حرب لبنان دروس تعلمناها بقلم: فادي فيصل الحسيني
تاريخ النشر : 2006-08-12
حرب لبنان......دروس تعلمناها

فادي فيصل الحسيني

كادت الأزمة اللبنانية أن تنتهي و ستنتهي قريباً بإذن الله على ما يحفظ ماء وجه العرب ليعطي مبرراً و لو ضئيلاً لحجم التضحيات الضخام التي تحملها الإخوان في لبنان، في حقبة ساد فيها العظيم من الآلام و الكثير من الانكسار و الهوان. قدمت لنا التجرية اللبنانية الأخيرة و برغم قساواتها و ضراوة نتائجها، دروساً و عبراً علنا نستفيد منها و نفيق من أوهام سيطرت على عقولنا لعقود من الزمان. كان فصلاً مزعجاً و أليماً من كتاب مريع، فكل سطر سطره الاستعمار بدم الأطفال و الرجال و النساء ذكرنا دوماً بقبح المستعمر و جرم السجان.

الدرس الأول يتعلق بأمر القوانين و الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. طبقاً للتعريف فالقانون الدولي هو مجموعة من القواعد و القوانين تنظم العلاقات بين الأمم و الدول المختلفة، و قانون المعاهدات و القانون الدولي العرفي هما مصدران للقانون الدولي. فالمعاهدات مثل اتفاقيات جنيف لعام 1949 هي اتفاقيات مكتوبة تحدد فيها الدول الأطراف رسمياً قواعد معينة. أما القانون الدولي العرفي فينبع من ممارسة الدول كما يعبر عنها في الكتيبات العسكرية, والتشريعات الوطنية, وقانون السوابق القضائية, والبيانات الرسمية. وتعّد القاعدة قاعدة عرفية إذا ما عكست ممارسة للدول "واسعة النطاق ونموذجية ومنتظمة فعلاً" يسلّم باعتبارها قانوناً. أما للشرعية الدولية فهي نتاج توافق إرادات الدول في نهاية المطاف، تلك الإرادات التي أنشأت هيئة الأمم المتحدة كإطار دولي معاصر ينظم العلاقات بين كافة اشخاص القانون الدولي من دول و منظمات ، وعلى هذا الأساس فإن الشرعية الدولية لا تتجاوز مقاصد هيئة الأمم، ولا آلية عمل هيئاتها وأجهزتها المختصة كما حددها ميثاقها بالنص الصريح ، ولا مبادئ وقواعد القانون الدولي المعاصر، كما أنها بعيدة عن أي عمل منافي للضمير الأنساني ومبادئ العدالة.

من قراءة التعريف للقوانين الدولية و الشرعية الدولية نجد فيها معايير أخلاقية و إنسانية تدعو للاعجاب و لكنها لا تعدو أن تكون في يومنا هذا عن مراجع نظرية للدراسات المعاصرة في جامعات الدول المختلفة. أما من الناحية العملية فنجد أن تكرار المطالبة بالالتزام بالقوانين الدولية و تطبيق الشرعية الدولية لا يعني الكثير في ظل سيطرة زمرة من الدول العظمى ذات التشابكات الكثيرة في المصالح على مقاليد الحكم في الأمم المتحدة و المحافل الدولية. هذه الدول هي من يرسم ملامح الشرعية الدولية و يصمم مفاصل قرارات دولية و قوانين قادرة على بسط الشرعية و العدالة بمنظورها المطاطي، و هو المنظور الذي جرم أسر جنود عسكريين و لم يدن مسح قرى مدنية و أحياء سكنية عن الوجود. هذه الشرعية الدولية التي لطالما وقفت بحزم لتطالب بتنفيذ قرار 1559 الخاص بنزع سلاح حزب الله، و وقفت عاجزة مشلولة مرتبكة أمام واقع عالمي رفض تنفيذ المئات من القرارات الأممية مثل 194و 181و 242و 338 و غيرها. حقيقة صعبة و لكنها ليست بالجديدة، أما الجديد فهو أن رجل الشارع البسيط الذي أصبح يعرف في السياسة أكثر من العديد من السياسيين أنفسهم، فلا تجد الشرعية الدولية من اهتمامه أي صدى أو اهتمام، في حين تجد الكثير من المسئولين و السياسيين مازالوا يطالبون بالشرعية الدولية و تنفيذ قرارات أممية أضناها الانتظار و غطتها أجيال من التراب.

أما الدرس الثاني فهو قضية الحاجز النفسي، و هو أمراً بالغ الخطورة حيث كان دوماً عاملاً حاسماً في تقرير مصير الكثير من المعارك و الحروب. كان الحاجز النفسي دائماً عقدة عند العرب من أقصاهم لأدناهم، فأسطورة جيش لا يقهر تغلب على الجيوش العربية مجتمعة آناً واحداً، و عمقاً إسرائيلياً محرماً لم يخترق سوى مرة واحدة منذ إنشاء الدولة العبرية، و مواطنين و جنود إسرائيل المحصنين و الذين لا تكاد تسمع عن مقتل أحدهم حتى تقوم على إثرها أبشع المجازر للتنكيل بأي رغبة جديدة مشابهة. كل هذه الحواجز أزيحت من مخيلة و أذهان الجميع في غضون أقل من شهر. كان الجميع يتناقل أخبار مقتل الجنود الإسرائيليين و قصف المستوطنات و المدن الإسرائيلية بشكل من الحيرة في البداية، و ما لبثت أن نصبح أخباراً يومية عادية. لم تكن قوة عظمى أو غرباء من عالم خارجي من قاموا بهذه البدعة، بل كانوا نفراً معدوداً من رجال صدقت نيتهم فدكوا أسطورة من أساطير العصر الحديث. فالجيش الإسرائيلي مازال يهزم في اليوم ألف مرة و مرة بفعل الصمود و التحدي اللبناني من الشعب و الحكومة إلى المقاومة، و ضرب العمق الإسرائيلي بعد أن ظن الكثير أنها محرمة، أما الجندي الإسرائيلي، فأصبح يعلم أنه لا مناص له من الموت إن تقدم أكثر حتى و إن كان داخل المدرعات و الدبابات، و بدأ المستوطنون يحسون معاناة التشريد و الدمار و هجر البيوت التي طالما شاهدوها في أرضنا على شاشات التلفاز. معادلت تغيرت و مسلمات تعدلت و رموز تبدلت و حواجز نفسية ذهبت بلا عوده.

و مازلنا نقول أن أرضنا، أرض الأحرار، ستكون دوماً ينابيعها شهد للزائر علقم على الغائر، و جبالها ضل للآمن عاتية على المستعلي، و سهلها حضن دافئ للصادق و كهف عصي موحش على الطامع، و أشجارها طيب و خير و ثمر للكريم و شوك قاسي على اللئيم، فاحذر أن تخطئ قصدك عندما تطئ قدمك أرض الثوار، و اعلم يا من تستر وراء الحدود و بنى الأسوار، أن قسوة عدوانك و شراسة مدافعك و كل هذا الدمار، لن يغير و لن يبدل ما نحفر في سجلات المجد و في الأسفار، عن شعب أصيل همام مغوار، شعب تعلم أن تكون التضحية عروق سواعده، و الشهادة رصاص بنادقه، و إيمانه لهيب مدافعة و الحرية سبيل فلسطينه مهما قست عليه الأقدار.

[email protected]