وجيه مسعود في "صلاة"بقلم:رائد الحواري
تاريخ النشر : 2020-08-29
وجيه مسعود في "صلاة"بقلم:رائد الحواري


وجيه مسعود في "صلاة"
من مهام الشعر امتاع المتلقي، وإخراجه من القتامة/التخفيف عنه، وهذه المتعة لها أكثر من طريقة وشكل، اللغة السلسة، الألفاظ السهلة، طريقة التقديم، الصور الشعرية، الدهشة والإثارة، والشاعر الجيد هو الذي يستطيع امتاع القارئ، حتى لو كان هو مأزوم ويعاني، "وجيه مسعود" في "صلاة" يعمل على امتاعنا رغم ما فيه من ألم وقهر، وقد جعل فاتحة القصيدة تبدأ بالتوجه إلى الله:
"يا رب" وهذه الفاتحة منسجمة مع عنوان القصيدة "صلاة"، بعدها يتوجه إلى الناس، إلى أفراد يعرفهم، أو مخزنين في العقل الباطن:
"يا ابن السماء , التراب , الهواء , الانسان , امي, جنينَ والندى"
هناك اسماء يعرفها الشاعر، "أمي، جنين" واللافت أنه يذكر أمه وابنته، وهذا يشير إلى مكانتهما عنده، وهناك اسم تأخذنا إلى ثقافة الشاعر الدينية السيد المسيح: "ابن السماء، التراب"، ومنها ما يأخذنا إلى الأسطورة إله السماء/الهواء "آنو" وبهذا نكون أمام جمع بشري يحمل ثقافة وأفكار تمتد جغرافيا وزمانيا، وهذه اشارة من الشاعر أنه في "صلاة/ه" يتجاوز الزمان والمكان والمعتقدات.
"( رغيف خبز من قمح اور
ان اعتلي دابتي من دار مريم حتى بلاطة
ان اتجاوز حاجز الفاشي , دون رصاصه"
ذكر للمكان: "أور، دار مريم، بلاطة" يشير إلى امتداد وتساع جغرافية وزمان القصيدة، فالزمن شاسع بين أور السومرية وبين بلاطة الفلسطينية ودار جدته مريم، كحال المسافة الجغرافية بين أور وبلاطة، لكنه يرط المكانين من خلال "رغيف الخبز، أعتلي دابتي" فهو يربط المكان ويتجاهل الزمن، زمن السيارة، فالمكان/الجغرافيا تمنحه هذا القدرة على حرية التنقل وحرية التخيل، لكنه يفاجئنا بالواقع "حاجز الفاشي" ويعيدنا إلى هذا الزمن/الوقت البائس، وهنا يصيبنا شيء من الجزع/الخوف، فيدعونا:
"يا ابن البعل , يا اخ الفرات , يا ايل الغوطة والكرامة
انزل قرآنك
بسمل البشارةَ بحد الحرابة"
يستمر الشاعر في تجاوز المكان والزمان، مستخدما ثقافة بلاد الشام "البعل، ايل الغوطة، الكرامة" والثقافة العراقية "الفرات"، ويجمع "البعل، ايل" القادمان من الثقافة الدينية القديمة، ويجمعهما بالمكان المعاصر "الغوطة في سورية، والكرام في شرق الأردن، ثم يدعونا بخطاب إسلامي مسيحي "قرآنك، بسمل البشارة" وهذا منسجم مع الانفتاح على المكان والزمان، وفي الوقت ذاته مرتبط بالثقافة الدينية ومتصل بها، والذي يؤكد على اجتماعية سكان المنطقة التي تمتاز بالتنوع الديني والتعدد، .
نلاحظ أن الشاعر يذكر اسماء اماكن معروفة للكل "الفرات، أور" وبعضها معروف لسكان المنطقة "الغوطة، الكرامة، "دار مريم في حوارة، بلاطة" وكأنه يريد ان يؤكد على أهمية تلك الأماكن غير المعروف.
