نعيماً!!بقلم:السفير منجد صالح
تاريخ النشر : 2020-07-29
نعيماً!!بقلم:السفير منجد صالح


نعيماً!!
السفير منجد صالح

في مقولاتنا الشعبية الفلسطينية، وفي عاداتنا وتقاليدنا المُتوارثة، نقول كلمة أو تعبير "نعيما" تحبّبا لعزيز يخرج لتوّه من تحت "الدوش"، أي بعد الحمّام. هذا هو المعنى الحقيقي للتعبير، وكل الدلائل تُشير أن له خلفية تقليدية دينية. مُتأتيه من النعيم والنعمة. أي أن يكون حمّامك نعيما ونعمة تغمرك.

لكننا أيضا نستعمل نفس التعبير، "نعيما"، بلفظه وماهيته تماما للتدليل على "السخرية" من أحد ما حين يقوم بإرتكاب خطأ أو حماقة أو "لبس قميص أكبر من حجمه"، أو الوعد بعمل شيئ "بطولي" ثمّ التراجع عنه، أو عدم القدرة على تحقيقه.

يعني بالشعبي المصري: "تعيش وتاكل غيرها".  

"نعيما للسخرية"، وهي المقصودة في هذا المقال والمقام.

هذه المُقدمة التراثية الفلسفية تنطبق تماما وبحذافيرها على ما قامت به "إسرائيل" وجيشها، يوم أمس، من "أعمال حربية" في الجنوب اللبناني، ضد حزب الله، وضد عملية التسلل المزعومة المُختلقة لعناصر من المقاومة، إلى شمال فلسطين المحتلة، إلى المستعمرات الإسرائيلية.

يقول المثل الشعبي الفلسطيني أيضا" "المقروص بيخاف من جرة الحبل". والمقروص الملدوغ المرعوب في هذه الحالة هو الجيش الإسرائيلي المُتمركز على تخوم الجنوب اللبناني الأبي الصامد، الذي يحرسه أسود المقاومة.

فمنذ أن ارتكب الطيران الحربي الإسرائيلي عدوانه على مُحيط مطار دمشق، قبل عدة ايام، حيث سقط شهيدا البطل علي كامل محسن، القيادي في حزب الله، وإسرائيل لا تنام الليل ولا النهار، وهي تحلم "وتضرب أخماسا في أسداس"، وتغمرها الكوابيس من "راسها لساسها"، من ردّ محتمل وقادم وحاسم من حزب الله، في الجنوب اللبناني، شمال فلسطين المُحتلّة.

إستنفرت إسرائيل كل وكامل قوّتها وقوّاتها المُجوقلة المحمولة والراجلة والثابتة، في البر والبحر والجو، وأجرت تعديلات وتنقّلات وتمويهات لقوّاتها، في الشمال، تحسّبا وتخوّفا من رد فعل شباب المقاومة اللبنانية، على عدوانها الغاشم في سوريا.

معادلة حزب الله واضحة: أيّ عدوان صهيوني على شبابها البواسل على الأراضي السورية او اللبنانية سيلقى الرد المناسب، الردع الحاسم. لن يمّر دون عقاب. هذا هو التوازن، وقواعد اللعبة، ولا نيّة لدى حزب الله لتغيير قواعد اللعبة او تحريفها او تعديلها.

ولأن إسرائيل تعي ذلك جيدا فهي تحسب ألف حساب لردّ حزب الله. لذلك فإن قوّاتها مُستنفرة، متوتّرة، "مُتحفّزة"، "محرّقصة"، "فاقدة أعصابها"، "أعصابها بايزة"، "بتشوف الديك أرنب"!!! 

من أجل ذلك فقد قصفت، فجأة وعلى حين غرّة، مناطق في الجنوب اللبناني بالمدفعية والدبابات والرشاشات، تحت ذريعة "إكتشاف مجموعة من حزب الله" تسللت "للمس" بالجنود الإسرائيليين في مواقعهم وإستحكاماتهم ومخابئهم.

وإستنفرت الحكومة الإسرائيلية أركانها كافة. قطع رئيس الوزراء نتنياهو إجتماعة ليتابع "الحدث الأمني الكبير الواسع العميق"، صرّح وأرغد وأزبد وتوعّد حزب الله.

وتبعه وزير جيشه "الأزرق الأبيض"، بني غينتس، وزير جيش الإعتداء الإسرائيلي، ونافس رئيسه توعّدا ووعيدا ضد حزب الله.

"وكرّت المسبحة" تهديدا وتصريحا ووصفا وتضاربا ومبالغة وتحريفا وتأليفا بالحدث الأمني "الخطير" في الشمال.

وبعد كل هذه الزوبعة في الفنجان وخارج الفنجان، خرج حزب الله واثقا هادئا متيقّنا صادقا بأنه لم يُطلق النار ولم يشتبك ولم تتحرّك عناصره ولم تخترق الحدود. وأن كل ما صدر عن المسؤولين الإسرائيليين لا يعدو أن يكون "أضغاث أحلام" وتخيّلات وتهيّؤات وردة فعل لما "يُعشعش" في داخلهم من الخوف والإنتظار الصعب، من ردّ حزب الله على جريمتهم الموصوفة.

وأنّ الردّ قادم.

واليوم، يا سادة يا كرام، جاء الخبر الأكيد، "قطعت جُهينة قول كل خطيب"، تفسيرا للدوّامة التي تخبّطت بها إسرائيل يوم أمس، حول ما جرى وما كان على "الحدود الشمالية"، في عنوان لافت للإعلام الإسرائيلي، يقول:

"مُجنّدة كادت تُشعل حربا أمس مع حزب الله"!!!

وفحوى "القصة"، "حكاية" ما جرى وحدث  في مزارع شبعا، على الحدود مع لبنان، حسب رواية القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي أن "مُجنّدة إسرائيلية حديثة العهد بالجندية، ... "غشيمة وطائشة وتطفو على شبر ماء" ...، تبلغ من العمر 19 عاما، وصلت منذ مُدّة إلى القاعدة العسكرية في مزارع شبعا، وكانت في المُراقبة، "لاحظت مجموعة مسلّحة"، وقامت بإطلاق النار، وجرى ما جرى ... !!!

وأوضحت القناة، أن هذه المُجنّدة كادت أن تقود إسرائيل إلى حرب مفتوحة مع حزب الله بفعل "خيالات" ... وتهيّؤات والنوم في العسل والكوابيس، والعقل الباطني المُثقل المرعوب المسكون بالقلق والترقّب من الردّ المُنتظر من قبل حزب الله.

هل سمعتم يا عرب؟؟؟!!!     

لهذا تنطبق على "المُجنّدة الغشيمة" وعلى الضبّاط  والجنود الإسرائيليين "المُتحرّكين" والثابتين والمتيقّظين والمّدرّعين والسابتين والساهمين والمموّهين، على الحدود مع جنوب لبنان، مقولة: "صح النوم"، ونعيما!!!

كاتب ودبلوماسي فلسطيني