نظام الذهب وقوى الهيمنة وقوة العملة المحلية ترتكز على كمية الذهب بمخزوناتها
تاريخ النشر : 2020-07-29
بقلم الاستشاري  د.صفاء الجنابي

هل يمكن أن يعود العالم إلى نظام الذهب؟ وإذا أراد العالم العودة إلى النظام، فكيف ستكون العودة إلى هذا النظام؟ ينبغي الإشارة في البداية إلى أن هناك انقساما كبيرا بين المراقبين حول إمكانية العودة إلى نظام الذهب، فمن جانب نرى بعضهم يعتقد أنه لا توجد أي عوائق من أي نوع يمكن أن تحول دون عودة العالم إلى نظام الذهب، سواء أكانت هذه العوائق فنية أم اقتصادية، وأن الموانع التي تقف دون عودة العالم إلى نظام الذهب لا تعدو أن تكون موانع إيديولوجية، وبمعنى آخر فإن الباب يعد مفتوحا أمام العالم للعودة إلى هذا النظام في أي وقت إذا ما اختار ذلك، وهو على ما قد يبدو يعد تسطيحا شديدا للقضية موضع النقاش. على الجانب الآخر، يرى بعضهم أن مجرد التفكير في العودة إلى نظام الذهب هو نوع من الغباء أو هو منتهى الجنون. سأحاول في هذا المقال أن أناقش سيناريوهات العودة إلى نظام الذهب، دون أن ألجأ إلى تبسيط الأمور على نحو سطحي، أو أفترض منذ البداية أن العودة إلى النظام أمر مستحيل، ولندع نتائج السيناريوهات الممكنة للعودة إلى نظام الذهب هي التي تجيب عن السؤال. دعونا أولا نتعرف على رصيد العالم من الاحتياطيات الذهبية المرشحة للاستخدام كغطاء ذهبي للنقود في حال قرر العالم العودة إلى نظام الذهب. وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإن إجمالي الكميات التي تحتفظ بها البنوك المركزية في العالم اليوم من الذهب كأصل احتياطي نقدي ـــــ بما في ذلك صندوق النقد الدولي 2981.2 طن، والبنك المركزي الأوروبي 501.4 طن، وبنك التسويات الدولية 199 طنا ـــــ تبلغ نحو 30462 طنا من الذهب فقط، وذلك من أصل 140 ألف طن يقدر أنها استخرجت من باطن الأرض حتى الآن، أهم الدول التي تحتفظ بالذهب في العالم هي الولايات المتحدة 8133.5 طن، وهي أكبر دولة تحتفظ باحتياطي ذهبي في العالم، وألمانيا 3406.8 طن، وإيطاليا 2451.8 طن، وفرنسا 2435.4 طن، والصين 1054.1 طن، وسويسرا 11040 طنا، واليابان 765.2 طن، وروسيا 663.8 طن، وهولندا 612.5 طن، والهند 557.7 طن، وتايوان 423.6 طن، والبرتغال 382.5 طن، وفنزويلا 363.9 طن، والسعودية 322.9 طن، والمملكة المتحدة 310.3 طن. باقي دول العالم تحتفظ بكميات صغيرة من الذهب، وفي معظم الأحيان لا تتناسب بأي شكل من الأشكال مع الكميات التي تصدرها من النقود. على سبيل المثال يبلغ الاحتياطي الذهبي للبنك المركزي في كندا 3.4 طن فقط، بينما يبلغ الاحتياطي الذهبي لشيلي 200 كيلوجرام فقط، في حين لا تحتفظ دول مثل عمان وكينيا وعدد كبير من دول العالم الفقير باحتياطيات ذهبية على الإطلاق، ما يعني أن عملية العودة إلى نظام الذهب لمثل هذه الدول ستكون أمرا في غاية الصعوبة، أخذا في الحسبان الأسعار الحالية للذهب. كيف يمكن للعالم العودة إلى نظام الذهب؟ لا شك أن مناقشة الإجابة عن هذا السؤال تقودنا إلى أن العودة إلى النظام إما أن تعني أن يعود العالم إلى النظام من خلال الصورة الكلاسيكية (سك النقود من الذهب، أو إصدار نقود ورقية يحتفظ بالذهب في مقابلها بالكامل)، أو من خلال نظام يماثل نظام بريتون وودز، أو من خلال صيغة ما من التأشير Indexation مثلما اقترح زوليك رئيس البنك الدولي أخيرا. معنى ذلك أننا أمام ثلاثة سيناريوهات ممكنة للعودة إلى نظام الذهب، وفيما يلي نتناول هذه السيناريوهات بالتحليل. السيناريو الأول لعودة العالم إلى نظام الذهب هو العودة إلى النظام في صورته الكلاسيكية، أي في صيغته المعدنية، أو في صورة النقود الورقية النائبة، ولسنا في حاجة هنا إلى إثبات أن العودة إلى النظام وفقا لهذا السيناريو تعد أمرا مستحيلا سواء حاليا أو في المستقبل، أخذا في الحسبان الكميات المتاحة للعالم من احتياطيات الذهب، والكميات المصدرة من النقود في أنحاء العالم كافة. ذلك أن توفير الذهب اللازم لكل دول العالم ليستخدم كغطاء كامل للنقود سيعني أن كل الكميات المنتجة من الذهب في العالم لن تكون كافية للوفاء باحتياجات دول العالم لأغراض إصدار ما تحتاج إليه من نقود، وذلك إذا أخذنا في الحسبان حجم القاعدة النقدية، أي كمية النقود المصدرة في العالم. فالعالم يقف الآن بالفعل في الموقف الذي كان سائدا نفسه في 1945 عندما كان يناقش قضية العودة إلى نظام الذهب في بريتون وودز، حيث كانت دول العالم ترغب في العودة إلى نظام الذهب، ولكنها لم تكن تملك من الذهب ما يسمح لها بالعودة إلى النظام في صورته الكلاسيكية، فكان الخيار هو اللجوء إلى عقد اتفاقية بريتون وودز، حيث لعب الدولار الأمريكي دور مركز النظام النقدي العالمي. السيناريو الثاني؛ هو أن يعود العالم إلى نظام الذهب من خلال العودة إلى صيغة مماثلة لصيغة اتفاقية بريتون وودز، أي عودة عملة واحدة في العالم إلى نظام الذهب، هذه العملة ستكون بالتأكيد الدولار، لعدة أسباب أهمها أن الدولار يمثل حاليا عملة العالم، كما أنه العملة الوحيدة في العالم صاحبة هذا الغطاء الذهبي الضخم، إضافة إلى خصائص أخرى، على أن تعود دول العالم لربط عملاتها بالدولار، وبذلك تتمكن الدول المختلفة من ربط عملاتها بالذهب من خلال الدولار، مثلما كان عليه الحال طبقا لنظام بريتون وودز، وإذا افترضنا أن العالم سيعود إلى الذهب وفقا لهذا السيناريو، فإن هناك أكثر من بديل لتحديد قيمة التعادل بين الدولار والذهب، أو معدل التحويل بين الدولار والذهب. البديل الأول: وهو العودة على أساس آخر سعر رسمي للذهب، أي 42 دولارا للأوقية، وهو السعر الذي كان سائدا للذهب قبل قيام العالم بهجر اتفاقية بريتون وودز وفصل النظام النقدي العالمي عن الذهب. لا شك أن هذه العودة النظرية ستعني فرض قيمة مرتفعة جدا للدولار، ومن ثم قيمة منخفضة جدا للذهب. من الناحية التاريخية حدث إجراء مماثل لذلك في حالة المملكة المتحدة، التي كانت المركز المالي للعالم بعد الحرب العالمية الأولى. فبعد أن انتهت الحرب، عادت المملكة المتحدة إلى الذهب على أساس معدل صرف الجنيه الاسترليني بالذهب قبل الحرب، غير أن سعر