حكاية رجل اسمه (ابن وحشية) بقلم:د.يسري عبد الغني
تاريخ النشر : 2020-09-05
حكاية رجل اسمه (ابن وحشية)  بقلم:د.يسري عبد الغني


حكاية رجل اسمه (ابن وحشية): بقلم/د.يسري عبد الغني
لعله لمن الطريف أن نقول أن أهم الأبحاث والدراسات التي كتبت عن الزراعة (الفلاحة ) عند العرب ، معظمها كان يدور حول كتاب يعرف باسم (الفلاحة النبطية) ، وعنوانه الكامل هو (إفلاح الأرض ، وإصلاح الزرع والشجر والثمار ، ودفع الآفات عنها) .
وهذا الكتاب مترجم عن اللغة السريانية القديمة ، أو عن لغة النبط ، ومترجمه هو : أبو بكر بن وحشية ، الذي عاش في بداية القرن الرابع الهجري ، والذي يزعم لنا أن مؤلف هذا الكتاب شخص سرياني أو نبطي اسمه (قطامي) ، وهذا الرجل عاش بحسب تقدير (أُشفولسون) في القرن السادس عشر ، قبل الميلاد .!!!
وبعيداً عن تحقيق صحة نسبة هذا الكتاب لرجل نبطي أو سرياني ، وفقاً لكلام ابن وحشية أو إشفولسون أو التأكد من صحته ، فإن الذي يهمنا في هذا المقام ، أن نقول أن كتاب ابن وحشية هذا قد توالت عليه الدراسات والأبحاث والمقالات من جانب المستشرقين ، ونذكر من هذه الكتابات : ـ
ـ مقالة (كاتر مير ) التي عنوانها : (مذكرة عن الأنباط ) ، تم نشرها في المجلة الأسيوية ، سنة 1835 م ، في الصفحات من 231 إلى 235 .
ـ دراسة مايرهوف التي عنوانها : (مؤرخ علم النبات) ، في كتابه عن (تاريخ علم النبات ) ، الجزء الثالث ، ص 43 وما يليها ، والصادر سنة 1856 م .
ـ بحث إشفولسون ، الذي عنوانه : (بقايا الأدب البابلي في الترجمات العربية) ، والذي نشر في بطرسبرج الروسية ، سنة 1859 م .
ـ مقالة آرنست رينان ، التي عنوانها : (عن بقايا الأدب البابلي القديم المحفوظة في النقول العربية) ، تم نشرها في المجلة الجرمانية ، سنة 1860 م ، الصفحات من 136 إلى 166 .
ـ مقالة أ . فون . جوتشهد ، و عنوانها : (الفلاحة النبطية وأخواتها ) ، نشرت بمجلة (زدمج ) ، سنة 1860 م ، الصفحات من 1 إلى 110 .
وقد بين (جوتشهد) في مقالته أن كتاب (الفلاحة النبطية ) كتاب منحول مزيف كتب في العصر الإسلامي .
وهذا الرأي أيده المستشرق / نولدكه في مقالة له عنوانها : (مزيد من القول في الفلاحة النبطية ) ، نشرت في مجلة (زدمج) سنة 1876 م ، الصفحات من 445 إلى 455 .
ويمضي المستشرق الإيطالي / نالينو أبعد من هذا ، فيقول : إنه ليس من المحتمل أن يكون ابن وحشية هو مؤلف الكتاب ، بل هو ممن انتحله أبو طالب أحمد بن الحسين بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الزيات ، الذي يقول أنه كان تلميذاً لابن وحشية ، وجاء كلام نالينو هذا ضمن كتابه (علم الفلك ) الصادر في العاصمة الإيطالية روما ، صفحة 207 منه .
ويندفع باول كراوس ، في هذا الإنكار إلى حد أنه يقول : إن ابن الزيات الذي قيل عنه أنه كان تلميذاً لابن وحشية ، هو ليس فقط مؤلف كتاب (الفلاحة النبطية ) ، بل هو أيضاً الذي اخترع شخصية ابن وحشية ، وقد جاء رأي كراوس هذا في كتابه عن (جابر بن حيان) ، المقدمة ، و الجزء الأول .
وفي اتجاه مضاد سعى بعض الباحثين إلى تأكيد نسبة كتاب (الفلاحة النبطية ) إلى ابن وحشية ، ومثال لهؤلاء : (فيدمن) في مقالته التي عنوانها : (عن الفلاحة النبطية لابن وحشية ) ، والتي نشرت في مجلة (ز.أس) سنة 1922 م ، في الصفحات من 201 إلى 205 .
ونذكر كذلك دراسة (مارتن بلسنر) الذي كتبها تحت عنوان : (الفلاحة النبطية ـ لابن وحشية ، محاولة لرد اعتبار ابن وحشية ) ، والتي نشرت في مجلة (ز.إس ) ، سنة 1928 م / 1929 م ، الصفحات من 27 إلى 56 .
ونشير كذلك إلى دراسة كتبها (برجدونت) بعنوان : (من تاريخ علم النبات في الشرق : ابن وحشية ) ، وجاءت هذه الدراسة ضمن تقارير جمعية علم النبات الألمانية التي صدرت سنة 1932 م ، الصفحات من 321 إلى 336 .
نقول : لقد سعى هؤلاء وغيرهم إلى رد اعتبار ابن وحشية ، وتأكيد حقيقة وجوده ، وكونه مؤلفاً لكتاب (الفلاحة النبطية ) .
ونكتفي بهذا القدر الذي أوضحنا فيه ما لقي هذا الكتاب الفريد المهم من عناية بالغة من جانب أهل الاستشراق .