رسم المصحف بقلم: د. سامي عطا الجيتاوي
تاريخ النشر : 2020-07-28
رسم المصحف
نشرت صحيفة إيلاف السعودية مقالا حمل عنوان ( دعوة إلى إعادة كتابة القرآن الكريم من جديد) ، دعا فيه كاتب المقال الأعجمي المدعو ( جرجيس كوليزادة؟!) إلى "إعادة النظر في كتابة القرآن"، بدعوى أن "الرسم العثماني المكتوب به لا يصلح لأمة الإسلام في العالم المعاصر" على حد وصفه.... فكان هذا المقال ..
الرسم في اللغة : الأثر ، ورسم على كذا وكذا أي كتب .
وفي القاموس : الرسم : العلامة وثوب مرسم أي مخطط . (1) .
ويراد من رسم المصحف : - الوضع الذي ارتضاه عثمان - رضي الله عنه - ومن كان معه من الصحابة في كتابة كلمات القرآن ورسم حروفه في المصاحف التي وجه بها إلى الآفاق ، والمصحف الإمام الذي احتفظ به لنفسه .
ولقد عني بالتأليف في هذه الموضوع كثير من العلماء المتقدمين والمتأخرين ـ منهم الشيخ الإمام أبو عمرو الداني في كتابه ( المقنع) ، ومنهم الشيخ العلامة أبو عباس المراكشي ( أحمد بن محمد بن عثمان الأسدي المراكشي المعروف بابن البناء ) ، فقد ألف في توجيه ما خالف قواعد الخط منه كتابا أسماه : ( عنوان الدليل في مرسوم خط التنزيل) بين فيه أن هذه الأحرف إنما اختلف حالها في الخط بحسب اختلاف أحوال معاني كلماتها ، وأن فيها فوائد بلاغية ولغوية ونحوية ، ومنهم العلامة الشيخ محمد بن أحمد الشهير بالمتولي ، إذ نظم في ذلك أرجوزة ، ثم جاء المرحوم العلامة الشيخ محمد علي خلف الحسيني فشرح تلك المنظومة ، وذيل الشرح بكتاب له أسماه ( مرشد الحيران إلى معرفة ما يجب اتباعه في رسم القرآن ) وألف فيه أيضا الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي كتيبا صغيرا أسماه ( إيقاظ الأعلام إلى أتباع رسم المصحف الإمام )وكثير غيرهم . (2(
قواعد رسم المصحف :
من المعروف لدى الباحثين في مرسوم الخط العربي أن الأصل في المكتوب أن تكتب الكلمة موافقة للمنطوق دون زيادة أو نقصان ، ودون تغيير أو تبديل ، فلا يكتب حرف بدل حرف ، ولا تكتب كلمة بصورة في وضع وبصورة أخرى في وضع آخر ، هذا هو المعروف فيما يتعلق بالقاعدة العربية المتبعة في الكتابة .
فهل كانت المصاحف العثمانية موافقة تماما لهذه القاعدة ، الحق أن خط المصحف لم يكن متفقا تماما مع هذه القاعدة ، فقد ورد فيه زيادة ، وحذف ، وإبدال حرف مكان حرف ، وعدم اتباع رسم واحد في الهمزات ، والكلمات المتماثلة التي وصلت بما بعدها في بعض المواضع ، وفصلت في آخر مثل كلمة ( أن ) مع (لا) .ومما جاء فيه أيضا على خلاف الأصل ما يتعلق بالقراءات المتواترة ، ذلك أن بعض الكلمات التي ورد فيها قراءتان كتبت على إحداها فقط في جميع المصاحف ، والأصل كتابة القراءتين معا ، فتكتب هذه في مصحف ، وهذه في مصحف .
وقد حصر العلماء هذه المخالفة في ستة أنواع ، وقد أسماها السيوطي قواعد …. وتسميتها بالقواعد فيه تساهل ، إذ أنها لا ننضبط بضابط ، بل تعرف بسرد مواضعها واحدا واحدا ، ومن هنا أسماها الزركشي )اختلاف رسم الكلمات في المصحف والحكمة فيه( )3( .
وهذه القواعد أو الأنواع جمعها الشيخ محمد العاقب الشنقيطي بقوله :
الرســـم فـي سـت قواعد اســتقل حــذف زيــــادة وهمـز وبــدل
ومـا أتــى بالوصــل أو بالفصــل مـوافقــــا للفــظ أو للأصـــل
وذو قـراءتيــن ممــا قد شــــهر فيـه علــى إحداهـمـا قـد اقتصــر
ونود أن ننوه إلى أن إحصاء جميع ما تشتمل عليه هذه الأنواع أمر يطول ويحتاج إلى الاستفاضة ، قد أغنانا عن ذلك بعض العلماء ، كالسيوطي في كتابه الإتقان ، وغيره ، وسنحاول بمشية الله أن نذكر بعض الأمثلة من غير استقراء وحصر لجميع ما ورد ، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى كتاب الإتقان ، أو كتب القراءات .
1- الحذف : وذلك مثل حذف الألف من ياء النداء في )يأيها الناس( ومن هاء التنبيه مثل (هأنتم هؤلاء( ومن (نا(إذا وليها (المؤمنت( ضمير نحو (أنجينكم( ومن كل جمع لصحيح لمذكر أو مؤنث مثل )سماعون للكذب( و )المؤمنت( ومن كل جمع على وزن مفاعل مثل (مسجد( وتحذف الياء من كل منقوص منون رفعا وجرا مثل )غير باغ ولا عاد( ومثل )يا عباد فاتقون( إلاَ )قل يا عبادي الذين أسرفوا( في الزمر ، (يا عبادي الذين آمنوا( في العنكبوت ، ومن مثل (أطيعون( )واتقون( و )اعبدون( إلاَ في يس ، (واخشون( الا في البقرة ، (وكيدون( الا )فكيدوني جميعا( وتحذف الواو إذا وقعت مع واو أخرى نحو (لا يستون( ، وحذفت الواو من نحو (يمح الله الباطل( بالشورى ، بخلاف )يمحوا الله ما يشاء ويثبت) بالرعد ، ومن (ويدع الإنسان بالشر)بالإسراء ، و )يوم يدع الداعي( في القمر ، و (سندع الزبانية( في اقرأ .
2- الزيادة : وذلك مثل الألف بعد آخر اسم مجموع ، أو ما في حكمه مثل (ملاقوا ربهم) ، و )أولوا الألباب( و )بنوا اسرائيل( وفي )مائة( و )الظنونا( و (لا أذبحنه) .
وتزداد الياء في نحو )نبإي المرسلين( و )ومن آناءي في الليل( ، وتزاد الواو في نحو )أولوا( و )أولئك( وغير ذلك .
3- الهمز : أما في الهمزة الساكنة فالأصل فيها أن تكتب بحرف حركة ما قبلها ، أولا أو وسطا أو آخرا ، نحو )ائذن لي) (أؤتمن ) ) البأساء) (جئناك( الا ما استثنى مثل :
)فادارءتم) (ورءيا( فحذف الحرف فيهما وكتبت الهمزة مفردة .
أما الهمزة المتحركة فإن كانت في أول الكلمة أو اتصل بها حرف زائد ، كتبت بالألف مطلقا ، أي سواء كان فتحا أو ضما أو كسرا ، نحو (أيوب( )إذا( )أولوا( (سأصرف) )فبأي( إلا في مواضع مثل )قل أئنكم لتكفرون) في فصلت ، ) أئنا لمخرجون ) في النحل ، (أئنا لتاركوا آلهتنا) في الشعراء ، فكتبت فيها بالياء ، و)قل أؤنبئكم( و هؤلاء) فكتبت بالواو ، وإذا كانت الهمزة وسطا ، تكتب بحرف من جنس حركتها نحو (سأل( و)سئل( و)تقرؤه( إلا ما استثنى .
وإذا كانت طرفا فإنها تكتب بحرف حركة ماقبلها مثل )سبأ( ، )شاطئ( )لؤلؤ( وقد وردت في مواضع من القرآن مخالفة لهذا الأصل ، مثل )تفتئوا) )تفيئوا( )أتوكؤا( وغيرها ، فإنها رسمت في المصحف بالواو ، وزيدت بعدها ألف ، فإن سكن ما قبل الهمزة حذف الحرف ، مثل )ملء الأرض)(دفء( )الخبء( وغير ذلك .