الذهب بعد الحرب كان قد ارتفع كثيرا، ما أدى إلى خفض معدل صرف الجنيه في سوق الصرف الأجنبية إلى 4.40 دولار، وقد كان من المفترض أن تعود المملكة المتحدة إلى الذهب على أساس معدل صرف 4.86 دولار للجنيه (المعدل قبل الحرب)، وبما أن المملكة المتحدة كانت تعيش على تصدير الكثير من السلع لكي تستورد احتياجاتها من الخارج، فإن العودة إلى نظام الذهب على أساس سعر الذهب قبل الحرب، قد أدى إلى رفع قيمة الجنيه بصورة كبيرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الصادرات البريطانية في الأسواق العالمية، ولكي تحافظ المملكة المتحدة على تنافسيتها في الأسواق الدولية قامت بتخفيض الأجور في المملكة، الأمر الذي ترتب عليه اضطراب عمليات الإنتاج والأسعار بصورة واضحة، وهو ما دفع المملكة المتحدة إلى الإعلان عن خروجها من نظام الذهب بصفة نهائية لاحقا. العودة إذن إلى نظام الذهب على أساس معدل التبادل الذي كان سائدا قبل فصل الدولار عن الذهب، سيؤدي إلى آثار تجارية سلبية حادة، تمنع الولايات المتحدة من تبني العودة إلى النظام على هذا الأساس، هذا بالطبع إذا افترضنا أن الولايات المتحدة ستتمكن من توفير احتياطيات ذهبية تمكنها من العودة إلى النظام استنادا إلى هذه القيمة للتعادل، وبحسبة بسيطة إذا افترضنا أن الولايات المتحدة ستقوم بتخفيض كميات الدولارات التي أصدرتها إلى مستويات ما قبل الأزمة، أي إلى نحو 800 مليار دولار فقط، فإن فرض معدل للتحويل إلى الذهب عند سعر 42 دولارا للأوقية يقتضي من الولايات المتحدة أن ترفع رصيدها الذهبي إلى 19047619048 أوقية ذهب، أو 592447.2 طن من الذهب، وهو أمر مستحيل الحدوث، لأنه ببساطة شديدة لا يوجد في العالم سواء على سطح الأرض أو في باطنها هذه الكمية من الذهب. البديل الثاني؛ هو العودة إلى نظام الذهب على أساس المعدل الحالي للتحويل بين الدولار والذهب، أي وفقا للعلاقة بين الكميات المصدرة من الدولار والرصيد الذهبي الحالي للولايات المتحدة، وفي ظل هذا البديل سنجد أنه وفقا لآخر البيانات المنشورة عن احتياطيات الولايات المتحدة من الذهب، فإن الاحتياطي الفيدرالي يحتفظ الآن بـ8133.5 طن من الذهب، وبما أن أوقية الذهب تزن 31.10348 جراما، فإن ذلك يعني أن الاحتياطي الفيدرالي يحتفظ بـ261.496.938.7 أوقية من الذهب، ووفقا لآخر البيانات المتاحة عن القاعدة النقدية للولايات المتحدة Monetary Base، أي الدولارات المصدرة، فإنه حتى تشرين الأول (أكتوبر) الماضي تم إصدار 1958757 مليون دولار (نحو تريليوني دولار)، وبقسمة إجمالي الكميات المصدرة من الدولار إلى إجمالي الاحتياطي من الذهب بالأوقية، فإن معدل التحويل بين الدولار والذهب يصبح 7490.6 دولار للأوقية. لاحظ أن حساباتنا تقوم فقط على ربط الدولار بالذهب وليس كل عملات العالم. من ناحية أخرى، إذا افترضنا أن الولايات المتحدة ستعيد سحب كميات الدولار التي أصدرتها خلال الأزمة لتعود القاعدة النقدية إلى مستوياتها قبل الأزمة (800 مليار دولار)، فإن سعر أوقية الذهب لا بد أن يصبح وفقا لهذا البديل 