عن سماح إسرائيل للفلسطينيين بالاستجمام على شواطئ يافا
فوجئ الكثيرين حين سمحت إسرائيل في أيام عيد الاضحي المبارك بدخول الفلسطينيين لداخل الخط الأخضر بدون تصاريح او قيود ، وذلك رغم التعقيدات الكثيرة المفروضة على دخول الفلسطينيين للداخل ، والتي ازدادت منذ انتشار فايروس الكورونا ، وتسمح إسرائيل بدخول العمال الفلسطينيين للعمل في مرافقها شريطة إلزامهم بالبقاء في إسرائيل لمدة شهر كامل ،وعدم السماح لهم بالعودة لمنازلهم يوميا ، بعكس ما حصل مع دخول آلاف المواطنين الفلسطينيين، بمختلف الأعمار ودون تصاريح ، ومن بينهم حتى اؤلئك الممنوعين من دخول إسرائيل لأسباب أمنية إسرائيلية ، وقد فتحت إسرائيل العديد من الثغرات والفتحات في الجدار العازل ، ووقف الجنود الإسرائيليين يشاهدون دخول الفلسطينيين وغضوا الطرف عن ذلك ، رغم انه في الوضع الطبيعي كان الجنود يمنعون دخولهم من الجدار ويلاحقون المواطنين ، وكثيرا ما تم إطلاق النار عليهم أثناء محاولاتهم الدخول لإسرائيل عبر الجدار ، مما أدى إلى إصابة واستشهاد بعضهم .
أدى السلوك الاسرائيلي إلى نقاش فلسطيني كبير ، وخاصة بسبب انتشار فايروس كورونا ، والعلاقة السيئة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة إسرائيل ، بسبب نية إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية ، والذي دفع السلطة إلى وقف التنسيق الأمني والمدني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، وشمل حتى الحالات الإنسانية والمرضية ، حيث تركز النقاش الفلسطيني حول الأسباب التي دفعت إسرائيل للسماح بهذا الدخول الجماعي للاستجمام على شواطئ البحر المتوسط وخاصة شواطئ يافا وحيفا وعكا ، وما تمثله هذه المدن في الوعي الجمعي والذاكرة الفلسطينية .
اعتبر بعض الفلسطينيين أن العامل الاقتصادي كان السبب وراء السلوك الاسرائيلي ، في ظل تراجع الاقتصاد الاسرائيلي الناجم عن انتشار فايروس كورونا ، وانضمام حوالي مليون إسرائيلي للعاطلين عن العمل ، ويرى أصحاب هذا الموقف أن إسرائيل أرادت دعم الاقتصاد الاسرائيلي وتحديدا شركات النقل والمطاعم ، مع انه في حقيقة الوضع ، فان ذلك لا يشكل عائدا ماليا قويا للاقتصاد الاسرائيلي ، لعدم إنفاق الكثير من الأموال ، وان الفئة المستفيدة من دخول الفلسطينيين هم مئات السائقين الفلسطينيين حملة الجنسية الإسرائيلية الذين يقومون بنقل الفلسطينيين من الحواجز الإسرائيلية لداخل إسرائيل ، كما تستفيد عشرات المطاعم المملوكة أيضا للفلسطينيين من حملة الجنسية الإسرائيلية في المدن الساحلية ، ورغم أنهم يشكلون جزءا من الاقتصادي الاسرائيلي ، إلا أنهم لا يحتلون مكانة هامة في الاقتصاد الاسرائيلي .
يشكل سماح إسرائيل بدخول آلاف الفلسطينيين وبدون أية معايير جزءا من خطة مدروسة وممنهجة ، تم إعدادها من قبل مجموعة من علماء النفس والاجتماع وخبراء في الأمن ومن أكاديميين إسرائيليين متخصصين بالشأن الفلسطيني ، وتهدف الخطة الى إحداث تغيير في الوعي الجمعي الفلسطيني ، خاصة فئة الشباب ، الذكور والإناث ، من خلال تعريف الجيل الفلسطيني على ما أسمته الخطة بالإسرائيلي الآخر ، الذي يعيش في إسرائيل في نمط علماني فرداني، ولا يتدخل في شؤون الفلسطينيين ، بعكس المستوطنين والجنود الإسرائيليين الذين ينكلون ويقتلون ويعتقلون ويعتدون على الشعب الفلسطيني وممتلكاته بشكل يومي ، والذي تسبب سلوكهم في زيادة كراهية الفلسطينيين لإسرائيل ، وتفترض الخطة الإسرائيلية أن مشاهدة الفلسطينيين للإسرائيلي الآخر إثناء رحلتهم ، قد تؤدي لتخفيف من حدة كراهية الفلسطيني اتجاه إسرائيل ، وتغيير النظرة العدائية اتجاهها، من عدو محتل ومغتصب ، لتصبح جاره او مجتمع إنساني مسالم ولا يعتدي على الفلسطينيين ، وتفترض الخطة أن مجرد السماح للفلسطينيين بالدخول لإسرائيل بدون تصاريح ، او حتى بدون المطالبة الفلسطينية بذلك ، قد يؤدي إلى انسنة الاحتلال وإظهاره وكأنه معنيا بمصلحة المواطنين الفلسطينيين ورفاهيتهم والتخفيف من معاناتهم الحياتية ، ومحاولة خلق وعي عند شريحة واسعة من الفلسطينيين ان إسرائيل ليست المشكلة بل الحل ،حيث المجتمع الفلسطيني مجتمع شاب ، وأكثر من نصفه تقل أعمارهم على العشرين عام ، والذين تحرمهم المعايير الإسرائيلية إمكانية الحصول على تصريح دخول لإسرائيل ، ولم يروا طيلة حياتهم سوى المستوطنين والجنود والذين عمقوا الصورة السيئة الكريهة للإسرائيلي في الوعي الجمعي الفلسطيني ، وهذا ما تسعى إسرائيل لاختراقه وتغييره .
