عن سماح إسرائيل للفلسطينيين بالاستجمام على شواطئ يافا بقلم:أ.عادل شديد
تاريخ النشر : 2020-08-10
عن سماح إسرائيل للفلسطينيين بالاستجمام على شواطئ يافا بقلم:أ.عادل شديد


عن سماح إسرائيل للفلسطينيين بالاستجمام على شواطئ يافا

فوجئ الكثيرين  حين سمحت إسرائيل في أيام عيد الاضحي المبارك بدخول الفلسطينيين لداخل الخط الأخضر بدون تصاريح او  قيود ، وذلك رغم التعقيدات  الكثيرة المفروضة على دخول الفلسطينيين للداخل ، والتي ازدادت منذ انتشار  فايروس الكورونا ، وتسمح إسرائيل بدخول العمال الفلسطينيين للعمل في مرافقها  شريطة إلزامهم  بالبقاء في إسرائيل لمدة شهر كامل ،وعدم السماح  لهم بالعودة لمنازلهم يوميا  ، بعكس ما حصل مع  دخول آلاف المواطنين الفلسطينيين،  بمختلف الأعمار ودون تصاريح ، ومن بينهم حتى  اؤلئك الممنوعين من دخول إسرائيل لأسباب أمنية إسرائيلية ، وقد فتحت إسرائيل العديد من الثغرات والفتحات في الجدار العازل  ، ووقف الجنود الإسرائيليين يشاهدون دخول الفلسطينيين وغضوا الطرف عن ذلك ، رغم انه في الوضع الطبيعي كان الجنود يمنعون دخولهم من الجدار ويلاحقون المواطنين ، وكثيرا ما تم إطلاق النار عليهم  أثناء محاولاتهم الدخول لإسرائيل  عبر الجدار ، مما أدى إلى إصابة واستشهاد بعضهم  .

أدى السلوك الاسرائيلي إلى نقاش فلسطيني كبير  ، وخاصة بسبب انتشار فايروس كورونا ، والعلاقة السيئة   بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة إسرائيل ، بسبب نية إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية ، والذي دفع السلطة إلى وقف التنسيق الأمني والمدني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، وشمل حتى الحالات الإنسانية والمرضية ، حيث تركز النقاش الفلسطيني حول الأسباب التي دفعت إسرائيل للسماح بهذا الدخول الجماعي للاستجمام على شواطئ البحر  المتوسط وخاصة شواطئ يافا وحيفا وعكا ، وما تمثله هذه المدن  في الوعي الجمعي  والذاكرة الفلسطينية .

اعتبر بعض الفلسطينيين أن العامل الاقتصادي كان السبب وراء  السلوك الاسرائيلي ، في ظل تراجع  الاقتصاد الاسرائيلي الناجم عن انتشار فايروس كورونا ، وانضمام حوالي مليون إسرائيلي للعاطلين عن العمل ، ويرى أصحاب هذا الموقف أن إسرائيل أرادت دعم الاقتصاد الاسرائيلي وتحديدا  شركات النقل والمطاعم ، مع انه في حقيقة الوضع ، فان ذلك لا يشكل عائدا ماليا  قويا للاقتصاد الاسرائيلي ، لعدم  إنفاق الكثير من الأموال ، وان الفئة المستفيدة من دخول الفلسطينيين هم مئات السائقين الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية الذين يقومون بنقل الفلسطينيين من الحواجز الإسرائيلية  لداخل إسرائيل ، كما تستفيد عشرات المطاعم المملوكة أيضا للفلسطينيين من  حملة الجنسية الإسرائيلية في المدن الساحلية ، ورغم أنهم يشكلون جزءا من الاقتصادي الاسرائيلي ، إلا أنهم لا  يحتلون مكانة هامة في الاقتصاد الاسرائيلي .

 يشكل سماح إسرائيل بدخول آلاف الفلسطينيين  وبدون أية معايير  جزءا من خطة مدروسة وممنهجة ، تم إعدادها من قبل مجموعة من علماء النفس والاجتماع وخبراء في الأمن ومن أكاديميين إسرائيليين متخصصين  بالشأن الفلسطيني ، وتهدف  الخطة الى إحداث تغيير في الوعي الجمعي الفلسطيني ، خاصة فئة الشباب ، الذكور والإناث ، من خلال تعريف الجيل الفلسطيني على ما أسمته الخطة  بالإسرائيلي الآخر ، الذي يعيش في إسرائيل في نمط علماني فرداني،  ولا يتدخل في شؤون الفلسطينيين ، بعكس المستوطنين والجنود الإسرائيليين الذين ينكلون ويقتلون ويعتقلون ويعتدون على الشعب الفلسطيني وممتلكاته بشكل يومي ، والذي تسبب سلوكهم في زيادة كراهية الفلسطينيين لإسرائيل ، وتفترض الخطة الإسرائيلية أن مشاهدة الفلسطينيين للإسرائيلي الآخر إثناء رحلتهم  ، قد تؤدي لتخفيف من  حدة كراهية  الفلسطيني اتجاه إسرائيل ، وتغيير النظرة العدائية اتجاهها،    من عدو محتل ومغتصب ،  لتصبح جاره او مجتمع إنساني  مسالم ولا يعتدي على الفلسطينيين ، وتفترض الخطة  أن مجرد السماح للفلسطينيين بالدخول لإسرائيل بدون تصاريح ، او حتى بدون المطالبة الفلسطينية بذلك ، قد يؤدي إلى انسنة الاحتلال وإظهاره وكأنه معنيا بمصلحة المواطنين الفلسطينيين ورفاهيتهم والتخفيف من معاناتهم الحياتية ، ومحاولة خلق وعي عند شريحة واسعة من الفلسطينيين ان إسرائيل ليست المشكلة بل الحل ،حيث  المجتمع الفلسطيني مجتمع شاب ، وأكثر من نصفه تقل أعمارهم على العشرين عام ، والذين تحرمهم المعايير الإسرائيلية إمكانية الحصول على تصريح دخول لإسرائيل ، ولم يروا طيلة حياتهم  سوى المستوطنين والجنود والذين عمقوا الصورة السيئة الكريهة للإسرائيلي في الوعي الجمعي الفلسطيني ، وهذا ما تسعى إسرائيل لاختراقه وتغييره .