4- كتبت في الرسم الألف واوا في مثل : الصلاة ، والزكاة ، والحياة ، والربا ، غير مضافات ، ومشكاة ، والنجاة ، ومناة ، الا قوله تعالى (وما كان صلاتهم عند البيت) - )الأنفال /35( وقوله تعالى ( ان صلاتي ونسكي( - الانعام /162 وغيرها ، وكتبت ياء في )يتوفيكم) ، وكتبت هاء التأنيث تاء في مواضع من القرآن ، وذلك مثل (رحمت ( في البقرة ، والاعراف ، وهود ، ومريم ، والزخرف ، )ونعمت( في البقرة ، وآل عمران ، والمائدة ، وإبراهيم ، والنحل ، ولقمان ، وفاطر ، والطور ، وغير ذلك مما كتبت فيه هاء التأنيث في مواضع على خلاف الأصل بالتاء ، وفي مواضع أخرى على الأصل بالهاء .
5- الفصل والوصل :-
وردت بعض كلمات في القرآن مرسومة في المصحف تارة موصولة وتارة مفصولة ، مثل وصل (ألا) بالفتح ، وفصلها في مواضع )أن لا) ووصل (عما) إلا (عن ما نهوا عنه( ، ووصل )عمن( إلا قوله )ويصرفه عن من شاء( في النور ، و)عن من تولى( في النجم .
ووصل )كلما( إلا )كل ما ردوا إلى الفتنة أركسو فيها(( النساء : 91) إلى غير ذلك مما جاء في الرسم تارة موصولا ، وتارة مفصولا ، مثل (إنما( و )إن لم) بالفتح والكسر ، و(أن لن( ، و (أين ما( و(لكي لا) و(في ما) ………..وغير ذلك .
6- ما فيه قراءتان : وكتبت على إحداها كالصراط ، كتبت بالصاد مع أن قراءة المكي من رواية قُنبلْ بالصاد الخالصة ، وقراءة خلف بإتمام الصاد زاياً ، ومثله بصطه ، وبمصيطر ، فيكتب الجميع بالصاد لا غير ، وكالألف المرسوم في (لأهب لك غلاما زكيا) مع أنه قرئ بياء المضارعة ، وبحسبنا ما ذكرنا في التمثيل لهذه القواعد ، ولو أردنا استقراء كل نوع منا لطال بنا المقال ، ولكن نقتصر على ما قدمنا ليكون أدلة على أن في رسم المصحف ألفاظا كثيرة خالف فيها الخط اللفظ ، وقد استوعبها علماء الرسم والقراءات مع الضبط التام .)4)
(هل رسم المصحف توقيفي أم اصطلاحي )
اختلف العلماء حول رسم المصحف أتوقيفي أم اصطلاحي على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
إنه توقيفي : أي أنه يجب اتباع الرسم العثماني في كتابة المصاحف ـ وقد ذهب إلى هذا القول جماهير العلماء منهم : مالك بن أنس ، يحيى النيسابوري ، أحمد بن حنبل ، أبو عمرو الداني ، علي بن محمد السخاوي ، إبراهيم بن عمر الجعبري ، أحمد بن الحسن البيهقي وغيرهم .
وإليك بعض النصوص الواردة عن هؤلاء العلماء ، وجميعها تفيد وجوب كتابة المصاحف على الرسم العثماني .
1- قال الإمام أحمد بن حنبل :- ( تحرم مخالفة خط مصحف عثمان في واو أو ألف أو ياء أو غير ذلك ) .
2- قال الإمام يحيى النيسابوري :- ( قال جماعة من الأئمة إن الواجب على القراء والعلماء وأهل الكتابة أن يتبعوا هذه الرسم في خط المصحف ـ فإنه رسم – زيد بن ثابت وكان أمين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكاتب وحيه ) .
3- قال الإمام البيهقي :- ( ومن كتب مصحفا ينبغي أن يحافظ على الهجاء الذين كتبوا به تلك المصاحف ، ولا يخالفهم فيه ، ولا يغير فما كتبوه شيئا ، فإنهم كانوا أكثر علما وأصدق قلبا ولسانا ، وأعظم أمانة منا ، فلا ينبغي أن نظن بأنفسنا استدراكا عليهم ) .
4- قال الإمام السخاوي :- (سئل الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة : أرأيت من استكتب مصحفا ، أرأيت أن يكتب على ما استحدثه الناس في الهجاء اليوم فقال :- لا أرى ذلك ، ولكن يكتب على الكتبة الاولى ، ثم قال السخاوي :- والذي ذهب إليه مالك هو الحق ) .
5- وقال الإمام الداني :( لا مخالف لمالك من علماء هذه الأئمة ونقل عن الإمام الجعبري: إجماع الأئمة الأربعة على وجوب اتباع المصحف العثماني)5).
وفي هذا المعنى يقول الإمام الخَراز :-
ومــالك حضَّ علــــى الاتبـــاع لفعلهـــم وتــــرك الابتــــداع
إذ منــع السـائـل مـن أن يُحدِثـــا فــي الأمهــات نقط ما قـد أحدثـــا
وان مــــــا رآه للصبيـــــان فــي الصـحف والألــواح للبيـــان
وقال الشيخ محمد العاقب الشنقيطي :-
رســم الكتــاب سنـــة متبعـــة كمــا نحــا أهـل المناحي الأربعــة
لأنــه إمـا بأمــــر المصطفـــى أو باجتمــاع الراشديــن الخلفـــاء
وكل مــن بــدل منــه حرفــــا بـــاء بكفر أو عليــه أشفــــا(6)
وقال القاضي عياض في آخر كتاب الشفاء (( أجمع المسلمون أن من نقص حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه ، أو زاد فيه حرفا مما لم يشمل عليه المصحف الذي وقع عليه الإجماع وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا لكل هذا أنه كافر .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن القاضي المغربي : ( ولا يجوز مخالفة المصحف العثماني ، ولا يلتفت إلى من خالف بقوله : ان العامة لا تعرف مرسوم المصحف ، ويدخل عليهم الخلل في قراءتهم في المصحف ، إذا كتب على المرسوم العثماني إلى آخر ما عللوا به ، فهذا ليس بشئ ، لأن من لا يعرف المرسوم من الأمة ، يجب عليه أن لا يقرأ في المصحف حتى يعلم القراءة على وجهها ، ويتعلم مرسوم المصحف ، فمن فعل غير ذلك فقد خالف ما أجمعت عليه الأمة ، وحكمه معلوم في الشرع الشريف ، ومن علل بشئ فهو مردود عليه لمخالفته للاجماع المتقدم))7( واستدلوا على ذلك بما يلي :-
أ‌- كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - كتاب يكتبون الوحي ، يملي عليهم ما ينزل من الله سبحانه ولقد كتبوا القرآن بهذا الرسم بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -وأقرهم على كتابته .
بل يروى أن – صلى الله عليه وسلم – وضع لهم المنهاج في رسم القرآن وكتابته ، ومن ذلك قوله لمعاوية - رضى الله عنه – وهو من كتبة الوحي : ( أَلِقِ الدواة وحَرِّف القلم ، وانصُب الباء ، وفرِّقَ السين ، ولا تُعَوِّر الميم ، وحَسِّن الله ، ومُدَّ الرحمن ، وجَوِّد الرحيم ، وضع قلمك على أذنك اليُسرى فإنه أذكر لك ) (8).
ب‌- قال زيد بن ثابت (( كنت أكتب الوحي عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يملي علي ، فإذا فرغت قال :اقرأه ، فأقرأه ، فإن كان فيه سَقْطٌ ( أي خلل ) أقامه )) (9) .
ج‌- اجماع الصحابة على هذا الرسم فقد كتب زيد بن ثابت هذا المصحف في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - بهذا الرسم ، ثم نسخت المصاحف العثمانية من صحف أبي بكر ، وأقر الصحابة عمل أبي بكر وعثمان ، وانتهى الأمر بعد ذلك إلى التابعين وتابعي التابعين ، فلم يخالف أحد منهم في هذا الرسم ، ولم ينقل أن أحدا منهم فكَّر أن يستبدل به رسما آخر …. قال الشيخ عبد العزيز الدباغ (( ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن العزيز ولا شعرة واحدة ، وإنما هو توقيف من النبي - صلى الله عليه وسلم – ، وهو الذي أمرهم ان يكتبوه على الهيئة المعروفة ، بزيادة الأحرف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول ، وما كانت العرب في جاهليتها ولا أهل الإيمان من سائر الأمم في أديانهم يعرفون ذلك ، ولا يهتدون بعقولهم إلى شيء منه ، وهو سر من أسراره خص الله به كتابه العزيز ، دون سائر الكتب السماوية ، فلا يوجد شبه ذلك الرسم لا في التوراة ، ولا في الإنجيل ، ولا في غيرهما من الكتب السماوية ويقول :-
وكما أن نظم القرآن معجز ، فَرسمُه معجز أيضا ، وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في (مائة) دون ( فئة) ، وإلى سر زيادة الياء في (بأييد) ، من قوله تعالى ( والسماء بنيناها بأييد) ، أم كيف تتوصل إلى سر زيادة الألف في ( سعوا ) من قوله تعالى في الحج ( والذين سعوا في آياتنا معاجزين أؤلئك أصحاب الجحيم ) ، وعلى سر عدم زيادتنا في سبأ من قوله تعالى ( والذين سعو في آياتنا معاجزين …..) إلى أن قال :- وكل ذلك لأسرار الهيئة وأغراض نبوية (10) .
