وقفة ضمير للكاتب حسين رضا مشيك بقلم: حسين أحمد سليم
تاريخ النشر : 2020-09-15
وقفة ضمير للكاتب حسين رضا مشيك بقلم: حسين أحمد سليم


وقفة ضمير للكاتب حسين رضا مشيك

بقلم: حسين أحمد سليم
باحث و مهندس فنّان تشكيلي عربي من لبنان

الفنّ القصصي, سمفونيّة أبديّة صادحة, خالدة, و أغنية جميلة مملوءة بالأشواق, عميقة الحنان, بعيدة المودّة, تنضح بالسّحر و الجمال... و هذا الفن الأدبي القصصي, هو الرّغبة الصّادقة في امتلاك السّعادة, و هو سلامة النّفس في أعماق الأبديّة, و هو العلم الوحيد الذي كلّما أبحرنا فيه نزداد جهلا... حيث الفنّ القصصي أقدس حقوق النّفس البشريّة, و أقرب الأشياء إلى الرّوح الإنسانيّة, و هو الحلقة الذّهبيّة التي تربطنا بالحقّ, بالله, و بالحياة, و بالأيمان, و بالوجود, و بالجمال, وبالواجب عند الكاتب الدّكتور حسين رضا مشيك...

والكاتب مشيك, لا يختلف عن غيره من الكتّاب, إلاّ بكيفيّة مشاهدة الحدث, و كيفية مشاركته فيه, و كيفية تحليله له, بطريقة خاصّة, و صياغته بروحيّته الخاصّة و أسلوبه الخاصّ, و بالتّالي نقل الصّور المتعدّدة, إنّما بأسلوب فنّي قصصي خاصّ, و إحساس إنساني مرهف, مع ما يضفي عليه من واقع موهبته الفنية القصصيّة, و خبرته الحياتية, و ثقافته الشّاملة, و سرعة خاطره, ليزيد على النّصّ بعضا من روحه, فإذا عناصر القطعة القصصيّة, تعكس صدق النّفس, و صدق الرّأي و الموقف, بإرادة واعية, و جرأة واضحة لحركة الوجود و مسارات الحياة بشؤونها و شجونها و معاناة الإنسان في بيئة الفقر و الإجحاف و الحرمان من أدنى مقوّمات العيش الكريم...

فالفنّ القصصي ذلك القوّة الخلاّقة, هو القادر على أن يشكّل لوحة الكينونة, و هو الفاعل على أن يرسم لوحة الصّيرورة, على مدى اتّساع مساحة الوجود, و فضاءات الزّمن الإبداعي... و انّ الفنّ الصصي الذي يرسمه و يشكله و يطرّزه الكاتب مشيك, لا بد مغامرة خطرة, إنّما فيه المتعة كونه من نمط أدبي قصصي فني تشكيلي آخر... حيث معالم الأحاسيس و المشاعر, تسمو في حنايا الكاتب مشيك, فتتجلّى الشّفافيّة الفكريّة, في ومضات الكتابة الفنّية اقصصيّة, و تتجسّد المعاني الإنسانيّة, في صور تزدهي بكلّ وضوحها, و تتألّق بكلّ نبلها...

الكاتب مشيك, علم من بلادي, يلجّ عالم الفكر و الكتابة بقوّة, لتكتحل العين بالجمال الأدبي, و ينقر على أوتار الفؤاد بألوان أدبيّة صارخة أشبه بالجمرات, و يسكب أنفاسه في لوحات أدبيّة فنّية قصصيّة, و يلد تأوّهاته إبداعًا, و يسجّل نبراته و نبضاته فعل مشهد ساحر, و يرتّل بعضا ممّا يكتب و يرسم و يشكّل, و يغنّي خواطره و أشعاره و قصائده و قصصه الملتهبة في كلّ متناغم ...

