العرب البائسة بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
تاريخ النشر : 2020-08-04
العرب البائسة  بقلم:عادل بن مليح الأنصاري


العرب البائسة

( عادل بن مليح الأنصاري )

يُقال أن هناك مقولة عن الشيخ محمد متولي الشعراوي يقول فيها :
"ﺇﺫﺍ ﺭﺃﻳﺖ ﻓﻘﻴﺮﺍً ﻓﻲ ﺑﻼ‌ﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻓﺎﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻏﻨﻴﺎً ﺳﺮﻕ ﻣﺎﻟﻪ "
وغني عن التعريف أن السرقة هنا ليست بالضرورة تعني أخذ المال بالمعنى الحرفي , فالسرقة كلمة يتسع جلبابها للكثير من الصور , وربما تجتمع كلها تحت مسمى (ضحايا الفساد) بكل صوره المشاهدة في واقعنا المُعاش , فقصص الفساد تكاد تكون عادة لم تعد تدهشنا , فكل يوم تطالعنا مواقع البث على مختلف أنواعها على صور الفساد في عالمنا العربي وكأنها ممارسة عادية , ولن نتمكن من فتح ملفات وقصص تلك الحكايا عن الفساد والمفسدين لكثرتها في كل شبر عربي , ولو افترضنا فرضا أن ألف مفسد من كبار المفسدين في عالمنا العربي وتخيلنا حقيقة الأموال التي نهبوها , ربما ستصاب الإنسانية جمعاء بصدمة تاريخية لا حجم لها , ولو افترضنا أن تلك المليارات لم تنهب في أي بلد بل وُجهت للتنمية والتعليم والإسكان والصناعة والبناء , لكانت الدول العربية تسابق بقية العالم الأول قفزاتها الحضارية , ونحن على يقين أن المبادئ الدينية والأخلاق لا دور لها هنا , ومقولة أن المفسدين في الأرض سينالون جزاءهم عند الله , بالنسبة لأولئك المفسدين , هي نوع من (المخدر) يتصبر به الضعفاء عن تلك الجرائم التي أُلحقت بهم من قِبل المفسدين , ربما كان الفساد بأنواعه من سرقة ورشوة وتحايل وأكل المال بالباطل وعدم أداء الأمانة الوظيفية أو التطبيقية , موجود في الكثير من المجتمعات وبنسب متفاوتة , ولكنها في العالم العربي مقترنة بالكثير من المآسي التي تعاني منها المجتمعات العربية دون غيرها , فبضعة مفسدين في أي بلد عربي ربما يكونون السبب المباشر لآلاف القصص من المصائب التي يعاني منها الإنسان العربي البائس , تلك المآسي تحتاج لمركز دراسات متخصص حتى يتتبعها ويعرف ولادتها وأسبابها , ومن يقف وراءها , وطرق علاجها وكيفية مقاومتها , أكاد أزعم أن بعض البلاد العربية لو سلمت من عبث المفسدين ستكون بلادا غنية وغارقة في الرفاهية وماضية في طريق التقدم والرقي , ما نشاهده ونتابعه من صور المآسي في عالمنا العربي لو تجمع عُشره في قلوبنا لتفتت من الكمد , ولو عبر عشره أمام أعيننا في لحظة واحد لعمت من الحزن , وقد تقاسم العرب البكاء على سلم الكمد واعتلوه درجات , فمن أسفله حيث جحيم المأساة , ربما يتقاسمه اليمن وسوريا , وربما يمتد الجحيم بصورة أقل لليبيا ولبنان , ثم العراق , ثم لن نتجاهل مآسي الاضطراب الاقتصادي وصراخ الطبقات الفقيرة في بعض الدول الأخرى .
هي أقدار الله التي كُتبت علينا لا شك في ذلك , ولكن هل الفساد المتسبب الوحيد لتلك المآسي ؟