3059.3 دولار. معنى ذلك أن العودة إلى نظام الذهب وفقا لهذا البديل ستنطوي على تخفيض هائل جدا لقيمة الدولار، وفرض سعر خيالي للذهب. لقد بلغ سعر الذهب في المتوسط هذا الأسبوع نحو 1370 دولارا للأوقية، معنى ذلك أن العودة إلى النظام وفقا لهذا البديل ستعني رفع أسعار الذهب الحالية ما بين ضعفين وربع إلى خمسة أضعاف ونصف، وهو ما يمكن أن يحدث صدمة شديدة في الأسواق، وارتفاع حاد جدا للأسعار، بما يفقد نظام الذهب الهدف الأساسي منه، وهو استقرار الأسعار، ومن المؤكد أن العودة على أساس أي من هذه الأسعار سيؤدي إلى صدمة لعمليات إنتاج واستخراج الذهب، حيث ستتحول الموارد بشكل متزايد نحو إنتاج الذهب من المصادر الاقتصادية وغير الاقتصادية (التي ستصبح اقتصادية بعد هذه الزيادة الرهيبة في سعر الذهب)، أكثر من ذلك فإن مثل هذه العودة ستدمر القوة الشرائية للدولار والمدخرات به والاحتياطيات العالمية منه أو أي التزامات سيتم سدادها مستقبلا بالدولار. الميزة الأساسية في هذا البديل هي أن الولايات المتحدة لن تحتاج إلى رفع رصيدها الاحتياطي من الذهب. البديل الثالث؛ هو العودة إلى النظام على أساس الأسعار الحالية للذهب، أي بمعدل تحويل 1350 دولارا للأوقية تقريبا. مشكلة العودة إلى النظام على أساس الأسعار الحالية هي أن السعر الحالي للذهب مغالى فيه، وبالتالي سيعود الدولار إلى الذهب عند قيمة أقل بكثير من القيمة التي يجب أن يكون عليها لو كانت الأسعار السائدة للذهب هي تلك الأسعار التي تسود في ظل الأوضاع العادية، وليس أسعار الأزمة. ومرة أخرى لكي تتم العودة بالدولار إلى نظام الذهب على أساس الأسعار الحالية فإن الولايات المتحدة في ظل الكميات المصدرة حالية من الدولار (2 تريليون دولار) سوف تحتاج إلى رفع رصيدها الذهبي إلى 1450931111 أوقية، أو بنحو 45129 طنا من الذهب، وهي كمية تفوق احتياطيات البنوك المركزية في العالم أجمع حاليا من الذهب بمرة ونصف، وعلى افتراض أن الولايات المتحدة ستخفض الكميات المصدرة من الدولار إلى مستويات ما قبل الأزمة (800 مليار دولار)، فإن الولايات المتحدة ستحتاج إلى رفع رصيدها الذهبي إلى 592592592.6 أوقية، أو 18431.7 طن من الذهب، أي بأكثر من ضعفي الرصيد الذهبي الحالي للولايات المتحدة، ولا شك أن أي محاولة لتدبير هذه الكميات من الذهب ستدفع بأسعار الذهب نحو السماء. ومن ثم فإن إعلان التحول إلى نظام الذهب على هذا الأساس سيحدث صدمة أيضا، وهي أن الاحتياطي الفيدرالي لا بد وأن يوائم بين رصيده الذهبي والكميات المصدرة من النقود على هذا الأساس، الأمر الذي إما قد يقتضي ضرورة خفض الكميات المصدرة من الدولار على نحو كبير، أو قيام الاحتياطي الفيدرالي بزيادة رصيده من الذهب حتى يحافظ على هذه العلاقة بين الكمية المصدرة من الدولارات والكميات المتاحة من الذهب. الخلاصة؛ هي أن استبدال النظام الحالي بنظام الذهب سواء وفقا للسيناريوهين الأول أو الثاني لا بد وأن تصاحبه ضرورة توفير كميات من الذهب تفوق إمكانيات العرض الحالي أو المستقبلي من الذهب، خصوصا