الكاتب الدّكتور حسين رضا مشيك, يشرب من معين العذوبة الفكريّة, و يعزف من منابع الخلق و الإبداع, حيث تستغني القلوب النّقية, يبتغي حقّ الوجود, يروم إثبات الذّات, يطمح لتأكيد المناقب, يرنو لمساحة واسعة من الأمل المرتجى, من خلال التّطلّع و الطّموح الفكري الأدبي الفنّي, و الذي يتعاطى مع عوالمه كنسغ الحياة, يصنع منه انتفاضة الفكرة في رحم التّكوين العقلي لوحة خواطر قصصيّة فنّية ساحرة ...

الكاتب مشيك,, شاء في كتابه "وقفة ضمير", أن يرود خيمة الفنون القصصيّة المتعدّدة, من مضارب الأدب السّردي و الفعل الحر, ليرتدي عباءة الخلق و الإبداع و التّمييز, و هو يجوس الفكرة تلو الفكرة, في سرادقات الأحلام للغد المأمول... ليصل في محاكاته الأثيريّة, إلى أبعد ممّا تحمل الصّور القصصيّة الفنّية في مضامينها, و ما تحوي في طيّات عناصرها الحالمة... المبحرة في فضاءات الرّؤى المنعكسة من واقع حياتيّ مرير في قرى و بلدات منتشرة في بلادنا...

الكاتب مشيك,, يحملنا في خواطره و أفكاره إلى عالم الفنون القصصيّة السّاحرة, بقلم فنّي نابض, فيه قوّة التّصوير, و منطق السّحر... بحيث يؤرّخ للفنّ القصصي, و يبادر في سجاله ونضاله و وصاله, و يحدّق من خلال لوحاته و خواطره الأدبيّة في الأقاصي لأجل رؤية جديدة, و لأجل أمل مرتجى, يحاكيه من وحي الحروف و الكلمات و الخواطر... فإذا به يسجّل خلجات النّفس في معالم البوح الحالمة, و يرصّع الأيّام بنغمات الكلمات, في أغنيات أدبيّة جماليّة عابقات بالحبّ و الحياة, و يعزف على أوتار القلب خواطره و جنونه الإبداعي القصصي, فإذا الذّات الإنسانيّة في حالة اهتزاز طربًا, لمشهديًة الخواطر التي تجسّد شفافيّة الرّوح عند الكاتب الدّكتور حسين رضا مشيك, و يؤكّد صدق الذّات في عبقها, راسما حقيقة النّفس في رومانسيّة معيّنة, تأتلق مع عمق المشاعر الكامنة في خفايا الحنايا, الممزوجة بخلجات الفؤاد, الرّاقصة بزهوّ على إيقاعات الحروف و الكلمات و الخواطر, التي يعكس فيها معاناة الحياة, يترجم صور الأحلام و الرّؤى إلى واقع ملموس, و يحقّق الرّؤى و الآمال في حقيقة تحاكي الآفاق البعيدة التي تتراءى للمواطنين الذين يتوقون للحياة الأفض و العيش الأرقى في مواقع و جغرافيّة سكنهم القدريّ...

الكاتب الدّكتور حسين رضا مشيك, قرأ و ارتشف ما أنار دربه من نور الحروف و تعلّم ممّا قرأ أنّ الحياة تتكامل برونق الجمال، و هي وجدت من أجل الإنسان فكانت رافلة بالنّور و المحبّة و السّلام... رسالة نورانيّة في حياة الكاتب الدّكتور حسين رضا مشيك، آتية من سيّالات أشعّة مدينة الشّمس بعلبك و قلعتها الأبيّة، مرصّعة بالحبّ و الجمال و الشّموخ و الإباء مزوّدة بالعقل المنير مرصّعة بالذّهب و الألماس...