لا شك أن قذارة السياسة العالمية من قِبل بعض الدول ساهمت كثيرا في خلق أولئك المفسدون بطريقة أو بأخرى , فهم أداة من أدوات السيطرة والدمار والعبث في عالمنا العربي , فخلق الفوضى والمشاكل بين الدول واستغلال الطائفية والإسلام فوبيا , وحجة محاربة الإرهاب , وتوجيه الكثير من مقدرات الأمة لتكديس الأسلحة التي تأخذ الغذاء والدواء والسكن والرفاهية من تحت أقدام العرب لتغذية تلك الصراعات البينية , بل وتغذيتها طوال الوقت بشتى السبل الشيطانية , فهل هناك من يشك لبرهة واحدة مدى العبث السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي الذي تنشره (إيران) مثلا في داخل الوطن العربي ؟
إن أعظم المآسي التي نزفها وينزفها العرب تكاد تكون لإيران اليد الطولى , فعبثها في اليمن ولبنان وسوريا والعراق كبد العرب الكثير من ثرواتهم لمقاومة شيطنتها في محاولة نشر المذهب الصفوي في العالم العربي بأية وسيلة ممكنة , ونحن العرب نصدق أن أمريكا تقف بجانبنا في وضع حد لتدخلات إيران في وطننا العربي , ومن الغباء أن نصدق أن أمريكا والتي تنتفع بشكل خرافي من خلق واستمرارية البعبع الإيراني , أنها حريصة على القضاء عليه , فكل الزلازل السياسية والعسكرية التي تشعلها إيران تعني المزيد من شراء السلاح , والمزيد من الارتهان للقوة الأمريكية , إيران أشعلت الفتنة في لبنان واليمن والعراق والبحرين , وتحاول العبث بالمنطقة الشرقية من السعودية , وفي نفس الوقت تنادي هي وأذرعها القذرة في كل مكان بالموت لأمريكا ولإسرائيل , ولم تقلب حجرا واحدا لا في أمريكا ولا في إسرائيل , لكنا سرقت أقوات العرب التي من المفترض أن تتوجه لأفواههم , لينفقوها إما وقاية لشرها أو سقوطا مهينا لأبواقها الدعائية الكاذبة .
إذا كان الفساد داخل المجتمعات العربية ينخر في الجسد العربي وجعله كسيحا مريضا مهانا , ويمتص قوته ومستقبله كطفيليات دنيئة , أحد الأسلحة التي وُجهت للشعوب العربية والتي تجسدت في دمار المدن وبكاء الأطفال والنساء والشيوخ , وصراخ الجوعى والمقهورين , فهو لا يختلف عن سلاح السياسة العالمية التي تحرص على استمرار العرب في تلك الصور المأساوية , وسيظل الفساد الداخلي وقودا لعبث السياسات الخارجية ومتضامنا معها في نشر الجوع والقهر والخوف على مجتمعاتنا البائسة , ولا نشك أن الصهيونية العالمية لا تبتغي أعظم ولا أفضل من استمرار هذا الجسد العربي بأمراضه وتهالكه حتى يضمن بقاءه وربما تمدده لأبعد مما يحلم .
ولكن هل يعلم المفسدون بكل أطيافهم وأنواع فسادهم ما تحمله أكتافهم من أوزار وضرر يطال كل من يعيش في مجتمعه , وهل يدرك أن كل صرخة جائع وبكاء طفل وضياع حلم لشاب أو فتاة , له نصيب من ذنوبهم ؟
لن نوجه أي نوع من التوجيه أو التخويف بالعذاب والنار والقصاص يوم القيامة , فهم يدركون أن هذه التوجيهات لا تعنيهم أو سيلتفتون إليها , ولن نقول أنهم اشتروا دنياهم بأخرتهم , فهم ربما يصدقون أو لا يصدقون , ولكن لندع تلك العاقبة لذلك اليوم الذي ينظر الفقير والجائع والمحروم والمقهور لوجوههم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه , وهو يوم لاريب فيه لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى , ولكن ليتذكر كل مفسد أيا كان نوع فساده أنه كان معولا من معاول الهدم لوطنه , وكان سارقا لقوت مواطنيه , وسببا في قهر الصغار والشيوخ والشباب , فهو سرق بفساده مستقبلهم , إنهم عار على أوطانهم , ومجرد لصوص تلعنهم الأوطان .