أخي في الإنسانية - كلمات تبدد الصمت بقلم رانية فهد
تاريخ النشر : 2020-08-04
أخي في الإنسانية -  كلمات تبدّد الصّمت

بقلم : رانية فهد

أخي وملهمي الرّائع، أكتب لك هذه الكلمات؛ لأقولَ لك لقد طال غيابك وتأخّرت في الرّد، فامتشقت قلمي، ذاك القلم الحرّ الطليق ليحلّق عالياً ويبادر مرّة أخرى ليصنعَ جولة وصولة،  ليبثّ إليك تلك الأشواق النابعة من شغافي وأعماق أعماقي... أجل، تأخرت عليّ في الردّ فتحيّرت فيما سأخطّه هذه المرّة... وما إن تناولت ذلك القلم، وأنا احتسي قهوة المساء، مشروبي العجيب، حتى انسابت كلماتي إليك دون قيد أو وجل ...  انسياب الماء في جذوع الشّجر... أكتب إليك لأنّك الصّديق ذلك الأخ الذي لم تلده أمّي... لأنّك الإنسان الذي جسّد وما زال يجسد لي الإنسانيّة ، ويبعثها فيّ بعدما كنت أبحث عنها، بغير فتور ولا ونى أينما وطئت قدمايَ،  وكان قلبي يبحث عنها ليتشبّث بها تشبّث الغريق بمركب إنقاذ في زمنٍ تنتهي به صلاحيّة  الحبّ بانتهاء فاعليّة مصلحة ما... في ثنايا هذه الجولة، طرق قلمي باب الذّاكرة وأخذني إلى يوم كانت فيه روحي تتوق إلى إطلاق العنان لكلمات وكلمات حيّة بنبضات قلبي الجيّاشة الدّافقة... حال دون انطلاقها حواجز مصطنعة، خوف اعتراني وسلب النّوم من عيّنيّ، خوف من تلك الأحلام الضّاغطة المتوشّحة بمشاعر نكابدها، تصارعنا ونصارعها، حلوة المذاق، نظل أسراها ما بلغ بنا العمر... وأردفتُ قائلة: أخذني إلى تلك اللحظة الحاسمة التي قلبت حياتي رأساً على عقب... تلك اللحظة التي حوّلت ذلك الليل وما يعتريني فيه من خوفٍ... حزن... ظلمٍ...آهاتٍ...عثراتٍ... أناتٍ لامرأة طرق الموت بوابة حياتها على حين غِرّة ودون سابق إنذار... موت جمّد مشاعرها ووضع نهاية لكلّ الأشياء... وجعل حياتها صحراء لا شجرة فيها ولا نبعة ماء... إلى لحظات منتظرة  في ذلك الليل وفي تلك الخلوة في زنزانتي الزاخرة بأصدقاء من كلّ حدب وصوب، يسكنون كتبا أتوق للسّفر فيها في ليل بهيم أصبحتُ أعشقه وأعشق السّمر، والبوح فيه، والكتابة، والهدوء الذي يجتاحني فيفجّر ما يسكن في الأعماق... أخي، لقد تعلّمت منك كيف أسافر عبر تلك الجزالة في لغة تسكنك وتسكنني... أسافر في كلماتك... وومضاتك... وخواطرك ... أبحر فيها... ولا أجانب الصّواب إن قلتُ أنّ كلّ حرف خطّته يمينك أو ما زالت تخطّه على صفحات التّواصل الاجتماعيّ في شتّى ما تخوضه يلامس خيالي ومخيلتي... نعم أقولها ودون حرجٍ أنت َذلك السّند الذي فتحتُ له باباً في حياتي، مع إيماني المطلق أنّ هناك أشياء نفيسة نؤثر أنْ نبقيها كامنة... سند علمتُ وتعلّمت من خلاله أنّ الكفاح من أجل تحقيق الذات يكفي لإعطاء قلوبنا قيمة ومعنى، ليبدو إيقاع الحياة متناغماً متناسقاً... سند قادني إلى تلك الإنسانيّة والمعنى الحقيقيّ الأخويّ فيها...  كنت أخاً وسنداً لي في تلك الإنسانيّة التي وقفتُ حائرة مبهورة الأنفاس أمامها... وكأنّ هذه اللحظة التي تردّدت فيها في إرسال هذه الرّسالة ...هي لحظة الشّروق  لذلك الحلم بعد أفول شمسه... هي ذروة الفرح الطّفوليّ... لحظة تحقيق ذاتي وإطلاق الطّاقة الحبيسة في داخلها، وبعث البهجة في روحها، وإطلاق العنان بعد ذلك الصّمت المطبق...  وبعد أن ضاع تاريخ ميلادي في ضباب السّنين... لم لا ؟ والبذرة لا ترى النّور قبل أنْ تشقّ طريقاً شائكاً...  أجل أنت أخي في تلك الإنسانيّة... في تلك الأخوة التي كان نتاجها أواصر صداقة حميمة، عرفنا مذاقها وجعلتنا نتعايش بألفة وحبّ وفرحٍ حقيقي يسمو ويسمو في مدارج الإنسانيّة، الإنسانيّة التي شرعتُ أحدّق فيها كما يحدّق الطّفل في وجه أمّه...  أجل أخي، أخي الذي تعلّمتُ منه أنّه حين يكشف الإنسان عن ذاته، فإنّه يكتشفها، وكان عوناً لي في العثور على بعض أجزائي...  وإن طال الغياب ونَدَرَ اللقاء....  لذلك سأرفع وجهي إلى السّماء ضارعة  لربّ العباد أن يحفظك في زاوية دافئة من القلب ، لم تغب عن مكانها أبداً  ...