في مقدّمته لـ "وقفة ضمير" يُعرّف بأنّ "الكتابة الموضوعيّة عن مشاكل و معاناة القرى النّائية في وطن جرحته المحن و هدمت عروش المحبّة و المودّة و الإلفة داخل المجتمع الواحد و أصبح مفتّتًا لا يجمعه إلاّ ما يُسمّى بالزّعيم و لقد جعلوه فرقًا و زرافات و أمّا حقيقة مصيبتنا كانت من قبل الممارسات السّياسيّة التي أتبّعت من عهد ما سمّي بالإستقلال و ذلك من أجل أن يتوارثون السّياسة من الجدّ إلى الأبّ وصولاً إلى الإبن و بقيت المسؤوليّة في الوطن على كافّة الصّعد متّبعة عبر مقولة إفقار الجميع و تجويع المجتمع يجعلك أن تطوّعهم و بذلك تحقّق كلّ ما تريد و تحلم به"...

"إنّ قصّة وقفة ضمير ما هي إلاّ من واقع مرير يعيشه المواطنون في قراهم و الأكثر غرابة هم يقدّمون الغالي و النّفيس من أجل إحياء الوطن لمواطنيه و غير محسوبين على الوطن و لكن للأسف لقد أصبحت مدّخراته لذاك المتربّع على صدور المواطنين و المتحكّم في رقابهم مع العلم أنّ تلك المدخّرات هي للوطن كلّ الوطن"...

"لذلك يسرد الكاتب قصّته التي من الممكن أن تكون هي الحلّ لكثير من المشاكل التي ورثت عبر سياسات خاطئة بحقّ الوطن و المواطن لأنّ الوطن لن يحيا إلاّ بمواطنيه لأنّهم هم مصدر السّلطات و المؤسف المبكي أنّ صاحب السّلطة متسلّطة على الوطن و هو من يتحلّى بالمواطنيّة"...

الكاتب اللبناني الدّكتور حسين رضا مشيك، يُشكّل علامة مميّزة و مضيئة في مشهديّات الحركة الثّقافيّة اللبنانيّة، من خلال فيوضات متنوعّة في الإبداع الشّمولي، الذي يقدّمه للقارئ اللبناني و العربي في مجالات القصّة السّرديّة و النّقد البنّاء و الشّعر العصري و الفنّ النّثري و المواضيع السّياسيّة و غيرها... هذا التّنوّع الإبداعي الجميل و الخلق الأصيل، جعله على المحكّ التّحليلي و محطّ أنظار الكثير من المهتمّين و النّقّاد و دارسي ما يكتب، هذا و بدأ قلمه السّيّال يثير شهية الآخرين بالكتابة عنه و عن سيرته و دراسة أعماله الأدبيّة و الإبداعيّة في القصّة و النّقد و النّثر و الشّعر...

يمتاز الكاتب اللبناني الدّكتور حسين رضا مشيك بقدرته الفائقة على حركة فعل الّتوغّل في سرديّات النّصّ، و عمليّة محاولة الإبحار في أعماقه و الخروج منه بأحكام رائعة و تشخيصات تدلّ على براعته في مجال النّقد السّياسي و الإجتماعي، كما لديه رؤية ثاقبة في كتابة و قراءة النّصوص المتنوّعة بمهنيّة عالية.. .

إنّ ما يميّز الكتابة السّرديّة عند الكاتب مشيك هو الأسلوب الحكائي الموسوم بطابع المعاناة الإجتماعيّة، باعتبارها ركيزة أساسية من مرتكزات الخطاب الأدبي الجماهيري، ليرسي من خلال كتاباته وظيفته التّواصليّة و ينشئ أبعاده الجماليّة و التّأثيريّة...

اختار الكاتب مشيك أن يكون عنوان قصّته "دوقفة ضمير" علامة على باب ما تتضمّنه من نصّ يعكس معاناة الإنسان في قريته و بيئته، و يُصوّب على تضوّر النّاس من الحيف و الحرمان، باعتبار هذه القضايا خيطًا ناظمًا للقصّة و لمضامينها و أبعادها الدّلاليّة و الإنسانيّة...

و قبل أن ندخل في قراءة و تحليل و مناوشة بعض النّماذج من السّرد القصصيي في " وقفة ضمير" بالتّحليل و التّأويل لا بدّ أن نقف على عتبتها، لنكشف عن بعض الإيحاءات أو الإشارات اللامحة التي يختزنها العنوان، ابتغاء الوصول إلى المعنى و استكناه الدلالة منه...