في ظل الدلائل المتاحة حاليا، التي تشير إلى أن الذهب بدأ يدخل مرحلة الذروة أو ما يطلق عليه ذروة الذهب Peak gold، ويقصد بالذروة الحالة التي يزداد فيها الطلب على المعدن بمعدلات تفوق النمو في الكميات المستكشفة أو المنتجة منه، ما يعني أن أي محاولة لتدبير هذه الكميات من الذهب ستجعل النظام غير قابل للاستدامة، نظرا لارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات لا يمكن أن يتحملها النظام النقدي العالمي. السيناريو الثالث هو العودة إلى نظام الذهب من خلال التأشير بالذهب مثلما يقترح روبرت زوليك رئيس البنك الدولي، عندما أطلق اقتراحه المثير للجدل داعيا العالم إلى "أن يدرس أيضاً استخدام الذهب كنقطة مرجعية دولية لتوقعات الأسواق حول التضخم والانكماش وقيمة العملات"، مضيفا أنه "مع أن الكتب الدراسية قد تنظر إلى الذهب على أنه عملة قديمة، إلا أن الأسواق لا تزال تستخدمه اليوم كأصل نقدي بديل". وبغض النظر عن مدى صحة الحكم، بأن العالم يستخدم الذهب كأصل نقدي بديل، حيث يشير الاقتصادي براد دي لونج إلى أن الأسواق لا تستخدم الذهب كأصل نقدي بديل، وإنما تستخدمه كأصل للمضاربة والتحوط، وليس كوحدة حساب أو كوسيط للتبادل أو حتى كمخزن آمن للقيمة الاسمية، فإن دعوة زوليك لا تحمل إذن العودة إلى نظام الذهب سواء في صورته المعدنية أو في صورته الورقية النائبة، أو حتى في أي صورة مماثلة لنظام بريتون وودز، إنها دعوة إلى استخدام الذهب كنقطة مرجعية، غير أن زوليك لم يوضح لنا كيف يمكن أن يصبح مقترحه قابلا للتطبيق بشكل عملي على أرض الواقع الذي نعيش فيه، وعلى أي أساس سيتم تحديد هذه النقطة المرجعية، وبأي سعر للذهب، وما الشروط اللازم توافرها لتطبيق المقترح، أو على الأقل النموذج الذي سنستخدمه لكي يكون الذهب نقطة مرجعية دولية لبناء التوقعات حول الأسعار وقيم العملات.. إلخ، كل ما أشار إليه هو أن المقترح سوف يساعد على استعادة الثقة في الأسواق المالية. الدعوة التي أطلقها روبرت زوليك أثارت ردود فعل عالمية واسعة، حيث تلقاها أنصار العودة إلى نظام الذهب بفرحة طاغية، وأخذت التحليلات الواهية تخرج علينا بتوقعات جنونية لأسعار الذهب، لدرجة أن البعض توقع أن يصل سعر أوقية الذهب إلى 52 ألف دولار. بالنسبة لي مقترح زوليك أحدث زوبعة هائلة ولكن في فنجان صغير جدا، وانتهى مقترح زوليك إلى مجرد فرقعة في الهواء، وبالتالي لم أستغرب أن أقرأ للاقتصادي براد دو لونج وهو يصف زوليك بأنه "أغبى شخص يعيش في العالم". الذي لا يريد أن يفهمه أنصار الذهب هو أن الذهب الذي نتحدث عنه اليوم يختلف تماما عن الذهب الذي كان سائدا في الماضي، أن ربط العملات بالذهب خصوصا في ظل الأوضاع الحالية لم يعد أمرا مبررا من الناحية العملية، خصوصا أنه سيربط العملات بسلعة مضاربة، فلم يعد الذهب يتمتع بالاستقرار الذي يتوقعه البعض أو الذي ساد فيما سبق. من ناحية أخرى، فإن العودة إلى نظام الذهب لا تعني أن النظام سيكون مستقرا بشكل تلقائي، فمن دون التزام من قبل الدول بقواعد النظام لن تفلح أي محاولة