تغريد البطمة وبقية الكوكبة بقلم : حمدي فراج
تاريخ النشر : 2020-08-04
تغريد البطمة وبقية الكوكبة بقلم : حمدي فراج


تغريد البطمة وبقية الكوكبة 27-7- 2020
بقلم : حمدي فراج
نشرت الدكتورة في القانون الدولي نجاح دقماق صورة قديمة لها مع صديقتها الدكتورة في علم الاجتماع مريم ابو ترك وهما تلبسان الثوب الفلسطيني المطرز بالحرير وعلى رأسيهما ما يطلق عليه "الغدفة" ، والصورة من ايام عهد الصبا و"الطلبنة" في جامعة بيت لحم قبل حوالي اربعين سنة ، وواضح ان للصورة التي جمعتهما علاقة بمعرض نادي التراث الفلسطيني التابع لمجلس اتحاد الطلبة من خلال ما يظهر من مقتنيات تراثية قديمة كالجرة والجاروشة وسلة البوص .
وكما فتحت الصورة قريحة العشرات ممن عايشوا المرحلة بالاعجاب والاستحسان والتعقيب وشعور فقدان "الزمن الجميل" ، فعَلت لي وأكثر ، عديد القضايا التي عايشناها بالتفاصيل ، وعلى الرأس منها الشهيدة تغريد البطمة التي كانت رئيسة لنادي التراث والتي مرت ذكرى استشهادها الاربعون قبل حوالي شهر ، وكانت تأتي الى الجامعة بالثوب الفلسطيني ، تخرج من بيتها في بتير وتصعد الى السيارة او الباص وتسير من منطقة المدبسة الى حرم الجامعة وهي تتباهى به وكأنها تريد القول ان هذا الزي يناسب كل الاعمار وليس فقط الامهات او الجدات . بهذا الزي التراثي الرائع نستطيع ان نتحدى الكون ، بدءا بأمريكا مرورا باسرائيل وانتهاء بالرجعيات العربية والاسلاموية التي خلقت لنا زيا جديدا.
كانت "الست"، وهي لفظة مصرية فرعونية متحورة عن الالهة القديمة "ايزيست" حجر زاوية حتى قبل ان تتخرج من جامعتها ، وكان الاحتلال يخشاها اكثر مما يخشى "الاولاد" . إسألوا تغريد لماذا قنصها الجندي المحتل وهي متجهة الى جامعتها . وبررت اسرائيل جريمتها بانها رصاصة طائشة ، فما كان من الشاعر الدكتور عبد اللطيف عقل الذي كان يدرس الفلسفة في الجامعة ان يقول : رصاصة طائشة من جندي طائش في دولة طائشة.
جمال صورة "نجاح ومريم" و حجم المعجبين/ ات بها ، ومدى تحسرهم على "الزمن الجميل" مقارنة – طبعا – بالزمن الحاضر ، دفعني لأن أرى في خلفية "الصورة"ما هو ابعد وما هو أجمل : رولا ابو دحو وبلانكا حزبون وعريب برغوثي ومي رشماوي وجورجيت برهم وفدوى اللبدي وعايدة ابو مهر وعزية وزوز وكرستينا ربيع وامل عايش وربيحة ذياب وابتسام رزق الله ومنى مصطفى وسوسن المشني و انشراح جرادات ولمى مستكلم وليندا و لميس غريب وباسمة رشماوي واعتدال معمر وفريال بنورة وريما فيضي ودعد مكركر وخولة الازرق وجاكلين صفير ، فكيف في غمرة برهة قصيرة من الزمن تبددت الحقبة وتبدد هذا الكم الهائل من الطلائعيات التي كانت كل واحدة منهن قادرة بفكرها وخلقها و ارادتها ان تقود مرحلة بأكملها من الوعي والتقدم والايثارية وقوة المثال . عشرات الاسماء التي لم تعد الذاكرة تحتمل إحضارهن او غيابهن ، فقد اصبح بعضهن تحت ثرانا المقدس دون ان يستطيع الموت ذاته تغييبهن عن "الصورة".
إن استشفاف الكوكبة في "الصورة" واستحضارها في الذاكرة ، يعني ان الصراع لم يضع أوزاره بعد ؛ صراع الخير ضد الشر ، و النور ضد الظلام ، و التقدم ضد التخلف ، والتحرر ضد الاحتلال والعبودية . وفي ظل هذا الاحتدام ما زال الدور الرئيسي شاغرا .