د‌- إجماع القراء على إثبات الياء في( واخشوني ) في البقرة ( الآية 150) وحذفها في الموضعين في المائدة ( الآية 443 ) فلو كان الرسم بالاجتهاد لما خولف فيه بين هذه النظائر والمتشابهات.
القول الثاني :
إن رسم المصحف اصطلاحي لا توقيفي ، وممن ذهب إلى هذا الرأي أبو بكر الباقلاني في كتابة (الانتصار ) ، وابن خلدون في مقدمته ، فقد ذهبا إلى أن رسم المصحف كان باصطلاح من الصحابة ، وذلك لأنهم كانوا حديثي عهد بالكتابة ، قال الباقلاني : (( وأما الكتابة فلم يفرض على الأمة فيها شيئا إذ لم يأخذ على كتاب القرآن ، وخطاط المصاحف رسما بعينه دون غيره ، أوجبه عليهم وترك ما عداه ، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف ، وليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه ، أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص ، وحدٍّ محدود لا يجوز تجاوزه ، ولا في نص السنة ما يوجب ذلك ، ويدل عليه ، إلى أن يقول : ولذلك اختلفت خطوط المصاحف )) (11) .
وقال ابن خلدون :- (( فكان الخط العربي لأول الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الأحكام ، والإتقان والإجادة ، ولا إلى التوسط ، لمكان العرب من البداوة والتوحش ، وبعدهم عن الصنائع ، وانظر ما وقع من أجل ذلك في رسمهم المصحف ، حيث رسمه الصحابة بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة ، فخالف الكثير من رسمهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها … ثم اقتضى التابعون من السلف رسمهم بها تبركا بما رسم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )) (12) .
وقد ناقش العلماء هذا الرأي وردوا على القائلين به بما يلي :-
1- بالأدلة التي ساقها جمهور العلماء لتأييد القول بالتوقيف كإقرار الرسول - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن ثابت ، وإجماع الصحابة ، وغير ذلك .
2- ردوا دعوى الباقلاني من أن السنة خالية من نص يوجب ذلك الرسم ….. بإقرار - الرسول صلى الله عليه وسلم - كتاب الوحي ، ومنهم زيد بن ثابت على هذا الرسم الذي كتبت به صحف أبى بكر ، ومصحف عثمان .
3- أما قول الباقلاني ( ولذلك اختلفت خطوط المصاحف) فغير مسلم ، وذلك لإجماع الصحابة على الرسم العثماني دون وجود مخالف لهم ، ولا يعلم أن أحد من الصحابة قد أنكر ما فعله عثمان ، وإذا كان بعضهم قد تردد بادئ بدء ، فمن المعروف والثابت أن جميع الصحابة تمسكوا بما فعله عثمان ، ثم نقول :- ان سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم ، أجمعوا على أنه لا يجوز زيادة حرف في القرآن ، ولا نقصانه منه ، وما بين الدَّفتين كلام الله عز وجل ، فإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أثبت ألف ( الرحمن ) ولم يزد الألف في ( ولا أوضعوا ) وخالفت الصحابة ، لزم أنهم تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقص ، ولزم تطرق الشك في جميعه ، وحينئذ تنخل عروة الإسلام من أصله .
4- قال الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي ردا على سؤال من الشيخ محمد طاهر الكردي مؤلف كتاب ( تاريخ القرآن ) ما نصه : (إن رسم المصحف العثماني توقيفي بإجماع ، لأنه كتب هكذا في حياة النبي- صلى الله عليه وسلم - وبإملائه ، فتارة أملى عليهم كتابة ( تجري من تحتها الأنهار)( بزيادة من ) ، وتارة أمرهم بكتبها بدون ( من ) وكل هذا تواتر عنه ، وهذا من أسرار رسم المصحف العثماني وإنما نسب لعثمان لأنه رتب في زمن خلافته ، وبأمره ، لا أن الصحابة اصطلحوا على كتابته في زمنه فقط كما ظننته .
ولو تأملت رسالتي المسماة ( إيقاظ الأعلام ) حق التأمل ، لفهمت هذا كله منها ، وعلمت أن الإعجاز ليس مختصا بالقرآن ، بل كذلك رسم المصحف معجز ، وقد وقع ابن خلدون في مقدمته مثل ما وقعت فيه ، فظن أن كتابة القرآن في المصاحف العثمانية باجتهاد من الصحابة ، حتى تخبط تخبط الجاهلين ، ووقع في الصحابة ووصفهم بجهل الكتابة ، حيث خالفت كتابتهم أصول الرسم في كلمات عديدة ، وهو فهم مخالف لإجماع الأمة ، والعجب من قولك أنك لم تفهم ان الرسم معجز ، وأن فيه سراً لم تهتد إليه العقول ، فإذا لم تهتد العقول لسره فكيف تفهمه أنت ؟ وإن لم تفهمه تتعجب ، فالعجب إنما هو منك أيها الأستاذ الأديب )) (13) .
5- أما قول ابن خلدون – السابق الذكر – (( وانظر ما وقع من أجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة لخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة )) فقد رده الألوسي كذلك بقوله : (( والظاهر أن الصحابة كانوا متقنين رسم الخط ، عارفين ما يقتضي أن يكتب ، وما يقتضى أن لا يكتب ، وما يقتضى أن يوصل ، وما يقتضى أن لا يوصل إلى غير ذلك … لكن خالفوا القواعد في بعض المواضع لحكمة )) كما لا يخفى على أحد أن الصحابة كانوا يراسلون الملوك والأمراء في مهمات الأمور ، وكانوا يكتبون فيما بينهم العقود والمستندات من بيع وشراء وعطاء وضمان ، فلو كتبوا هذه الأمور على غير قواعد الإملاء والكتابة كما ظن العلامة ابن خلدون ، لأدى ذلك إلى الالتباس والخطأ في فهم مرادهم ، مع أن الحروف والكلمات ما وضعت إلا لتدل على الكلام الملفوظ ، فإن اختلفت كتابته اختلف اللفظ ، فاختلف المعنى ، فاختلط الأمر عليهم .
وأي دليل أعظم على نباهة العرب قبل اختراع الحركات ( التشكيل) الذي قام به الخليل بن أحمد ، من تَفرقتهم في الكتابة بين (عمر ) و(عمرو) ، بزيادة الواو في الاسم الأخير ، لئلا يحصل لبس واشتباه ، فلو تأملت لم اختاروا الواو علامة للتفرقة بين الاسمين دون غيرها من الأحرف الهجائية ، لظهر لك فرط ذكائهم وقوة تفكيرهم في ذلك ، فإنه لن يصلح لهذا غير حرف الواو فقط .
ولو قال ابن خلدون ان الكتابة لم تكن منتشرة فيهم لكان أولى من نسبتهم إلى جهل أصولها وقواعدها ، مع أنها ما وصلت إلينا إلا منهم (14) .
القول الثالث :
وهو أنه يجوز كتابة المصحف الآن لعامة الناس على الاصطلاحات الإملائية المعروفة الشائعة عندهم ، ولا يجوز كتابته لهم بالرسم العثماني الأول ، حتى لا يقع الناس في لبس ، وخاصة من الجُّهال ، وفي الوقت نفسه يجب المحافظة على الرسم العثماني كأنه أثر من الآثار النفيسة الموروثة عن سلفنا الصالح ، فلا يُهمل مراعاة لجهل الجاهلين ، بل يبقى في أيدي العارفين الذين لا تخلو منهم الأرض ، وهذا القول روعي فيه أمران :
كتابة القرآن بالرسم المعروف المجمع عليه قديما ، وكتابته في كل عصر بالرسم المعروف فيه .
وقد ذهب إلى هذه القول كل من العز بن عبد السلام ، وبدر الدين الزركشي ، وغيرهما.
وقد استدل أصحاب هذا القول بأن كتابة المصحف حسب قواعد الرسم العثماني توقع الناس لا محالة في العسر والمشقة وتقضي بهم إلى اللحن المنكر والخطأ الفاحش ، والتغيير في كتاب الله والنقص فيه ، وفي هذا المعنى يقول عز الدين بن عبد السلام :
(( لا تجوز كتابة المصحف الآن على الرسم الأول باصطلاح الأئمة لئلا يوقع في تغيير من الجُّهال ثم قال :- ولكن لا ينبغي إجراء هذا على الإطلاق ، لئلا يؤدي إلى درس العلم ، ولن تخلو الأمة من قائم لله بحجة )) (15) وقال الإمام الزركشي بعد أن ذكر رأي القائلين بالتوقيف :وكان هذا في الصدر الأول ، والعلم حيٌّ غض ، وأما الآن فقد يخشى الالتباس.