للعودة إلى نظام الذهب، إذ غني عن البيان أن عدم الالتزام بقواعد اللعبة من قبل الدول المشاركة في نظام بريتون وودز هو الذي أدى إلى انهياره، سواء من جانب الولايات المتحدة التي أفرطت في طبع الدولار وسمحت لميزانيتها أن يبلغ العجز فيها مستويات تفوق قدرتها على التمويل من خلال نظامها الضريبي، فلا شك أن نيكسون قد أساء استخدام السياسة النقدية من خلال إيحائه إلى رئيس الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الوقت "آرثر بيرنز" بطبع المزيد من الدولار، كما أن باقي الأعضاء في النظام أساءوا إليه عندما لم يدعوا أي فرصة تفوت دون أن يقوموا بتحويل ما لديهم من دولارات إلى ذهب، إلى الحد الذي بلغ معه الرصيد الذهبي للولايات المتحدة، مستويات حرجة، جعلت من الصعب على دولة المركز أن تستمر في التزاماتها نحو النظام وهي ترى احتياطياتها الذهبية تصل إلى هذه المستويات. الخلاصة؛ هي أن العودة إلى نظام الذهب على الأسس التي تم تناولها مسبقا لا يمكن أن تتم لأسباب ثلاثة على الأقل، وهي الأول؛ أنه لن يكون هناك كميات كافية من الذهب لكي تستوفي احتياجات العالم لأغراض الإصدار، خصوصا مع تزايد أعداد السكان وتزايد مستويات الإنتاج والتجارة ومن ثم مستويات المعاملات، أكثر من ذلك فإن التوسع في الإنتاج والاستثمار والنمو سيكون مرهونا بالكميات المنتجة من الذهب في العالم، وهو ما سيعني أن إنتاج الذهب سيكون عنق الزجاجة لعمليات الإنتاج والتجارة والاستثمار على المستوى الدولي، والثاني؛ هو أن العودة إلى نظام الذهب ستحول الذهب إلى معدن غير مستقر تماما، ما يعني أن قيمة النقود لن تكون مستقرة هي الأخرى على الإطلاق، بعكس ما هو متوقع من النظام، والثالث؛ هو أن العودة إلى نظام الذهب ستكون مكلفة للغاية، وبالتالي فإن الذهب الذي قد يكون مخزنا جيدا للقيمة، ويساعد على التحوط ضد التضخم، لم يعد يصلح لكي يكون أساس النظام النقدي سواء على المستوى المحلي أو العالمي. نظام الذهب إذن لا يمثل حلا سحريا لعوامل عدم الاستقرار التي يعانيها العالم حاليا، طالما أن عوامل عدم الاستقرار مزروعة في النظام ذاته، وبمعنى آخر لا معنى للعودة إلى النظام دون الالتزام بقواعد الاستقرار الاقتصادي، وطالما استمرت نزعات دول العالم القائمة على صنع سياسات اقتصادية تضخمية فلن نجني شيئا من العودة إلى نظام الذهب. والآن، إذا كانت العودة للنظام مستحيلة، فهل من بديل لنظام الذهب، الإجابة هي نعم، البديل هو استهداف التضخم Inflation targeting، أي تصميم وتنفيذ السياسات النقدية لتحقيق والحفاظ على معدلات ثابتة ومنخفضة للتضخم، وذلك للحيلولة دون تدهور القوة الشرائية للعملات وضمان ثباتها في مواجهة ارتفاع الأسعار.

ظل الذهب عملة التبادل التجاري الشائعة بين الدول والأفراد على مدار عشرات القرون، في ممارسة يعود تاريخها إلى مئات السنوات قبل بدء التقويم الميلادي، لكن هذا النظام استبدل بعد ذلك بما بات يعرف بالمعيار الذهبي أو قاعدة الذهب، وهو نظام نقدي يتم فيه ربط قيمة العملات الورقية بالذهب مباشرة.