كما تسعى إسرائيل من ذلك  لتدجين الفلسطينيين ، عبر منعهم من التفكير في الشأن العام ، او في الاحتلال ومقاومته ، وانتشرت في السنوات الاخيره عشرات صفحات الفيسبوك الإسرائيلية باللغة العربية  الممولة  ، والموجهة للشعب الفلسطيني بأسماء ضباط إسرائيليين وتسميات  أخرى تدعو الفلسطينيين للاهتمام في شؤون حياتهم الخاصة ، وألا يتدخلوا في السياسة ، وان يمشوا الحيط الحيط ، وفي مقابل ذلك أن يحصلوا على التسهيلات الإسرائيلية ومنها السماح لهم بالدخول لإسرائيل ، سواء للعمل في ظل فشل السلطة الفلسطينية في توفير فرص عمل للشبان وخاصة اؤلئك الخريجين الجامعيين ، بسبب القيود التي قبلتها السلطة في اتفاقية اوسلو وباريس والتي تمنع السلطة الفلسطينية من إقامة كيان اقتصادي مستقل وتبقيه تابع للاقتصاد الاسرائيلي ، بمعنى أن إسرائيل أصبحت تستخدم دخول الفلسطينيين للداخل كأداة للتحكم في الشعب الفلسطيني وضبطه فيما يصب بمصلحتها المتمثلة بإحكام منظومة السيطرة والتحكم في الشعب الفلسطيني ، لصرف أنظارهم عن الاحتلال وتحويله إلى مشروع سياسي واقتصادي مربح ، كما وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أكثر من مكان بفندق خمس نجوم .

السماح الاسرائيلي بالدخول الجماعي لآلاف الفلسطينيين للداخل  ، رغم التوتر الأمني على الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان ، واحتمالية التصعيد والمواجهة العسكرية هناك ، يندرج ضمن سياسة  إسرائيل بفصل الجبهات المختلفة للاستفراد بها  ،وتريد في المرحلة الحالية المتوترة سواء على جبهات غزة او الشمال أن تحيد الضفة الغربية ذات الكثافة الاستيطانية والعسكرية العالية ، عبر إشاعة أجواء من التفاؤل والهدوء بالضفة وتخفيف الاحتقان  ، للتفرغ الكامل لمواجهة احتمالات التصعيد على باقي الجبهات ، وذلك لأسباب عسكرية وأمنية وسياسية وخاصة تفتيت المواقف العربية والفلسطينية وعدم السماح بموقف فلسطيني وعربي موحد ومنسجم .

تبدو السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية والإسلامية غائبة عما يحدث ، مع أن بعض المسئولين والمؤسسات الاقتصادية والتجارية عبروا عن عدم رضاهم  عن  ذلك ،بحجة إلحاق  الضرر بالاقتصاد الفلسطيني ، عبر  إنفاق أموالهم في السوق الاسرائيلي  ،وليس بالمرافق الاقتصادية الفلسطينية ، إلا أن هذا التبرير ليس مقنعا ،سواء  للأسباب الاقتصادية ، او للأسباب الوطنية والسياسية ، وكان يجب على القيادة والفصائل  والسلطة ووزاراتها ومؤسساتها التعليمية والتربوية والثقافية  تشجيع ودعم  ذهاب جميع  الشعب الفلسطيني للداخل ، وان تكون جزء من استراتيجيه وطنية للحفاظ على الذاكرة ، وربط الأجيال الفلسطينية بفلسطين التاريخية ومدنها وقراها التي تعرضت لعملية إلغاء  وتهويد ممنهج وصناعة أسماء عبرية لها بعد طمس الأسماء العربية  ، في الوقت الذي غاب ذلك عن المنهاج التعليمي الرسمي للسلطة الفلسطينية في كل مراحله   ، وبذلك يتم إفشال المشروع الاستعماري الاسرائيلي بتدجين الفلسطينيين وإنتاج فلسطيني جديد يرى بإسرائيل جاره وجزء طبيعي من المنطقة ، لا بل إن التوظيف الوطني  الفلسطيني لتلك الرحلات الجماعية يعيد وضع إسرائيل في مكانتها الطبيعة بالوعي الجمعي كعدو محتل .