وقد مال إلى هذا الرأي الشيخ عبد العظيم الزرقاني فقال ( وهذا الرأي يقوم على رعاية الاحتياط للقرآن من ناحيتين ، ناحية كتابته في كل عصر بالرسم المعروف ، وفيه إبعاد للناس عن اللبس والخلط في القرآن ، وناحية إبقاء رسم الأول المأثور ، يقرؤه العارفون ومن لا يخشى عليهم الالتباس ، ولا شك أن الاحتياط مطلب ديني جليل خصوصا في جانب حماية التنزيل (17) .
القول الراجح :-
ولعل أمثل الآراء في هذه المسألة ، هو رأي القائلين بالتقيد بالرسم العثماني ، إذ أن هذا الرسم قد كتب بمحضر من الصحابة وأقره جميعهم ، وكانوا أكثر من اثني عشر ألفا ، أما قول من قال أن الصحابة – رضي الله عنهم – هم الذين اصطلحوا على الرسم المذكور فلا يخفى ما في كلامه ، لأن القرآن كتب في زمن الرسول – صلى الله عليه وسلم – وبين يديه ، وعلى هيئة من الهيئات ، وحينئذ فلا يخلو ما اصطلح عليه الصحابة إما أن يكون عين الهيئة التي كتبت بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أو غيرها .
فإن كان عينها :- كانت نسبة اتباعهم للاصطلاح بمنزلة من قال : إن الصحابة اصطلحوا على أن الصلوات خمس ، وعدد ركعات العصر أربع ـ وهذا بعيد كل البعد عن الاصطلاح ، بل هو عين الاتباع ، وإن كان ما اصطلحوا عليه غير الهيئة التي كتبت بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فلا يصح ذلك لوجهين :
أولهما :- نسبة الصحابة وأعلام الهدى إلى مخالفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم –وذلك محال لأننا أمرنا باتباعهم ، فلو كانوا مخالفين لما أقره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنا مأمورين باتباعهم ، وفي الوقت نفسه نحن مأمورون باتباع سنته – صلى الله عليه وسلم – فيلزم الجمع بين النقيضين .
ثانيهما :- إن سائر الأمة من الصحابة وغيرهم ، أجمعوا على أنه لا يجوز أن يزداد في القرآن حرف ولا أن ينقص منه حرف ، فإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بالكتابة على هيئة ، والصحابة خالفوه في ذلك ، لزم أنهم تصرفوا في القرآن بالزيادة والنقصان ، ويكونوا بذلك قد وقعوا فيما أجمعوا عليه وغيرهم على أنه لا يحل لأحد فعله ويلزم أيضا تطرق الشك إلى جميع ما بين الدفتين .لأننا إذا جوزنا أن تكون فيه حروف زائدة ، على ما في علم النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى ما عنده ، وأنها ليست بوحي ، ولا من عند الله ، ولم نعلمها بعينها ، شككنا في الجميع ، ولئن جوزنا لصحابي أن يزيد في كتابه سبحانه حرفا ليس موحى به ، لزمنا أن يجوز لصحابي آخر نقصان حرف من الوحي ، إذ لا فرق بينهما ، وحينئذ تنحل عروة الإسلام بالكلية ، والعياذ بالله من ذلك .
ودعوى الاصطلاح تكون صحيحة لو كانت كتابة القرآن الكريم ، إنما حدثت في عصرهم بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس الأمر كذلك ، فثبت أن الرسم توقيفي لا اصطلاحي .
وأن النبي - صلى الله عليه وسلم – هو الآمر بكتابته على الهيئة المعروفة (18) ، فالرسم القرآني الذي عليه المصاحف العثمانية التي بين أيدينا الآن ، لا يجوز بأي صورة من الصور الإخلال به ، والعدول عنه إلى رسم آخر ، ويكفينا انه رسم أجمعت عليه الصحابة ، والإخلال به يخالف هذا الإجماع ، وقد يجرنا إلى خلاف وفتنة ، وسد باب الفتنة واجب كما هو معلوم .
اللهم الا ما رخص به الامام مالك من جواز كتابة الألواح والصحف بغير الرسم العثماني للصغار الذين يتعلمون القرآن حتى لا يصعب عليهم التعلم .
فالتقيد بالرسم العثماني في غير ما يكتب لصغار طلبة العلم فيه متابعة للسلف ، ومبالغة في تقديس القرآن .وشبهة اللبس مندفعة بلزوم أخذ القرآن عن موقف .. وأما ترك الرسم تركا كليا ، مع ما فيه من تجهيل المسلمين بما أثر في رسم القرآن ، عن السلف الأولين ، فإن فيه أيضا إضاعة لفوائد مرتبطة بهذا الرسم . ومن هنا حق للسلف التمسك به و الإبقاء عليه ، والاحتجاج له ، لما اشتمل عليه من الخصائص والأسرار النافعة ، وإن العدول عنه لَفتنة ، والرضا بغيره سبيل النقمة ، والالتزام به اعتزار بإرث كريم ، نصافح فيه أيدي راسمية ، ونتنسم في عبق أنفاس كاتبيه .
فوائد التزام الرسم العثماني :
لهذا الرسم مزايا وفوائد أهمها ما يلي :
أ- حمل الناس على أخذ القرآن من قارئ للقرآن يعرف رسمه ولا قارئ للقرآن إلا له شيخ أخذ عنه ، زيادة في التثبيت من ألفاظ القرآن ، وكيفية النطق بها ، فيكون لكل قارئ سند متصل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ، وتلك ميزة اختص بها القرآن الكريم دون غيره من الكتب السماوية ، فمن علم القواعد العربية لا يؤهله ذلك للعلم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها ، وذلك لا يكون بالقياس ، بل لا بد من السماع والتوقيف .
انظر إلى كتابة (كهيعص ) و( حمعسق ) و( طسم ) وغيرها ، فالعالم بالعربية وحدها لا يستطيع النطق بها على وجهها الصحيح من غير موقف ، ناهيك عن معرفة ما في القرآن من مد ، وهمز ، وتحقيق ، وإمالة ، وإظهار ، وإدغام ، وإخفاء ، وغير ذلك ، وبذلك ظهر أن للرسم المخصوص فائدة عظيمة .
ب- الدلالة على بعض اللغات الفصحية ككتابة (هاء التأنيث) (تاء ) في لغة طي ، وكحذف ياء آخر المضارع المتصل بغير جازم في لغة هذيل ، كقوله تعالى : ( يوم يـأت لا تكلم نفس إلا بإذنه ….) (هود /105) .
ج- الدلالة على أصل الحركة ، بكتابة الكسرة ياء في قوله تعالى : ( وايتائ ذي القربي ) (النحل /90) وكتابة الضمة واوا في قوله تعالى (سأوريكم دار الفاسقين)(الأعراف/145) ومثل ذلك : الدلالة على أصل الحرف مثل ( الصلواة والزكواة ) ليفهم أن الألف منقلبة عن واو .
د- إفادة المعاني المختلفة بالقطع والوصل في بعض الكلمات ، نحو ( أم من يكون عليه وكيلا) - (النساء/109) فإن قطع أم عن من يفيد معنى ( بل ) دون وصلها بها .
هـ – أخذ القراءات المختلفة من اللفظ المرسوم برسم واحد ، نحو (وما يخدعون إلا أنفسهم ) (البقرة/9) . فلو كتبت (وما يخادعون) لفاتت قراءة وما يخدعون .
و- عدم الاهتداء إلى تلاوته على حقه إلا بالتلقي ، شأن كل علم نفيس يتحفظ عليه .
ي‌- الدلالة على معنى خفي دقيق.. - فزيادة ألف بعد الجيم في (جيئ) (وجائ يومئذ بجهنم) – ( الفجر/23 ) اعتمادا على المصحف المدني العام وهو غير المصحف الذي أمسكه سيدنا عثمان - رضي الله عنه – لنفسه فهذه الزيادة تشير الى التفخيم والتهويل ، فكما أنه مجيء على غير ما يعهد البشر جاء الرسم على غير ما يعهدون .
- وكذا زيدت الألف في (ولا أوضعوا) في قوله تعالى :(لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم ) – (التوبة/47) وأصلها (ولأوضعوا ) والايضاع هنا : الاسراع بالفساد .
فالاطناب بزيادة الألف يشير إلى الإكثار من ذلك وتجاوز الحد لو خرجوا فجاء الرسم متجاوزا حد تصوير النطق بتضمينه هذا المعنى الإشاري .