ووفقًا لهذا المعيار، فإن البلدان توافق على تحويل أموالها الورقية إلى كمية محددة من المعدن النفيس، إذ يضع البلد الذي يعمل وفق هذه القاعدة، سعرًا ثابتًا لبيع وشراء الذهب، وعلى سبيل المثال، إذا تم تحديد سعر الأوقية عند 500 ريال، فإن قيمة الريال في هذه الحالة ستساوي 1 على 500 من أوقية الذهب.
 على أي حال، لم يعد لمعيار الذهب المتعارف عليه في السابق وجود حاليًا ولا تطبقه أي حكومة بعدما سقط كليًا في عام 1971 عقب "صدمة نيكسون"، وتم استبدال هذا النظام بنظام العملات الرسمية الخاصة بكل حكومة على حدة، والذي يضمن قبول النقود الورقية كوسيلة للدفع.

 - رغم أنه لم يعد يُستخدم كطريقة أساسية للدفع أو تقييم العملات إلا أن المعدن الأصفر يظل له تأثير كبير على قيمة العملات، لا سيما في البلدان المتقدمة، نظرًا لنفوذه على العملات التي تخضع للتداول الحر، بحسب موسوعة المعلومات المالية والاقتصادية "إنفستوبيديا".
- إلى أن تخلت الدول عن معيار الذهب، لم يكن بوسعها طباعة العملات كما تريد ببساطة، وكان من الضروري تساوي المعروض النقدي لها مع قيمة ما تملك من الذهب، وهو ما شكل قيودًا على قدرات الحكومة، ولعل ذلك ما يجعل بعض الاقتصاديين يطالبون بالعودة إلى هذا النظام.
- حاليًا، الذهب هو وسيلة للتحوط، ويسارع المستثمرون لشرائه بكميات كبيرة عندما تشهد بلادهم مستويات عالية من التضخم أو مع اضطراب أسواق الأسهم بفضل قدرته العالية على الاحتفاظ بالقيمة كونه أحد المعادن النادرة.
- ترتبط قيمة عملة الدولة بقوة بصادراتها ووارداتها، لذا فإن أسعار الذهب العالمية تؤثر على البلدان المصدرة والمستوردة، فإذا تجاوزت قيمة واردات البلاد صادراتها سيشكل ذلك ضغطًا هبوطيًا على عملتها، والعكس بالعكس.
- بالتالي، فإن البلد الذي يصدر الذهب سيشهد قوة في قيمة عملته عندما ترتفع أسعار المعدن الأصفر اللامع، لأن ذلك يزيد القيمة الإجمالية لصادراته ويمكن أن يخلق فائضاً تجارياً لديه ويعوض العجز.
- عندما تشتري البنوك المركزية الذهب، يؤثر ذلك على معادلة العرض والطلب للعملة المحلية، وقد يؤدي إلى التضخم، ويرجع ذلك إلى حقيقة أن البنوك تعتمد على طباعة المزيد من المال لشراء الذهب، وهو ما يتسبب في وفرة من المعروض النقدي.
- يخطئ الكثيرون بالاعتقاد في وجود علاقة عكسية بين أسعار الذهب وقيمة العملات الرسمية، فالأمر ليس كذلك دومًا، وعلى سبيل المثال، إذا كان هناك طلب كبير من صناعة ما تستخدم المعدن النفيس كأحد مدخلات الإنتاج سيؤدي ذلك لا شك إلى ارتفاع أسعاره، وفي الوقت ذاته قد يكون أداء العملة المحلية جيدًا وفقًا لأساسيات الاقتصاد.

- ربما تمت إزاحة الذهب عن عرشه كعملة للتبادل التجاري قديمًا، وعن كونه معيارًا نقديًا للدول، لكنه لا يزال يحظى باهتمام السلطات بشكل كبير، ويملأ قسمًا كبيرًا من خزائن البنوك المركزية، فعلى سبيل المثال يحتفظ الاحتياطي الفيدرالي بأكثر من 8 آلاف طن من الذهب.