يتألّف العنوان من كمتين "وقفة ضمير" ممّا يعطيهما معنى أوسع، يُجسّد حركة عرفاتيّة معرفيّة، كون العنوان يدلّ على معنى تجريدي في ذاته لما يشتمل عليه من صفة الخصوصيّة و العموميّة... فـ "وقفة ضمير" تدلّ في عمقها على صوت مكتوم في داخل النّفس الإنسانيّة، يخرج من الجوف مبهمًا يعبّر على اكتواء داخلي عند الكثير من المواطنين في أماكن سكناهم...

وقفة ضمير كلمة تُعبّر عن تردّد صوتي منكتم في النّفس يحاول الخروج من كينونته الصّامتة إلى الوجود عبر صفة الإنفجاريّة التي يحتوي عليها صوت (الضّمير) و ما يتميّز به من شدّة و جهريّة، لا يمكن معهما البقاء في الجوف... تساعده في ذلك الوقفة التي تحتضن التّردّدات الصّوتيّة التي تبوح بها روح الكاتب مشيك على لسان أبطال قصّته و هي باسطة بذلك شكلها و كأنّها إناء انفتح و اتّسع استعدادًا لاستقبال ما تفصح عن الرّوح... ما يشير إلى كلّ ما فيه حياة من الكائنات الحيّة، فهي تحيا بدندنة الكاتب أو بدندنات أبطال القصّة المبثوثة في مجموعة من النّاس، يعبّر فيها الكاتب مشيك من خلالها عن معاناة نفسيّة و إشكالات إجتماعيّة عميقة يعاني منها النّاس في مكان ما في القرى و البلدات في بلاد بعلبك... و غيرها من القرى و البلدات...

وقفة ضمير، عنوان جاذب ومثير لفضول المتلقّي يحفّز على تخطّي العنوان و عتبة الموسقة فيه، ولوجُا إلى أعماق ما بثّ في قصّته من نصّ سرديّ، رغبة في البحث و تقصّي أثار عزف "وقفة ضمير" على مشارف أحداث الحكاية و السّرد و التّعبير عن مخالجة النّفس و مساورة الرّوح لواقع حياتيّ مؤلم...

سجّل الكاتب مشيك جدارته في بناء صرح نصوصه في قصّته بشكل جيّد من خلال "وقفة ضمير" مؤكّدًا تفوّقه في خوض غمار تجربّة السّرد القصصيّ جدًا، حيث حرص أشدّ الحرص على أن تكون نصوصه جامعة بين جماليّة اللغة و براعة الحبكة السّرديّة القصصيّة، فرسم بذلك ظلالاً لشخصيّاته و أبطاله مانحًا إيّاها روح الإحساس و مسبغًا عليها من تجليّات الإنسانيّ و الواقعي و اليومي و الإجتماعي...

أضفى الكاتب مشيك على سرده للقصّة "وقفة ضمير" جدّا من شفافيّة الشّاعريّة ما يحبّب للقاريء الغوص في البحث عمّا وراء الخطاب القصصي، فعبّر بشاعريّة راقية و رقراقة عن أفعال و حركات بلغة النّثر و استدعاء المجاز و الإستعارة أحيانا كثيرة... و نجد في هذه القصّة سردًا منتظمًا استقاه من لغة رصينة منسابة ورأسلوب شيّق جذّاب...