- وكذا زيدت الألف في ( لأذبحنه ) هكذا ( لأعذبنه عذابا شديدا أو لا اذبحنه) – (النمل/21)..ولا تزداد في ( لأعذبنه ) قبله ، إشارة إلى أن الثاني يفترق عما قبله بزيادة الشدة ، فإن الذبح أشد من التعذيب .
- وزيادة الواو في ( سأوريكم دار الفاسقين ) – ( الأعراف/145 ) تؤكد الوعيد والتهديد ، فإشارة إلى المبالغة في تحقيق معنى التهديد في الآية ، بولغ في تصوير النطق بإطناب الرسم بزيادة الواو ويصح أن يكون الخطاب للمؤمنين ، وأن تكون الرؤية أمرا بليغا بأن تكون رؤية واستيلاء ، فأشير إلى ذلك بذلك ، ويفسره قراءة (سأوريكم دار الفاسقين) .
- وزيادة الياء في ( والسماء بنيناها بأييد) ( الذاريات/47 ) وأصلها ( بأيد ) وهي بمعنى القوة ، زيادة تشير إلى تعظيم قوة الله تعالى ،التي بنى بها السماء ، وأنها لا تشبهها قوة على حد قولهم : زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى .
- وزيدت الياء في قوله تعالى ( وإيتائي ذي القربى ) -( النحل/90) إشارة لما أن القريب المحتاج – وهو يحتاج إلى البر والصلة بهديه أو بتبرع أو زكاة – له حقان للقرابة والحاجة ، بخلاف ( وإيتاء الزكاة ) فالإيتاء هنا قيام بحق واحد هو الزكاة .
-وتوضع الألف أمام واو الجماعة اصطلاحا عربيا ، وحذفت الرسم في ( وجاؤو بسحر عظيم ) ( الأعراف/116 ) .( وجاءوا أباهم عشاء يبكون ) ( يوسف/16) ( وجاؤوا على قميصه بدم كذب)( يوسف/18 ) ( فقد جاؤو ظلما وزورا ) ( الفرقان/4) ، إشارة إلى أن المجيء في هذه الأحوال ليس على وجه الصحيح ، الذي يمكن أن يتفق الناس عليه ، اتفاقا زمنيا مقبولا عند الله تعالى ، فخولف اصطلاحهم في رسم الألف ، فتطابق مع ما ينبغي من مخالفة الجائين فيما اصطلحوا واتفقوا عليه من هذه المجيئات إن كانوا حقا من المتفقين .
- وحذفت الألف – همزة الوصل – في (اتخذت) ووصلت به اللام في قوله تعالى : (لو شئت لتخذت عليه أجرا ) - (الكهف/77) بخلاف (لاتخذوك) في قوله تعالى (وان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري عليه غيره وإذن لاتخذوك خليلا) – (الإسراء/73).
فالحذف والوصل يشير إلى أن العمل في الجدار قد حصل في الوجود ، ولزم عليه الأجر ، واتصل به حكما ، وتعلم أن اللام موصولة حكما ، منفصلة معنى ، لأنها كلمة مستقلة .
بخلاف ما لا حذف به ولا وصل ، ، فإنه ليس من الوصلة اللازمة ، وان شئت قلت : إن التخفف بالحذف والوصل إشارة إلى أن حكم الأجر متخفف فيه غير متأكد ، لان متوقف على مشيئته من بنى الجدار ، بل لأن الأمر انقضى ولا أجر ، وهو فقط يشير إلى ما كان في الإمكان ، وهو العمل بشرط الأجر ، أما والمسألة انتهت ، فالأمر هين والأجر غير ثابت ، أما مالا حذف فيه فهيئتة المرسومة تزيد ألفا ، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ، مما يؤكد الوضع من أنهم بكل تأكيد يتخذونه خليلا لو أطاعهم .
- وحذفت الواو في أفعال سنذكرها ، للتنبيه على سرعة وقوع الفعل ، وسهولته على الفاعل وشدة قبول المنفعل المتأثر به في الوجود .
- فجاء ( يدعو ) بدون واو ، في قوله تعالى : ( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ) -)الإسراء/11 ) إشارة إلى أن الإنسان يسارع إلى الدعاء بالشر ، كما يسارع بالدعاء إلى الخير ، بل إثبات الشر إليه من جهة ذاته أقرب إليه من الخير ، ولا سيما عند الغضب وثورة النفس .
- وجاء ( سندعو ) بدونها في قوله تعالى ( سندع الزبانية ) – ( العلق/18 ) إشارة إلى سرعة الفعل وإجابة الزبانية ، مما يدل على قوة البطش ، وذلك وعيد عظيم ، فضلا عن التطابق في اللفظ وصورته المرسومة بين المتحاورين فإن قبله (فليدع ناديه) (العلق/17 ) وأسميه (مشاكله) من بديع الخط .
- وقوله تعالى ( يوم يدع الداع ) - ( القمر/6 ) بحذفها أيضا ، إشارة إلى سرعة الدعاء ، وسرعة الإجابة عند صدوره ، وكأنه والفعل في الرسم غير موصول بالواو – دعاء غير موصول فأدنىا دعاء يصدر – وقبل أن يتم – تكون الإجابة .
والفعل ( يمحو ) بدون واو في رسم قوله تعالى ( ويمح الله الباطل )
( الشورى/24 ) دون قوله تعالى ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) -( الرعد/39 ) .
فالحذف دلالة على سرعة المحو ، وقبول الباطل له بسرعة ذهابا واضمحلالاً والآية الثانية المذكورة بدون حذف ، لأن الإثبات هو الأصل ، وما جاء على الأصل لا يسأل عنه ، وإلا كان الجواب أنه الأصل ، وما خالف هو الذي يسأل عن حكمته ، فإن عرفناها فبها ونعمت . وإن عجزنا فالقرآن معجز ، لا تنقضي عجائب رسمه ونظمه وعلمه، كما يشاء الله تعالى، ويستأثر الله تعالى بما يشاء (2) .
نماذج لاختلاف المصاحف العثمانية في الرسم
تكلفت مصنفات الرسم العثماني باسقتصاء جميع الكلمات التي كتبت برسم في بعض المصاحف ، وبرسم آخر في البعض الآخر ، وهذه المواضع التي اختلفت فيها المصاحف بالزيادة والنقصان نزلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بكتابتها على الوجهين في صحيفتين مختلفتين …(21)
أولا :- اختلف مصحف عثمان - رضي الله عنه – الذي اتخذه لنفسه عن مصحف أهل المدينة في اثني عشر حرفا وهي :
1- قوله تعالى (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) – ( البقرة /32 ) فكتبت في مصحف عثمان ( ووصى ) بغير ألف ، وفي مصحف أهل المدينة ( وأوصى) بالألف (22) .
2- قوله تعالى ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) – ( آل عمران/123) في مصحف عثمان (وسارعوا ) بإثبات الواو .وفي مصحف أهل المدينة ( سارعوا ) بحذف الواو(23).
3- قوله تعالى ( ويقول الذين آمنوا ) – ( المائدة/53 ) في مصحف عثمان ( ويقول ) بالواو . وفي مصحف أهل المدينة ( يقول ) بدون الواو (24).
4- قوله تعالى ( من يرتد منكم عن دينه ) – ( المائدة/55 ) في مصحف عثمان ( يرتد ) بدال واحدة . وفي مصحف أهل المدينة ( يرتدد ) بدالين (25).
5- قوله تعالى : ( والذين اتخذوا مسجدا ) – ( براءة/105 ) في مصحف عثمان ( والذين ) بإثبات الواو وفي مصحف أهل المدينة ( الذين ) بحذف الواو (26) .
6- قوله تعالى : ( لأجدن خيرا منها منقلبا ) – ( الكهف/36 ) في مصحف عثمان ( منها) بالإفراد . وفي مصحف أهل المدينة ( منهما ) بالتثنية (27).
7- قوله تعالى : ( وتوكل على العزيز الرحيم ) – ( القراء/217 ) في مصحف عثمان ( وتوكل ) بالواو وفي مصحف أهل المدينة ( فتوكل ) بالفاء (28) .
8- قوله تعالى : ( أو أن يظهر في الأرض الفساد ) -(غافر/26 ) في مصحف عثمان (أو أن) بإثبات الهمزة قبل الواو وفي مصحف أهل المدينة ( وأن ) بحذف الهمزة (29)
9- قوله تعالى : ( فيما كسبت أيديهم ) - ( الشورى/30 ) في مصحف عثمان ( فبما ) بالفاء وفي مصحف أهل المدينة ( بما ) بحذف الفاء (30) .
10- قوله تعالى : ( وفيها ما تشتهيه الأنفس ) – ( الزخرف/51 ) في مصحف عثمان ( تشتهي ) بغير هاء ، وفي مصحف أهل المدينة ( تشتهيه ) بالهاء (31) .