- يُستخدم الذهب حاليًا كأحد مكونات الاحتياطيات الأجنبية لدى البنوك المركزية، ويكون المعدن النفيس هنا شأنه شأن العملات الأجنبية التي تمتلكها البلاد، ويعد مؤشرًا للصلابة الائتمانية للدولة وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، بحسب موقع "جلوبال إنتر جولد".
- بشكل عام يمكن وصف احتياطيات الذهب بأنها وسادة الأمان خلال الأوقات العصيبة والأزمات المالية والأوضاع الاقتصادية غير المواتية، ولعل ذلك يفسر تهافت البنوك المركزية حول العالم على شراء المعدن النفيس خلال العام الماضي، إذ سجلت مشترياتها أعلى وتيرة منذ خمسين عام، أو ما يزيد على 650 طن متري.
- عن سياساته إزاء الاحتفاظ بالذهب، يقول البنك المركزي السويسري (أحد أكثر البنوك المركزية احتفاظًا بالمعدن الأصفر): امتلاك الذهب كجزء من الاحتياطيات يضمن التنويع الجيد لها، ويساعد في تقليل مخاطر الميزانية العمومية.
- الأكثر من ذلك، أن الدستور الفيدرالي السويسري ينص على أن الاحتياطيات الأجنبية للمصرف الوطني (البنك المركزي للبلاد) يجب أن يتشكل جزء منها من الذهب، حسبما أفاد تقرير لموقع "بوليون ستار".
- البنوك المركزية تعي تمامًا -مثل بقية المستثمرين- أن الذهب مخزن آمن للقيمة، وبالتالي تُبقي جزءاً من احتياطياتها بمنأى عن تقلبات سعر صرف العملات الذي يمكن أن يتآكل مع تقلبات الأسواق أو الاضطرابات السياسية والاقتصادية، علاوة على القبول الواسع الذي يحظى به المعدن من قبل المؤسسات الدولية كضمان للالتزامات.

 - تمتلك الولايات المتحدة أكبر احتياطي ذهب على الصعيد العالمي في خزائن بنكها المركزي، ويشكل ذلك أكثر من ضعفي ما تحتفظ به ألمانيا، ووفقًا لسعر 1300 دولار للأوقية، فإن حيازة الاحتياطي الفيدرالي من المعدن النفيس تساوي 375 مليار دولار.
- كان هذا القدر الهائل من الذهب يشكل نسبة كبيرة من القاعدة النقدية للنظام المصرفي الأمريكي والتي بلغت قيمتها 850 مليار دولار عام 2008، لكن هذه النسبة تضاءلت منذ ذلك الحين مع ارتفاع حجم القاعدة النقدية إلى 4 تريليونات دولار عام 2017، بحسب موقع "ذا بلانس".
- شكلت هذه الاحتياطيات من الذهب ما نسبته 75% من إجمالي احتياطيات الفيدرالي بحلول عام 2017، ما يعكس تفضيل البنك المركزي الأمريكي للمعدن النفيس على حساب سلة من العملات أو الديون الأجنبية كما تحبذ البلدان الأخرى.
- بالمقارنة، يشكل الذهب ما نسبته أقل من 3% من الاحتياطيات الأجنبية في الصين، إذ تميل بكين إلى الاحتفاظ بسندات الخزانة الأمريكية التي تستحوذ عليها بفضل العجز التجاري الذي تعانيه الولايات المتحدة ويقدر بمئات مليارات الدولارات سنويًا.

الاحتياطي لكل دولة يحتفظ في البنوك الرئيسية ومنها الذهب والدولار وكلما زاد الاحتياطي كلما كانت قوة تلك الدولة , الذهب سيبقى الى قيام الساعة وينبغي ان يكون المعيار الحقيقي للثروات والتبادلات التجارية و التعاملات المالية ..