ولقد سار الكاتب مشيك على هذا النّهج في بناء جملة من نصوصه السّرديّة القصصيّة، و هناك الكثير من الجمل المتضمّنة في النّصوص، تحيل على ما يرتبط بتيمة العنوان "وقفة ضمير" ... حيث اتّخذ السّرد القصصيّ في متون القصّة سبيله نحو التّنوّع و التّعدّد في اختيار المواضيع، معالجةً لقضايا و إشكالات مجتمعيّة و نفسيّة و إنسانيّة، شغلت اهتمام الكاتب مشيك و أثّرت في كيانه و كينونته باعتباره إنسانا قاصّا و كاتبًا بارعًا، اهتمّ بما يؤرّق المجتمعات الإنسانيّة من أحزان و أفراح و آلام و آمال و استقرار و هجران، فجاءت "وقفةضمير" بوصفها خطابا سرديّا يقرّب القارئ من بؤرة مختلف القضايا... و يضيء له ما أظلم من جوانب الواقع المجتمعي، في صور و مشاهد قصصيّة متميّزة، نسجها بتقنيّات سرديّة عالية سواء على المستوى اللغوي أو المستوى الدّلالي... و الأدلّة للمتلقّي و الباحث في نصوص هذه القصّة على ذلك أكثر من أن تُعدّ أو تُحصى...


و قد استطاع الكاتب مشيك في قصّته أن يعبّر بكلّ جدارة و تفوقّ عن رؤيته الفلسفيّة و الجماليّة، من خلال استحضار نفسي و اجتماعي و سيكولوجي بنوع من الشّموليّة... لطبيعة معاناة أفراد المجتمع، بما يرفده من صراعات سياسيّة و إنسانيّة و فكريّة و ثقافيّة و سوسيولوجيّة مختلفة و متضاربة. يتردّد صوت الكاتب عبر تيمة "وقففة ضمير" و ما يحمله من دلالات ضمن صروح سرديّات قصّة الكاتب ليبثّ في مسمع المتلقّي.. جرسًا موسيقيّا ساحرًا يجعله يرعى اهتمامه البالغ لنداء صوت الضّمير من خلال قصّة "وقفة ضمير"...

تتفتّق أفكار الكاتب مشيك بالكتابة في تجربته القصصيّة "وقفة ضمير" فتزهر حروفها بالمعاني و الدّلالات، متفتّحة على عوالم المعاناة، بحركة الدّفق الإنساني. ذلك أن الكتابة القصصيّة، لها طابعها الذي يميّزها. و إن كانت القصّة خطابًا يعبّر عن قضايا و اهتمامات، و هموم إنسانيّة مشتركة تهمّ النّاس، فإنّ هذا الخطاب القصصيّ يتميّز بصوت الضّمير و ذلك من خلال مؤثّراته النّفسيّة و العاطفيّة و السّيكولوجيّة...

نصوص سرديّة "وقفة ضمير" تنوعّت في صورها الإجتماعيّة دلاليّا بتعدّد ألوان الطّيف، يترجم من خلالها السّارد الكاتب مشيك تجربته السّرديّة التي تعكس طريقته التّعبيريّة في أسلوب الكتابة... و قد تميّزت نصوصه بالحضور القويّ للذّات المتحدّثة و مشاركة الآخر المتلقّي، في العمليّة التّواصليّة لخطابه السّرديّ، و محاورته ومناوشة أفكاره، و جعله في صميم الحدث، و صلب المشترك الإنسانيّ...

يكتب الدّكتور حسين رضا مشيك للدّلالة على فعل الكتابة، لتثبيت استمراريّة حالات الكتابة النّاجمة عن البوح... فبالكتابة تتحول الكلمة حجرًا… يكتب لأنّه لا يتحمّل وجع السّكوت… يكتب لأنّ الكتابة بوح للخاطر و صدى للوجدان… يكتب لأنّ الكتابة موقف و قرار و اختيار… يكتب لأنّ الكتابة كشف لأستار الظّلم و الظّلمة… يكتب ليهب قيثارته الحياة لتنطلق أوتارها من جديد... يكتب لأنّ الكتابة عشق للإنسان، عناق أبدي مع قضاياه…

إنّ اعتماد السارد مشيك في حياكة نصوص قصّته على بنية الجملة الفعليّة في زمن المعاناة للدّلالة على حدوث الظّلم و الحيف إذ يحيل المتلقّي على راهنيّة الحدث، و للإحالة على رؤى المستقبل، أو لما يتوقّع حدوثه، كلّ ذلك لجعل المتلقّي في قلب الحدث، و منحه جواز سفر لاكتشاف عوالم المعنى الخفيّة للنّصّ. و بذلك تعتلي الجملة الفعلية منصّة تتويج المعنى في نصوص قصّة الكاتب مشيك الموسومة ب "وقفة ضمير"...

