ما حدث يوم الاثنين على الحدود الفلسطينية- اللبنانية أكبر من فضيحة عسكرية إسرائيلية بقلم : حماد صبح
تاريخ النشر : 2020-07-29
ما حدث يوم الاثنين على الحدود الفلسطينية _ اللبنانية أكبر من فضيحة عسكرية إسرائيلية بقلم : حماد صبح
لم يطف بخيال من تابع البث الحي للضجيج الإعلامي العبري والعربي عصر الاثنين عن معركة يلتهب أوارها بين الجيش الإسرائيلي وقوة من حزب الله ؛ أن تلك المعركة كانت من جانب واحد هو الجانب الإسرائيلي ، ومن ثم كانت أخبارها المتلاحقة تأتي منه وحده ، وجرى في بال المتابعين لها أن حزب الله صمت لغايات عسكرية وإعلامية نفسية . وحالا استبانت الحقيقة بتوالي " إسهال " تناقض البيانات الإسرائيلية الرسمية عنها . قال البيان الأول إن حزب الله استهدف دبابة ميركفاه إسرائيلية بصاروخ كورنيت ، وهو صاروخ روسي مدمر ، بعد ذلك بقليل نُفي البيان الأول ، وتلاه بيان ثانٍ قال إن خلية من حزب الله تسللت خلال الحدود ، وإن القوات الإسرائيلية صفتها ، وناقض بيان ثالث البيان الثاني ، قائلا إن الخلية اكتشفت وفرت ، وفي بيان رابع وأخير تحدث الإعلام الإسرائيلي عن اشتباك بين قوات إسرائيلية وعناصر من حزب الله في محيط الجزء المحتل من مزارع شبعا اللبنانية . حالة ارتباك وتضارب واختفاء يقين ورعب متلاحقة اللحظات مثل أفلام العنف والجريمة لم تعرفها إسرائيل . حالة كابوسية تضغط على الصدر وتخنق الأنفاس ، يصحو بعدها المكبوس شاعرا بأنه عاد من عالم آخر لا يصدق أنه نجا مما فيه من مخاوف وأهوال وفقدان نصير منقذ . كيف سيرى الإسرائيليون أنفسهم بعد ما حدث منهم ؟! وكيف سيراهم أصدقاؤهم وأعداؤهم ؟! الموثوق منه : رؤية مخزية مفزعة لهم ولأصدقائهم ، ورؤية مشرفة مبهجة لأعدائهم . سيندفع بعد تلك المعركة المتخيلة التي خاضوها من طرف واحد ضد اللاشيء الكثير من القبح والبؤس إلى صورتهم في أعينهم ، وسيعلمون ويعلم أعداؤهم أنهم ، وفق ما شخصهم سماحة الشيخ الجليل حسن نصر الله أصدق تشخيص وأدقه ، أوهن من بيت العنكبوت . ما الذي أوقعهم في هذه المعركة السرابية المتخيلة ؟!
كثرة تفكيرهم وأحاديثهم عن الأخطار المحيطة بهم حتى صارت وسواسا قهريا جماعيا لا يستطيعون التغلب عليه ، أو التقليل من ضغطه الملح بثقله على نفوسهم وعقولهم وسلوكهم وكلامهم ، ومن يفكر في العفريت يطلع له العفريت . هم مثلما قال رب العزة _ جل قدره _ يحسبون كل صيحة عليهم ، وتعمق وسواسهم فصاروا يتخيلون الصيحات مثلما تخيلوا يوم الاثنين أن حزب الله هاجم قواتهم . وكثف ضغطَ وسواسهم القهري توقعُهم ردا عنيفا من حزب الله انتقاما لعنصره علي محسن الذي استشهد في غارة إسرائيلية مؤخرا على محيط مطار دمشق . وفي أخبارهم أنهم أرسلوا اعتذارا لحزب الله ، وزعموا أنهم ما كانوا يعلمون وجوده . واعتذارهم يفضح رعبهم من الحزب ، ويحوي إذلالا شديدا لغطرستهم واغترارهم . إلا أن من ألف الغطرسة والاغترار يشق عليه أن يتخلى عنهما بغتة ودفعة واحدة . في حديث للقناة العبرية الثانية عشرة حذر الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين لبنان وسوريا وحزب الله من اختبار الجيش الإسرائيلي ( الذي اختبرته الأوهام يوم الاثنين ) ، وقال إن المخابرات الإسرائيلية ، هو الرئيس الأسبق للمخابرات العسكرية (أمان ) ، تعلم مكان الشيخ حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية من بيروت ، وأنها تستطيع تصفيته في أي وقت ! ولو كانت حقا تستطيع تصفيته لصفته من بداية قيادته للحزب ! إنها المكابرة وصعوبة التخلي عن الغطرسة والاغترار ، وقبلهما محاولة رفع معنويات الإسرائيليين التي هبطت مصدومة مرتاعة بعد معركة جيشهم ضد قوة متخيلة في الشمال .
ما حدث يوم الاثنين أكبر من فضيحة عسكرية إسرائيلية . إنه فضيحة دولة كاملة ، وله دلالته العميقة على حقيقة هشاشة هذه الدولة التي تحميها ، من بين حاميات أخرى أهمها خارجي ، صَدَفة عسكرية جاهزة للكسر متى وجدت من يتحداها بقدر مناسب من الفاعلية ، ومن عجائب التاريخ العسكري ، بل السياسي ، أن حزبا صغيرا جدا هو حزب الله نجح في هذا التحدي نجاحا تجاوز كل معايير صراع القوى . وتحدث عن هذه الحالة الفريدة في تاريخ الصراعات جنرال الاحتياط كوبي ماروم للقناة العبرية الثالثة عشرة مستغربا أن يستنزف تنظيم صغير نعته بالإرهابي الجيش الإسرائيلي مدى أسبوع ، أي منذ استشهاد علي محسن حتى معركة الاثنين الإسرائيلية الأحادية ، والصحيح الأوسع أن هذا التنظيم ، حزب الله ، استنزف روح إسرائيل وأعصابها وثقتها في ذاتها منذ أن طردها في 25 مايو 2000 من جنوب لبنان مهزومة مذلولة راضية من الغنيمة بالإياب ، وتابع استنزافه في حرب يوليو 2006 ، وما زال يتابعه ، وأحدثه وأفظعه دلالة على عمق الاستنزاف وتنوعه معركة يوم الاثنين الدون كيشوتية التي تخيلت فيها القوات الإسرائيلية أن حزب الله يهاجمها ، وتابعتها كل إسرائيل في تخيلها المرضي . والمنتظر حدوث الكثير من المفاعيل السيئة بين الإسرائيليين لهذه المعركة التي كانوا طرفها الوحيد .