11- قوله تعالى : ( فان الله هو الغني الحميد ) – ( الحديد/24 ) في مصحف عثمان ( هو الغني ) بإثبات هو ، وفي مصحف أهل المدينة ( الغني ) بحذف لفظ هو (32) .
12- قوله تعالى : ( ولا يخاف عقباها ) في مصحف عثمان ( ولا يخاف ) بالواو وفي مصحف أهل المدينة ( فلا يخاف ) بالفاء (33) .
ثانيا : نماذج لاختلاف مصحف أهل الشام والحجاز عن مصحف أهل العراق قوله تعالى :- ( قالوا اتخذا لله ولدا ) – ( البقرة/116 ) في مصحف أهل الشام والحجاز ( قالوا ) بدون واو ، وفي مصحف أهل العراق ( وقالوا ) بالواو (34) .
1- قوله تعالى : ( جاءوا بالبينات والزبر ) – ( آل عمران/184 ) في مصحف أهل الشام والحجاز ( وبالزبر ) بالباء ، وفي مصحف أهل العراق ( والزبر ) بدون الباء (35) .
2- قوله تعالى : ( ما فعلوه إلا قليلا منهم ) – ( النساء/66 ) ، في مصحف أهل الشام (قليلا) بالنصب وفي مصحف أهل العراق ( قليل ) بالرفع (36)
3- قوله تعالى : ( وللدار الآخرة ) – ( الأنعام/32 ) في مصحف أهل الشام ( ولدار ) بلام واحدة وفي مصحف أهل العراق ( وللدار ) بلامين (37) .
4- قوله تعالى : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) – ( الأعراف/43) ، في مصحف أهل الشام والحجاز (ما كنا) بحذف الواو . وفي مصحف أهل العراق (وما كنا) بإثبات الواو (38) .
5- قوله تعالى في قصة صالح (وقال الملأ …) – (الأعراف/75) ، في مصحف أهل الشام والحجاز (وقال) بإثبات الواو ، وفي مصحف أهل العراق (قال) بحذف الواو (39) .
6- قوله تعالى : (هو الذي يسيركم في البر والبحر ) – ( يونس/22) ، في مصحف أهل الشام والحجاز ( ينشركم ) بالشين المعجمة .. وفي مصحف أهل العراق ( يسيركم ) بالسين المهملة (40) .
7- قوله تعالى : (ما مكني فيه ربي خير ) – ( الكهف/95) ، في مصحف أهل الشام والحجاز (ما مكني ) بنون واحدة ، وفي مصحف أهل العراق (ما مكنني ) بنونين (41) .
8- قوله تعالى : ( والحب ذو العصف والريحان) – (الرحمن/12) ، في مصحف أهل الشام والحجاز (ذا العصف) بالألف ، وفي مصحف أهل العراق (ذو العصف) بالواو (42) .
9- قوله تعالى : (تبارك اسم ربك ذو الجلال ) – ( الرحمن/78) في مصحف أهل الشام والحجاز (ذو الجلال) بالواو ، وفي مصحف أهل العراق ( ذي الجلال) بالياء (43) .
) بعض الشبه التي أثيرت حول رسم القرآن الكريم )
من دأب المستشرقين والمبشرين وأحلاسهم ( أمثال : أركون ، وأبو زيد ، وشحرور ، ويوسف غير الصديق ، وعلي الكيالي ، وآخرهم جرجيس كوليزادة، الذي دعا إلى "إعادة النظر في كتابة القرآن"، بدعوى أن "الرسم العثماني المكتوب به لا يصلح لأمة الإسلام في العالم المعاصر" على حد وصفه المشبوه ) ...؟؟! أن يتلمسوا المطاعن في القرآن الكريم بكل ما أوتوا من قوة حقدا وحسدا ، ولكن الله تعالى قيض لكتابة من العلماء من يدفع عن هذه الشبه الزائفة ومن هذه الشبه:-
الشبهة الأولى : قول جولد زيهر (( وفي المواضع التي تبدوا فيها مفارقات نحوية ، اجترأ بعضهم على دعوى أن ما بقي من ذلك في نص الكتاب المنزل المعترف به ، يجب النظر إليه على أنه خطأ كتابي وقع فيه ناسخ غير يقظ )) (44) .
وهو يشير إلى الروايات التي نسبت إلى سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وابنه أبان ، وتلك التي أسندت إلى السيدة عائشة - رضي الله عنها - ويستفاد منها أن هناك خطأ ولحنا في قوله تعالى :- ( والمقيمين الصلاة ) – ( النساء/162 ) فقد روى انه لما فرغ من المصحف أتى به إلى الخليفة عثمان بن عفان ، فقال قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئا ستقيمه العرب بألسنتها . ونقل عن عكرمة انه قال : لما كتبت المصاحف عرضت على عثمان فوجد فيها حروفا من اللحن فقال : لا تغيروها فإن العرب ستغيرها ، أو قال : ستعربها ، ولم كان الكاتب من ثقيف ، والمملي من هذيل لم توجد في هذه الحروف .
وروى عن سعيد بن جبير انه كان يقرأ ( والمقيمين الصلاة ) ويقول :- هو لحن من الكتاب.
وروى عن عروة بن الزبير قال : سألت عائشة في قوله ( والمقيمين الصلاة ) فقالت : يا ابن أختي هذا عمل الكتاب أخطئوا في الكتابة (45) .
وهذه الروايات باطلة من وجوه كثيرة :-
أ- أنها روايات ضعيفة ، ومن الأدلة على ذلك أن أبا داود قال سألت الإمام أحمد بن حنبل كيف حديث أبي معاوية عن هشام عن عروة قال : فيها أحاديث مضطربة .
وقال السخاوي : ( إن حديث عثمان ضعيف ، والإسناد فيه اضطراب وانقطاع ، فإن عثمان - رضي الله عنه - جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها )47)
وقال الفخر الرازي : (هذا بعيد لأن المصحف منقول بالتواتر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ) (48) .
وقال الألوسي : ( لا كلام في نقل النظم متواترا فلا يجوز اللحن فيه أصلا ) (49)
وقال القشيري :- ( هذا المسلك باطل ، لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة ، فلا يظن بهم أنهم يٌدرجون في القرآن ما لم ينزل ) (50) .
ب- ويجاب عن الرواية الأولى من وجهين :
أولها: إنه حديث مرسل ، وفي إسناده اضطراب وانقطاع ، بل لم يصح هذا الحديث عن عثمان أصلا ، ورده جماعة من العلماء كالإمام أبى بكر الباقلاني ، والحافظ أبو عمرو الداني ، وأبى القاسم الشاطبي ، والجعبري ، وغيرهم ، وأيضا في ألفاظه اضطراب لان قوله (أحسنتم وأجملتم ) مدح فكيف يمدحهم على الإساءة وهي وجود اللحن منهم .
ثانيهما : إن هذا الأثر على فرض صحته ينافي ما كان عليه عثمان – رضي الله عنه – من مواصلته لدرس القرآن وإتقانه لألفاظه ، وموافقته على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار ، مع كونه من الصحابة المشهورين بإقراء القرآن وتعليمه ، وقد أخرج أبو عبيد عن عبد الرحمن عن هانئ مولى عثمان قال كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف فأرسلني بكتف شاه إلى (أبي بن كعب) ، منها :- (لم يتسن) ومنها :- ( لا تبديل للخلق ) ، ومنها ( فأمهل الكافرين ) ، فدعا بالرواة فمحا أحد اللامين ، وكتب (لخلق الله) ، ومحا فأمهل ، وكتب (فمهل) ، وكتب (لم يتسنه) فألحق فيها الهاء فكيف يُدَّعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه مع أنه كان يُوقَفُ على ما يكتب ، ويرفع الخلاف الواقع من الناسخين إليه فيحكم بالحق ، ويلزمهم إثبات الصواب .فغير ممكن أن يتولى – رضي الله عنه – جمع المصاحف مع سائر الصحابة ليرتفع الخلاف في القرآن بين المسلمين ، ثم يترك فيه لحنا وخطأ ليتولى إصلاحه من يأتي بعده ممن لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته . ج- ويجاب عن الرواية الثانية : بأنها مروية عن عكرمة عن عثمان ، مع أن عكرمة لم يسمع من عثمان شيئا ولم يره ، وقد وردت أيضا عن يحيى بن يعمر عن عثمان وهو مثل عكرمة ، في أنه لم يسمع من عثمان ، ولم يره فهي رواية مرسلة ، وفي سندها انقطاع ، فضلا عما في ألفاظها من اضطراب لمنافاتها لما كان عليه عثمان كما تقدم .
وأيضا قوله : (ستغيرها أو ستعربها ) غير مقبول ولا معقول ، لأن الغرض من كتابة المصاحف رجوع العرب في صحة قراءتهم إليه .
