصائل الفلسطينية بكونها الجهة الوحيدة الممثلة للشعب الفلسطيني، وان اعادة بناء وتهيئة مؤسساتها على اساس رؤية شاملة لانجاز الحقوق الوطنية الفلسطينية هي مهمة مقدسة لا تقبل التأجيل.
من المؤكد ان الحصار على الشعب الفلسطيني قد يشتد في المراحل القادمة ولكنه سيكون اشد ان لم تقع المراجعة الشاملة للسياسات الحالية وفلسفة التحالفات على الصعيدين الاقليمي والدولي.
هاني الروسان/ استاذ الاعلام والاتصال