يا اسم اليرموك , الاردن , الفرات , قاسيون وحوارة
قلمَ رصاصٍ , ولوحَ كتابة
دميةً ,
مشيةً عبر حاجز الفاشي , دون تعريٍ ومهانة )
-----"
يستمر الشاعر في تجواله الجغرافي مسافرا بين المدن والبلدات في الهلال الخصيب، "اليرموك، الأردن، الفرات، قاسيون، حوارة" ومؤكد على التواصل الجغرافي والحضاري والثقافي من خلال أدوات التعليم الحديثة: "قلم رصاص" وأدوات التعليم القديمة، لوح الكتابة/لوح الطين" لكن هذه الانسيابية في السفر ينغصها عليه وعلينا "حاجز الفاشي".
وإذا ما توقفنا عند المنغصات/السواد في هذا المقطع نجده متعلق ب"الحاجز الفاشي، رصاصه، تعرية ومهانة" وبقية المقطع أبيض وحتى ناصع، وهذا يوصل فكرة السواد/التنغيص من خلال الألفاظ المجردة، أضافة إلى الفكرة التي تحملها القصيدة.
إذن المقطع الأول جاء أبيض، منسجما مع طبيعة "الصلاة" إذا ما استثنينا "حاجز الفاشي"، في المقطع الثاني الشاعر يأخذ منحى آخر:
"أأنت ايلٌ يهوه ؟
ام ان حبقوق حرف انجيل ( في البدء كانت ) ؟
أأنت في غيبةٍ ؟
ام ان التلمود عوسجَ البشارة ؟"
الشاعر ما زال محافظا على فكرة الصلاة/المعتقدات الدينية، "أيل، يهوه، انجيل، تلمود، البشارة" لكنه قدمها من خلال أسئلة مثير، تحفز القارئ على التوقف عندها والتفكير في الاجابات عليها.
فألفاظ الدينية "يهوه، التملود، حرف، غيبة، عوسج" كلها الفاظ تحمل دلالات قاسية على الفلسطيني، ما يجعل الاجابات على الأسئلة مستهجنة، وهذا يدخلنا في حالة سوداء من التاريخ الديني:
" باسمك زنى الفاشي بمريم
باسمك سبى يزيد زينب
وباسمك جزّ رأسَ الحسين"
فهناك ثلاثة افعال محرمة "زنى، سبى، جز" ونحن نعلم أن الرقم ثلاثة رقم مقدس دينيا، وكأن الشاعر يقول انه تم اقتراف كافة المحرمات الدينية، وقد (استخدم) طريقة تنسجم وطريقة تفكير العربي، الذي يثار لشرف المرأة "زنى، سبي" وبهذا يكون قد ربط بين ما هو ديني والنظرة للمرأة وشرفها، ليستحثنا عل الفعل/العمل.
بعد هذا السواد والألم يقدمنا الشاعر من الخاتمة التي يردها، ينشدها:
"( اعطني غيمةً انام فيها
تنام فيّ
وانام ثم انام
واذا ما فقتُ ...
فعلى ضفة بحر الجليل
اذا كان ثمة قيامة )"
خاتمة بيضاء وناصعة، فكافة الألفاظ جاءت ناعمة : " اعطني، غيمةً، تنام، أنام (مكررة ثلاث مرات)، فقت، ضفة، بحر، الجليل" وكأنه في خاتمة الصلاة وصل إلى هذه السكون والهدوء، فقد ارتاحت روحه وهدأت نفسه، وتخلص من تعبه وهمومه، ـ هكذا يكون اثر الصلاة على الخاشعين ـ، لكن الشاعر يدهشنا من خلال قفلة القصيدة: "اذا كان ثمة قيامة" فكان صادمة وموجعه للمتلقي، الذي سيتساءل: هل يمكن لهذا العباد المبحر في عالم الأديان ان يشكك في القيامة؟، كما أن قفلة القصيدة عند:
"واذا ما فقتُ ...
فعلى ضفة بحر الجليل" كانت اجمل ومنسجمة مع فاتحة القصيدة البيضاء وفكرة الصلاة المهدئة والمسكنة، لهذا اقول ان الشاعر "ظلم" قصيدته بخاتمتها وشوهها كما شوه "الحاجز الفاشي" بياض القصيدة.
القصيدة منشورة على صفحة الشاعر وعلى الحوار المتمدن 
للشعراء طريقتهم في أداء الصلاة،