و في نصّ قصّة "وقفة ضمير"، يفتتح السّارد نصّه بجمل فعليّة في زمن مضارع، حيث الفعل و الفاعل متبوعا بظرف زمان دالّ على حدث المعاناة... و هي فترة زمنية تستيقظ فيه الذّات الكاتبة من سباتها لتناجي الكون بوحًا داخليّا يسجله قلمه الفضّيّ بصفاء و نقاء... و ليبوح و يعترف في محراب الكتابة المقدّسة بكلّ الأحاسيس و المشاعر فالكاتب كتلة من أحاسيس و شعلة من ألم... و الكاتب لا يملك إلاّ القلم...

ففي كلّ نصّ من نصوصه السّرديّة بوح جديد و علامات دالّة على البوح و استفراغ لمكامن الذّات ممّا يُثقلها من هموم و كروب... تسافر بالمتلقّي عبر مساربها إلى عوالم الذّات المتشظيّة، و تحطّ بها من خلال محطّات البوح المختلفة، و انشطار الذّات بما تعانيه من مفارقات…و لتتحدّث بضمير المتكلّم... للدّلالة على عمق المعاناة، و جراح الأسر المكلومة، المتمثّلة في حركة الظّلم و الحيف و الحرمان... فكان البوح علامة دالّة على معنى الإحتراق، بما يخلخل بنية المتلقّي عند القارئ، و تحفّزه على البحث عن شظايا الذّات الموزّعة بين متناقضات الواقع و الحياة من أفراح و أتراح، و التقاء و افتراق، و موت و حياة، و حب و كره…هذا النّصّ الذي يسرد من خلاله الكاتب مشيك فصلاً مكثّفًا من سيرته الذّاتيّة ليرصد ومضات بارقة في علاقته بالنّاس و معاناة النّاس...

يتبيّن من خلال وقفة ضمير أنّ السّارد يروم، و بإلحاح شديد أن يضع القارئ في السّكّة الصّحيحة حتّى لا تزيغ به أهواء القراءة خارج ما يحسّه من معاناة، هي في واقعها جزء لا يتجزأ من واقع المتلقّي...

وقفة ضمير بوح صادق عميق المعنى و الدّلالة، بوح شفيف بألوان الطيف الحياتيّة المتعدّدة… و هو بالتّالي، سمة دالّة على الدّعوة إلى المبارحة الوجدانيّة، لالتقاء السّارد بالمتلقّي على مائدة المكاشفة و التّجرّد الخالص من الأنانيّة و الذّاتيّة، و دعوة للإنعتاق نحو التّطهير و التّخلّص من عوالق تراكمات الذّاتيّ المجروح و اليوميّ المثقل بالمتاعب و المشاق و المعاناة...

الكاتب مشيك يشارك القارئ بوح خواطره و نبض مشاعره… ينقل إليه أشجانه و لفح أوجاعه، هي خواطر قصصيّة شطرها أنّات تحمّلها بصبر نزفه و معاناته… محاولاً في نصوص صّته توحيد الذّات من خلال ترجمته الإحساس الإنساني المشترك برؤية معاناة النّاس... و لأنّه بوح فإنّه يخرج من المتراكم النّفسي دون قيود، منطلقًا نحو عالم الكتابة الرّحيب، منفلتًا من أغلال الرّقابة الذّاتيّة... و البوح إفراج عن المكتوم المخفيّ للإنجلاء و الظّهور، و هو أيضًا تفريغ لامتلاء النّفس الإنسانيّة بتراكمات ما تخلّفه الحياة من متاعب كَأْداء، و مشاغل شاقّة و معاناة... فتأتي الكتابة تنفيسًا لطيفًا عن الهموم، باعتبارها تطهيرًا للرّوح و الجسد من المعاناة النّفسيّة...