الدرويش في مأساة المرفأ .. بيروت للمطلق بقلم : حمدي فراج
تاريخ النشر : 2020-08-10
الدرويش في مأساة المرفأ .. بيروت للمطلق بقلم : حمدي فراج


الدرويش في مأساة المرفأ .. بيروت للمطلق 10-8- 2020
بقلم : حمدي فراج
تتداخل مأساة انفجار مرفأ بيروت مع الذكرى السنوية الثانية عشرة على رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش ، الذي خلدها في قصيدته الشهيرة "بيروت خيمتنا الاخيرة" ، واذا كان رحيله عن هذا العالم قبل اثنتي عشرة سنة ، فإن عمر القصيدة التي لم تمت ولم ترحل برحيله قد ناهز الاربعين سنة ، اي بعد احتلالها من قبل الجيش الصهيوني عام 1982 كأول عاصمة عربية تجتاحها اسرائيل وتطرد منها قوات الثورة الفلسطينية ، بمن في ذلك شاعرها محمود درويش الى عشرات المنافي والفيافي والمهاجع . وبمجرد وقوع الانفجار ، حضرت القصيدة التي ودع فيها المدينة ، وداع الحزن والالم والدم والحرب والانكسار ، لكنه المجبول حتى الانصهار ، بالاصرار على الاستمرار حتى الانتصار ، ولهذا عنون مطولته : "بيروت خيمتنا الاخيرة" لا خيمة لنا غيرها ، لا خيمة لنا بعدها ، بل لا نجمة تضيء لنا الخيمة ، والطريق منها واليها ، سواها ؛ "بيروت خيمتنا الاخيرة ، بيروت نجمتنا الاخيرة" .
قد يكون مشوار التيه قد طال واستطال لدى الكثيرين من قيادات هذه الثورة ، بمن فيهم الدرويش نفسه حين عاد الى غزة في مشروع اوسلو التصفوي "غزة واريحا اولا" ، لكنه سرعان ما اكتشف عقم هذه العودة ، حين قال : عدنا من البوابة الخلفية للوطن ، وأننا لم نحرر سوى الليل ، واستنكف عن تولي اي منصب في ركب هذه القافلة .
كيف استطاع محمود درويش الشاعر والمفكر والفيلسوف حضور انفجار المرفأ ، "بيروت وَصْفُ المرأة الأولى ورائحة الغمام / بيروتُ من تَعَبٍ ومن ذَهَبٍ وأندلس وشام / لَم أسمع دمي من قبلُ ينطقُ باسم عاشقةٍ تنام على دمي ، وتنامُ / ييروتُ الشوارعُ في سُفُنْ / و ميناء لتجميع المُدُنْ / دارتْ علينا واستدارتْ ، أدبرتْ واستدبرتْ " .
كيف استطاع استحضار كل ما تعانيه المدينة بما في ذلك النفايات " طحلبِ الأيام بين المدِّ والجزر / النفاياتِ التي طارت من الطبقات نحو العرش ، هندسة التحلُّل والتشكُّل واختلاط السائرين على الرصيف عشيَّةَ الزلزال" . وارتفاع الدولار : "هندسيَّتها خطوطُ العالم الآتي إلى السوق الجديدة / يُشترى ويُباع ، يعلو ثم يهبط مثل أسعار الدولار / وأُونصةِ الذهب التي تعلو وتهبط وفق أسعار الدم الشرقيِّ" ، والطوائف : " نأخذُ الأولاد نحو البحر كي يثقوا بنا / وصوتُ فيروزَ الموزَّعُ بالتساوي بين طائفتين" ، والاحزاب : " ولبنانَ انتظاراً بين مرحلتين من تاريخنا الدمويِّ / لأيّ حزبٍ ينتمي" ، واقتحام البرلمان : "حزب الدفاع عن البنوك الأجنبية واقتحام البرلمان" ، داعش والنصرة والنفط : " أَسألوا آخر الإسلام : هل في البدء كان النفطُ / أم في البدء كان السخط" .
في نهاية القصيدة ، يقرأ علينا اعلان بيروت للمطلق : "نحن الواقفين على خطوط النار نعلن ما يلي: أحرقنا مراكبنا وعانقنا بنادقنا / لن نقول ((نعم)) / فمن دمنا إلى دمنا حدودُ الأرض / نناديكُمْ / فيرتدُّ الصدى بَلَداً / نناديكُمْ فيرتدُّ الصدى جَسَداً / لن نترك الخندقْ / حتى يمرَّ الليلْ / بيروتُ للمطلقْ / في البدء لم نُخْلقْ / والآن في الخندقْ / ظهرتْ سماتُ الحملْ / وَلَدٌ أطاح بكل ألواح الوصايا والمرايا ، ثم نام ".