لندعو للسلام ..بقلم : أحمد مطلق أبو صفية
تاريخ النشر : 2020-08-12
لندعو للسلام ...

لنصمت دقيقة على روح السلام , الذي نرفع أيدينا للسماء خاشعين , متضرعين السلام جل علاه يوميا لأجله .
ولم نُرزق به يوما . فلا ننام إلا على أوجاع وأشباه حرب , قصف وتفجير , إعتقال وأسر , إحتلال وإستعمار تكميم أفواه ولعنة حكم غير عادل , وحكام لهم دينهم ولنا دين .
ونأمل يوما أن نُرزق بالسلام , فلأجله تُوقع الإتفاقيات , تُعقد الصفقات, ُتشرع القوانين جبرا , تُخرس الألسنة العاقلة , تُتسجن الأفئدة الثائرة الحرة وتُكسر الأقلام الناقدة , وتُحرق أوراق الآيات والصراط وتذهب في مهب الرياح.
نرضخ ونعفو لأجل السلام الذي لم يحل يوما علينا نحن الشعوب , فتُخلق وتنزل علينا أمطار الحروب وزعزعة أمننا بإسم السلام المقدس , فترسل لنا قوات حفظ السلام الشيطانية ! ويتدخل كل من له أطماع ومصالح بتوقيعات وإتصالات وإتفاقيات خاصة
فتتدخل بلاد السلام الكاذب لتطبيق ذاك السلام المدعو ..
فنمكث في دوامة لا خروج منها , نغرق بالظلام بإسم السلام , نُقتل بإسم السلام نُسجن بإسم السلام , تُعذب وتُهان وتُغتصب تلك بإسم السلام , يُسجن بإسم السلام , تُحتل بلادنا بإسم السلام , تُقصف مساجدنا , كنائسنا , منازلنا بإسم السلام , تُحرق حدائقنا بإسم السلام , يثكلن ويرملن ويغتصبن بإسم السلام , تُقام الثورات والمظاهرات لأجل السلام , تُنكس الإعلام لأجل السلام , نُصلب ونُرجم لأجل السلام , يُزال حكم , ويسجن رئيس ويذهب ملك ويأتي من بعده ليكمل مخطط السلام ... ولكن لم يأت السلام أبدا ..
فغزة ما زالت أسيرة محاصرة ونسمع أنينها كل ليل , وضفتنا كأرملة تمسح دموعها وحيدة بلا بعل , وقدسنا تخطو عليه أقدام محتل , سمائنا حزينة منذ سنين لم تبتسم , وتزأر رعدا و حزنا وتبرق غضبا فتمطر دمعا صرخات دمشق تقشعر لها الأبدان , تربت على كتفها حلب النازفة أن إطمأني وقري عينا , ويمننا غير سعيد باك بقصف أطفاله ونسائه من أخاه , يستيقظ جائعا ينام صائما ويحمد الله , وألحان فيروز تلاشت بإنفجار قطع نياط أفئدتنا , فلطمتنا أمواجا سوداء وبكينا عليها دما كإستشهاد الحسين .
ومصر أم الدنيا عطشة تستغيث وذلها من بعد عزها فريق أول !
والسوادن منفصل كحالتنا , وليبيا لم تشرق عليها الشمس فكل الأيادي تحجب عنه النور, مبهم بلا معالم , وأردننا يرتدي ثوب الكمال تعففا أمامنا ويدعي الإله سرا ويناجي , وعراقنا يتيم حزين بلا أب .
ونجري خلف الظالم معصبين الأعين والعقول ونردد : أعطنا سلاما ..رجاءا
لقد فعلنا كل ما أمرتنا به !
أي ذل وهوان وخضوع عشناه بسببهم ؟ أين ذاك السلام الذي نرتجيه منهم ؟!
وقعت إتفقيات غابنة ظالمة ونأمل من الذّباح أن يسقط سيفه ولا يحز رقابنا !
فيدفعوا بأموالنا وشعوبنا وأوطاننا وأطفالنا لهم : أرجوك أرسل لنا السلام الآن .
وحافظ على عرشي والكرسي , فلتأخر دروي قليلا ..
شعوبنا ضائعة , حزينة كالصحابة بعد موت النبي ولا نجد أبا بكر بأوطننا , ليطمئننا ويخبرنا " ألا مَنْ كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت . ويأخذ بأيدينا نحو الخلاص والسلام كعيسى ابن مريم .. ويغمرنا بالمحبة ..
نحن الشعوب ندعو للسلام فتحضننا صورايخ محبة , ندعو السلام فترسل الدبابات لتدمر وتخرب بصبوة , ندعو للسلام فتقصفنا طائرات ليل نهار , ويطلق علينا كل ما صنع من شر وطاب من رصاص , ونحن تجارب لأسلحة ممنوعة وغير ممنوعة , وقنابل عنقودية تزين شوارعنا , ونعطرها بأسلحتهم الكيميائية فندهنا بياضا بالفسفور الأبيض .
ندعو للسلام فنحتل ونهجر ونصبح نازحين بلا مأوى بلا أمل .ونعيش أجانب قهرا مبعدين مرغمين ونحن الوطن والموطن ..
يغفو أطفالنا على لحن القصف , ويلعبون تحت راشق من الرصاص .
ونعلم يقينا أن لا أمل من صناع القرار بأوطننا بأن يصنعوا السلام ويقدموه لنا ! فلن يشعروا بفقرك وهم في رغد , لن يشعروا بإستشهادنا وهم في مأمن , لم يفقدوا , لم يجرحوا , لم يسجنوا , لم يعتقلوا , لم يذوقوا مر الفقر والنزوح والتهجير , لم يشردوا , لم تقصف منازلهم ليلا , لم تعذب نسائهم ,لم ولم ....
فلماذا يطالبون بالسلام الكاذب ويخدعوننا وهم في أمان ومأمن ؟!

ولكن نحن الشعوب سندعو للسلام , سندعو حتى يزول الظلم و ترحل عصور الظلام وتشرق شمس الحرية بكل الأقطاب وتعلن أن الشعوب أصل السلام , أن الإنسان مهد السلام ونتأسف عن كل حزن مررنا به ونلعن كل سجان وحاكم جلب لنا الحرب وأودعنا بأكفان . ونحاسب كل من فرقنا . وسنحتفل بدمشق بعودتها فرحة والقدس حر طليق واليمن يعود سعيدا حقا ويعلن إبتسامة في صنعاء , وتعود أمجاد بلاد الرافدين , ومروج ليبيا , ونستمع إلى ألحان فيروز ونشرب القهوة على شواطئ النيل بمصر والسودان , ويزهر السلام بنا ونعمر السلام بمساجدنا وكنائسنا ونحتفل بعصور بلا حرب وطغيان وأمن وأمان ونكون كما قَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم:
تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى ..

بقلم الكاتب المحامي : أحمد مطلق أبو صفية