فلو توقفت صحته على العرب في تغيير لحنه أو إعرابه لزم الدور ، وبيانه : أنهم لا يقرءون صحيحا إلا وفق الكتوب ، والمكتوب لا يكون صحيحا إلا إذا غيروه ، أو أعربوه فتكون صحة قراءة العرب موقوفة عن القراءة في المصحف الذي كتبه لهم عثمان ، وصحة المصحف وسلامته من اللحن موقوفة على صحة قراءتهم بتغيير لحنه أو إعرابه ، وهذا دورٌ ظاهر البطلان ، أما الرواية التي عن سعيد بن جُبير : فهو لم يرد بقوله – هو لحن – أنه خطأ ، وإنما أراد به أنه لغة ، والدليل على ذلك أنه كان يقرأ ( والمقيمين ) بالنصب والياء ، فلو كان يريد باللحن الخطأ لما قرأ به (51)
د‌- أجاز البصريون نصب ( المقيمين ) على المدح (52) لبيان فضل الصلاة ، ولم يجزه بعض الكوفيين ، ومع البصريين في الجواز : الفرَاء (53) ، والنحاس (54) والزجاج (55) ، والزمخشري (56) ، وابن هشام (57) ، وابو حيان (58) ومذهب البصريين هو الراجح في هذه المسألة لوجود أدلة سماعية تقوي مذهبهم .
فمن السماع ما رواه سيبوية عن يونس قال :- زعم يونس أن من العرب من يقول
لا يبعـدن قومـــي الذيــن هـــم ســم العــداة وآفـــة الجــــزر
النازليــــن بـــكل معتــــرك والطيبـــون معاقــــد الأزر (60)
ومن السماع أيضا قول الشاعر :-
إلــى المـلك القــرم وابن الهمـــام وليــث الكتيبــة فــي المزدحـــم
وذا الـرأي حيـن تغـم الأمـــــور بذات الصليــل وذات اللجــــم(61)
فليس في الآية إذن خطأ كتابي ، ولا لحن لتقيمه العرب بألسنتها ، فالقرآن نزل على أساليب العرب ، الذين أجازوا النصب على المدح ، قال النحاس (وهذا وجه لا طعن فيه من جهة الإعراب ، موجود في كلام العرب ) (62) والأدلة التي أوردناها تدل على أن النصب على المدح والتعظيم أمرا مألوفا لدى العرب لا غرابة فيه ولا تكلف (63) .
الشبهة الثانية :
روى هشام بن عروة عن أبيه قال :- (سألت عائشة عن لحن القرآن في قوله تعالى )إن هذان الساحران ) فقالت : يا ابن أختي هذا من عمل الكتاب قد أخطأوا في الكتاب ) (64) وروى عن أبان بن عثمان انه قال :- (قرأت هذه الآية الكريمة عند أبي عثمان بن عفان فقال :- لحن وخطأ ، فقال له قائل :- ألا تغيروه فقال : دعوه ، فانه لا يحرم حلالا ولا يحلل حراما ) (65) ونسب إلى أبى عمرو انه قال ( إنى لاستحي أن أقرأ ) ( إن هذان الساحران ) (66) .
ويجاب عن هذه الشبهة بوجوه :-
أ‌- إن جمهور القراء قد قرأ بهذا القراءة ، وهم :- نافع وابن عامر ، وحمزة ، والكسافي ، وشعبة ، وأبو جعفر ، ويعقوب ، وخلف …. فلا داعي إذن لإنكار ما اتفق عليه هؤلاء الأئمة الأعلام (67) .
ب‌- إن المسلمين اجمعوا على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى ، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحنا وغلطا ، فثبت فساد ما نقل عن عثمان وعائشة - رضي الله عنهما – (68).
ج- قال ابن الانباري :- إن الصحابة هم الأئمة والقدوة ، فلو وجدوا في المصحف لحنا لما تركوا إصلاحه إلى غيرهم ممن تبعدهم مع تحذيرهم من الابتداع ، وترغيبهم في الاتباع .
د‌- ذهب جمع غفير من النحاة إلى أن الآية الكريمة جاءت على لغة (بني الحارث بن كعب) التي تلتزم الألف في المثنى في جميع أصولها في الخفض ، والرفع ، والنصب.
فقد نقل النحاس عن الكسائي أن قراءة من شدد النون في (إن) وأبقى الألف في (هذان) هي على لغة بني الحارث بن كعب (69) كذلك فعل الفرَاء ورفض قول من جعل الآية الكريمة لحنا ، وإلى هذا أشار بقوله :- ( وقوله : إن هذان لساحران – قد اختلف فيه القراء ، فقال بعضهم لحن ، ولكنا نمضي عليه لئلا نخالف الكتاب ، فقراءتنا بتشديد (ان) وبالألف عن جهتين :-
إحداهما : على لغة بني الحارث بن كعب ، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما ، وخفضهما بالألف (70 ) .
وذكر الطبري أن المثنى لدى بعض القبائل العربية ، ومنها بنو الحارث ، وخثعم ، وزبيد ، يأتي على صيغة واحدة في جميع أحوال الأعراب ، وجعل أبو جعفر النحاس توجيه الآية الكريمة على لغة بني الحارث من أحسن ما حملت عليه (71) لأن هذه اللغة معروفة وقد حكاها من يرتضى علمه وصدقه وأمانته ، منهم أبو زيد الأنصاري (72) .
ورأى ابن خالوية : أن القراءة التي رويت عن جمهور القراء موافقة لرسم المصحف ، فلا داعي إذن لإنكارها واحتج عليها بقول ابن عباس أن الله تعالى أنزل هذا القرآن بلغة كل حي من أحياء العرب (73) .
وارتضى هذا التوجيه أبو علي الفارسي (74) وابن جني بقوله : ( من العرب من لا يخالف اللبس ، ويجري الباب على أصل قياسه ، فيدع الألف ثابتة في الأحوال فيقولون : قام الزيدان ، وضربت الزيدان ، ومررت بالزيدان ، وهم بنو الحارث ، وبطن من ربيعه (75).
وذهب ابن يعيش إلى أن إثبات الألف في المثنى في الرفع ، والنصب ، والخفض ، ليس خاصا باسم الإشارة ، وانما هو عام يشمل كل اسم جاء في صيغة المثنى ، وهي لغة بني الحارث ، وبطون من ربيعه (76) .
واختار هذا التوجيه ابن هشام (77) وأبو حيان (78) وابن عقيل (79) والسيوطي (80) والاشموني(81) .
إذن لا صحة لرواية هشام بن عروة ، ولا أبان بن عثمان ، التي تقول بأن الكتاب أخطأوا في الكتاب وبالتأكيد لم يخطئوا لأن الآية الكريمة جاءت على لغة بني الحارث التي تلتزم الألف في المثنى في كل الأحوال من رفع ، ونصب ، وخفض ، وقد وردت في القرآن وفي الحديث ، وفي كلام العرب .
ففي القرآن (إن هذان لساحران) حيث قرأها الجمهور بتشديد النون في (إن) واثبات الألف في (هذان ) .
وفي الحديث الشريف في قوله – صلى الله عليه وسلم – ( إني وإياك وهذان وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة) (82) .
فقد جاء اسم الإشارة (هذان) مرفوعا بالألف ، وكان حقه النصب ، لأنه معطوف على الضمير المنصوب في (أباك) وهو في محل نصب ، لكنه ثبتت فيه الألف اتباعا للغة بني الحارث (83) ومما ورد في النثر على لغة بني الحارث قول أحدهم (قبض منه درهمان) (84) وأما ما جاء في الشعر فهو كثير ، من ذلك على سبيل الإجمال لا الحصر ..قول الشاعر :
إن أبـاهـــا وأبـــا أبــاهــا قد بلغــا في المجــد غايتهـــا (85)
والشاهد فيه قوله (أباها) إن حقه ان يقول (أبيها) ، لأنه مضاف إليه ،وقوله (غايتاها) واصله وفقا للقاعدة النحوية (غايتيها) لكن الشاعر جاء بهما على لغة بني الحارث ...وهذه اللغة ليست شاذة ، أو نادرة ، أو خاصة بقبيلة عربية واحدة ، وإنما نسبها الأئمة اللغويون إلى كثير من القبائل العربية مثل بني الحارث بن كعب ، وخثعم ، وزبيد ، وكنانة ،وبني العنبر ، وبني الهجيم ، ومراد ، وعذرة ، وقبائل من ربيعه (86) .واجتماع هذه القبائل العربية على هذه اللغة ، تقوي هذه اللغة التي نزل بها القرآن ، كما يقوي هذا التوجيه الذي لجأ إليه القسم الأعظم من النحاة .
