زوجتي غير فضولية مطلقا، أظنها فُطرتْ من طينة غير طينة أترابها، أعثر على نقودي الورقية المفقودة بجوار ملابسي المغسولة على المنشر، نتعايش أنا وهي بسلام مع هاتفي القدبم ذي الأزرار المطموسة والحواف المهترئة، لست ممن غُلّتْ أيديهم إلى أعناقهم؛ تربيتُ على أن أحلب البقرة حتى آخر قطرة في ضرعها، ألزمني عملي الجديد بالتنسيق الإعلامي على أن أبتاع واحدا من طراز حديث مثل الذي تقتنيه زوجتي.
زوجتي غير فضولية بالمرة، لا تثرثر معي وقت الطعام ولا تستهويها أخبار المشاحنات النسوية أو تقاليع الموضة، شكت إهمالي لها ولبيتي، لا يفارق الهاتف يدي، تشكو حساباتي الخاصة إهمالا عتيدا، بينما صفحة مدرستي الخليجية حبلى بالإشعارات، أطارد مئات الرسائل التي عجّ بها بريد الصفحة، عشرات السير الذاتية لمعلمين يمنون أنفسهم بذهب الخليج الذي يعثر عليه المغتربون كلما تعثروا بحجر، أعداد لا بأس بها من المطحونين الذين أراقوا دماء كرامتهم يتسولون تحت ضغط الحاجة، كثير من محاولات القرصنة، تعرض علي بعض الغواني بضاعتهن، بالتجزئة حينا وبالجملة أحيانا رشوة مقابل قائمة بهواتف زملائي في العمل.
زوجتي ليست فضولية أبدا، لكن الأفاعي اللائي يظهرن بوجوه مصطنعة من وراء شاشات الفضائيات نفثن سُمهنّ الزعاف في دمها، تغيرت كيمياء دمها بفعل أكاسيد الكراهية وكبسولات الحداثة المستوردة التي تبثها تلك الأفاعي.
زوجتي ليست فضولية...لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، بل أتحسسه يرقد بينا في نفس السرير، الذي انكمشت هي هناك على حافته الأخرى، لم تقنعها تبريراتي، ولم يشفع عندها رسول حبنا ولا هداياي، أعارت أذنيها لأوليائه، حزم الشيطان حقائبها، تبعتها وهي تصعد سلم الطائرة، جلستُ بجوارها، احتضنتني حينما قرأت اسمي في كشف الذين أُنهيتْ خدماتُهم.
٢٠٢٠/٨/١
حمالة الحطب بقلم محمود فودة
تاريخ النشر : 2020-08-06
