اليرموك وزمن خيش أكياس الأونروا بقلم علي بدوان
تاريخ النشر : 2020-07-29
اليرموك وزمن خيش أكياس الأونروا بقلم علي بدوان


اليرموك وزمن خيش أكياس الأونروا

بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب

أكياس الطحين التي كانت توزعها وكالة الأونروا، زاداً ثميناً لكل لاجئي فلسطين في سورية ضمن الإعاشة الشهرية التي كانت تُقدم لكل عائلة وفق عدد أنفارها. كما كانت معها باقي المواد الغذائية هي الزاد المُساند في توفير جزءاً هاماً من مستلزمات الحياة المعيشية اليومية لكل أسرةٍ فلسطينية.

لكن الملفت للأمر هنا أن خيش أكياس الأونروا، كانت بدورها مادة جيدة لمختلف الإستعمالات اليومية، وقد وصلت لحدود صناعة الملابس الداخلية منها، وشورتات الرياضة لأطفال اليرموك وعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية وحتى في لبنان قبل أن تصبح في العقدين الأخيرين من نوعٍ اقرب الى الأكياس المنسوجة من الخيوط البلاستيكية، حيث سبق وأن أورد الشهيد ناجي العلي بعضاً من ذكرياته عن أكياس خيش الأونروا في أزمنة اللجوء الأولى في مخيم عين الحلوة عبر نصوصٍ من المقابلات التي كان قد أجراها قبل إستشهاده.

خيش أكياس الأونروا تعددت في ماركاتها ومنشأها، وفق البلد الذي تأتت منه تلك المساعدات العينية التي كانت تتبرع بها بعض دول العالم لوكالة الأونروا من أجل توزيعها على اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة كندا والولايات المتحدة واستراليا ..

لقد كانت شورتات الرياضة لأطفال مخيم اليرموك وغيره، والمُصنعة من خيش أكياس طحين الأونروا مدموغة على نسيجها بدمغات تلك البلدان، ولكلِ طفلٍ حظه، فهذا الطفل يرتدي شورت مدموغ بدمغة أمريكية، وأخر بدمغة كندية، وذاك بدمغة أسترالية، لكن الدمغة الأكثر إنتشاراً كانت هي الدمغة الكندية نظراً للمساهمة الأكبر لكندا في تقديم مساعدات الطحين لوكالة الأونروا.

زمن أكياس طحين الأونروا، وخيش أكياس الطحين، وإن ولى وانتهى، لكنه كان زمن العراك الصعب، الذي شق فيه شعبنا الفلسطيني اللاجىء في سورية وعموم دياسبورا المنافي والشتات طريقه الوعر في الحياة، بالإصرار والكد والتعب والعمل. إنه الزمن الجميل الملىء بالأحلام الوردية المشروعة لشعبٍ مازال بالرغم من كل المصاعب والإلتواءات مصمماً على التمسك بحلمه الوطني المشروع وإن ضاقت آفاق المرحلة أمامه.

زمن أكياس طحين الأونروا، وخيش تلك الأكياس، زمن الأمهات الجميلات، الكادحات، الصبورات، زمن الأمهات التي لم تعرف الواحدة منهن معنى المستحيل. فكان عليها القيام بأعمال شاقة فجر كل يوم لعائلة متوسط أفرادها يفوق العشرة أنفار، من عجن الطحين وإعداده، وغسل الملابس بـ (اللجن) .. وتأمين ذهاب الأطفال والفتيان للمدارس ومراكز التعليم التي أقبل عليها الفلسطينيون بشكلٍ إستثنائي. ولاننسى هنا بقجة الملابس السنوية التي كانت توزعها الأونروا على العائلات، وفق عدد أنفارها، فكانت تحفة من التحف، فيها من كل بلد، ومن كل الماركات، وانت وحظك.

(اللوحة أو البورتريه المرفق لفنان الداخل الفلسطيني الصامد في مدينة حيفا عبد عابدي)