كما تسعى إسرائيل من ذلك لتدجين الفلسطينيين ، عبر منعهم من التفكير في الشأن العام ، او في الاحتلال ومقاومته ، وانتشرت في السنوات الاخيره عشرات صفحات الفيسبوك الإسرائيلية باللغة العربية الممولة ، والموجهة للشعب الفلسطيني بأسماء ضباط إسرائيليين وتسميات أخرى تدعو الفلسطينيين للاهتمام في شؤون حياتهم الخاصة ، وألا يتدخلوا في السياسة ، وان يمشوا الحيط الحيط ، وفي مقابل ذلك أن يحصلوا على التسهيلات الإسرائيلية ومنها السماح لهم بالدخول لإسرائيل ، سواء للعمل في ظل فشل السلطة الفلسطينية في توفير فرص عمل للشبان وخاصة اؤلئك الخريجين الجامعيين ، بسبب القيود التي قبلتها السلطة في اتفاقية اوسلو وباريس والتي تمنع السلطة الفلسطينية من إقامة كيان اقتصادي مستقل وتبقيه تابع للاقتصاد الاسرائيلي ، بمعنى أن إسرائيل أصبحت تستخدم دخول الفلسطينيين للداخل كأداة للتحكم في الشعب الفلسطيني وضبطه فيما يصب بمصلحتها المتمثلة بإحكام منظومة السيطرة والتحكم في الشعب الفلسطيني ، لصرف أنظارهم عن الاحتلال وتحويله إلى مشروع سياسي واقتصادي مربح ، كما وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أكثر من مكان بفندق خمس نجوم .
السماح الاسرائيلي بالدخول الجماعي لآلاف الفلسطينيين للداخل ، رغم التوتر الأمني على الحدود الشمالية مع سوريا ولبنان ، واحتمالية التصعيد والمواجهة العسكرية هناك ، يندرج ضمن سياسة إسرائيل بفصل الجبهات المختلفة للاستفراد بها ،وتريد في المرحلة الحالية المتوترة سواء على جبهات غزة او الشمال أن تحيد الضفة الغربية ذات الكثافة الاستيطانية والعسكرية العالية ، عبر إشاعة أجواء من التفاؤل والهدوء بالضفة وتخفيف الاحتقان ، للتفرغ الكامل لمواجهة احتمالات التصعيد على باقي الجبهات ، وذلك لأسباب عسكرية وأمنية وسياسية وخاصة تفتيت المواقف العربية والفلسطينية وعدم السماح بموقف فلسطيني وعربي موحد ومنسجم .
تبدو السلطة الفلسطينية والفصائل الوطنية والإسلامية غائبة عما يحدث ، مع أن بعض المسئولين والمؤسسات الاقتصادية والتجارية عبروا عن عدم رضاهم عن ذلك ،بحجة إلحاق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني ، عبر إنفاق أموالهم في السوق الاسرائيلي ،وليس بالمرافق الاقتصادية الفلسطينية ، إلا أن هذا التبرير ليس مقنعا ،سواء للأسباب الاقتصادية ، او للأسباب الوطنية والسياسية ، وكان يجب على القيادة والفصائل والسلطة ووزاراتها ومؤسساتها التعليمية والتربوية والثقافية تشجيع ودعم ذهاب جميع الشعب الفلسطيني للداخل ، وان تكون جزء من استراتيجيه وطنية للحفاظ على الذاكرة ، وربط الأجيال الفلسطينية بفلسطين التاريخية ومدنها وقراها التي تعرضت لعملية إلغاء وتهويد ممنهج وصناعة أسماء عبرية لها بعد طمس الأسماء العربية ، في الوقت الذي غاب ذلك عن المنهاج التعليمي الرسمي للسلطة الفلسطينية في كل مراحله ، وبذلك يتم إفشال المشروع الاستعماري الاسرائيلي بتدجين الفلسطينيين وإنتاج فلسطيني جديد يرى بإسرائيل جاره وجزء طبيعي من المنطقة ، لا بل إن التوظيف الوطني الفلسطيني لتلك الرحلات الجماعية يعيد وضع إسرائيل في مكانتها الطبيعة بالوعي الجمعي كعدو محتل .
عن سماح إسرائيل للفلسطينيين بالاستجمام على شواطئ يافا بقلم:أ.عادل شديد
تاريخ النشر : 2020-08-10