الشبهة الثالثة :
يقولون :- الا يكفي في الطعن على جمع القرآن ورسمه ما روي عن ابن عباس في قوله تعالى :- (لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها ) – (النور/27) أنه قال :- إن الكاتب أخطأ ، والصواب (حتى تستأذنوا ) (87) . ونرد على هذه الشبة فنقول:-
أولا :- إن هذه الرواية لا يصح الاستدلال بها على خطأ الكاتب ، وعدم تواتر القرآن ، لأنها معارضة للمتواتر ، ومعارض المتواتر القطعي الثبوت ساقط أصلا ، وإن الرواية متى خالفت رسم المصحف فهي شاذة لا يلتفت إليها ، ولا يعول عليها ، وان كانت صحيحة.
ثانيا :- رد هذه الرواية كثير من العلماء وقالوا بعدم صحتها عن ابن عباس – رضي الله عنهما – منهم ابن كثير ، والقرطبي ، والنيسابوري ، وابن عطية ، وأبو حيان ، وابن الأنباري وغيرهم .
1- قال القرطبي :- بعد أن ذكر هذه الرواية عن ابن عباس ، وهذا غير صحيح عن ابن عباس وغيره ، فإن مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها (حتى تستأنسوا ) وصح الإجماع فيها من لدن عهد عثمان فهي التي لا يجوز خلافها .
وإطلاق الخطأ والوهم على الكاتب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس (88) .
2- وقال النيسابوري :- ولا يخفى ضعف هذه الرواية ، لأنها توجب الطعن في المتواتر ، وتفتح باب القدح في القرآن كله ، نعوذ بالله منه (89) .
3- وقال ابن عطية :- ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس وغيره أن قول (تستأنسوا ) متمكنة في المعنى ، بينة الوجه في كلام العرب ، وقد قال عمر للنبي – صلى الله عليه وسلم – استأنس يا رسول الله وعمر واقف على باب الغرفة ، وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به – صلى الله عليه وسلم – فكيف يخطئ ابن عباس أصحاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - في مثل هذا (90) .
4- وقال ابو حيان :- ( إن من روى عن ابن عباس أنه قال ذلك فهو طاعن في الإسلام ملحد في الدين) (91) .
5- أجاب ابن الانباري عن هذه الخبر بأنه معارض بروايات أخرى عن ابن عباس وغيره منها :
أ‌- أخرج ابن أبى حاتم وابن الانباري في المصاحف ، عن ابن عباس في قوله حتى (تستأنسوا ) قال حتى تستأذنوا .
ب‌- وأخرج ابن أبى شيبة والحكيم الترمذي ، وابن أبى حاتم ، والطبراني ، وابن مردوية عن ابن أيوب قال قلت يا رسول الله : أرأيت قول الله تعالى : (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) هذا التسليم قد عرفناه فما الاستثناس ؟ قال يتكلم الرجل بتسبيحه ، وتكبيرة ، وتحميده ، ويتنحنح فيؤذن له) (93) .
فهذه الروايات على اختلاف طرقها قد ورد فيها تفسير الاستئناس بالاستئذان ، عن رسول الله - صلى الله عله وسلم - وعن ابن عباس نفسه مما يجعلنا نقول :-
لعل الراوي عن ابن عباس قد وهم ، حيث فهم من تفسير الاستئناس بالاستئذان أنه قراءة له ، وأنه الصواب ، فروى الخبر على ما ظن ، وهو واهم .
ج- ومما يرد هذه الرواية وغيرها عن ابن عباس ، إجماع القراء السبعة على القراءة المتواترة (تستأنسوا ) ومن المستعبد جدا أن يقرأ ابن عباس بقراءة يكون الإجماع على خلافها ، لا سيما وهو قد أخذ القراءة عن زيد بن ثابت ، وهو عمدة الذين جمعوا القرآن في المصاحف بأمر عثمان – رضي الله عنه - .
الشبهة الرابعة :
يقولون : روي عن ابن عباس أنه قرأ (أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ) فقيل له : إن في المصحف ( أفلم يايئس الذين آمنوا ) ( الرعد/31 ) فقال :- أظن الكاتب كتبها وهو ناعس (94) ، وهذا القول يقلل الثقة بكتابة القرآن ورسمه ، ويَصِم القرآن ورسمه بالتحريف .
ونرد على هذه الشبة فنقول :
أولا :- إن هذا القول لم يصح عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وانه قول مدسوس عليه دسة زنديق أو ملحد ، كما قال أبو حيان في تفسيره (95) .
وقال صاحب الكشاف :- (ونحن ممن لا يصدق هذا في كتاب الله ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وكيف يخفى هذا حتى يبقى ثابتا بين دفتي المصحف الإمام ، وكان متقلبا بين يدي أولئك الأعلام ، المحتاطين في دين الله ، المهتمون به ، لا يغفلون عن جلائله ، ودقائقه ، خصوصا عن القانون الذي إليه المرجع ، والقاعدة التي عليها البناء ، هذا والله فرية ، ما فيها مرية(96) .
وقال الآلوسي :- ( وأما قول من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس فهو قول زنديق ابن ملحد على ما في البحر ، وعليه فرواية ذلك - كما في الدر المنثور – عن ابن عباس – رضي الله عنهما – غير صحيحة ، وزعم بعضهم أنها قراءة تفسير ، وليس بذلك (97) .
ثانيا :- ومما يرد هذه الرواية أيضا إن القراءة الصحيحة المتواترة صحت عن ابن عباس ، فلو كان ما نسب إليه صحيحا لما قرأ بها . فقد أخرج أبو عبيد ، وسعيد بن منصور ، وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما انه كان يقرأ ( أفلم يايئس الذين أمنوا ) (98) قال أبو بكر الانباري :- روي عكرمة عن ابن نجيح انه قرأ – أي ابن عباس – ( أفلم يتبين الذين أمنوا ) وبها احتج من زعم انه الصواب في التلاوة ، وهو باطل عن ابن عباس ، لان مجاهدا وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس على ما هو في المصحف بقراءة أبى عمرو وروايته عن مجاهد ، وسعيد بن جبير ، عن ابن عباس (99) وأيضا فان ابن عباس قد أخذ القراءة عن زيد بن ثابت فيمن أخذ عنهم ، وزيد كان كاتب الوحي ، وهو الذي جمع القرآن في عهد أبى بكر ، وهو أحد الأربعة الذين جمعوا القرآن في عهد عثمان ، فمن غير المعقول أن يقرأ ابن عباس عن خلاف قراءة زيد بن ثابت وما كتبه في المصاحف العثمانية .
ثالثا :- ومما يرد هذه الرواية أيضا عن ابن عباس ، انه قد ورد عنه تفسير القراءة المتواترة على ما في رسم المصحف ، فقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم عن ابن عباس – رضي الله عنهما – (أفلم يايئس ) يقول : نعم (100) وهو المعنى الذي قال به ابن عباس أيضا لما سأله نافع بن الأزرق عن قوله تعالى ( أفلم يايئس الذين آمنوا ) ، فقد أخرج الطستي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله ( أفلم يايئس الذين آمنوا ) قال : أفلم يعلم ، بلغه بني مالك ، قال نافع : وهل تعرف العرب ذلك ؟ قال : نعم ، أما سمعت مالك بن عوف يقول :
لقـد يئـس الأقـوام إنى أنــا ابنـــه وان كنت من ارض العشيرة نائبـا
فلو كانت القراءة المتواترة ( أفلم يايئس ) غير ثابتة ، كما دس عليه – الزنادقة – لما فسرها ابن عباس ولبيَن للسائل أنها خطأ ولما استشهد عليها بكلام العرب.
رابعا :- على فرض صحة هذه الرواية عن ابن عباس فهي رواية آحادية فلا تعارض القطعي الثابت بالتواتر ، ولا يثبت بها قرآن ، ولا سيما وهي مخالفة لرسم المصحف وغاية ما فيها أنها قراءة شاذة ، حيث خالفت رسم المصحف ، ذكرها ابن خالوية عن علي بن أبى طالب وجعفر بن محمد ، وابن مسعود ، وابن عباس – رضي الله عنهم – (102) .
الشبهة الخامسة :
يقولون :- روي عن ابن عباس انه كان يقول في قوله تعالى ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ) – ( الإسراء/23 ) إنما هي ( ووصى ربك ) امتزجت الواو بالصاد ، فقرأ الناس ( وقضى ربك) …. ولو كان قضاء من الرب لم يستطع أحد رد قضاء الرب ، ولكنها وصية أوصى بها العباد(103) .
وهذا يدل على وقوع تحريف القرآن …..؟
ونرد على هذه الشبهة فنقول :
أولا :- إن هذه الأثر على اختلاف روايات ضعيف ومدسوس على ابن عباس ، وقد رفض ابن حاتم أن يكون ابن عباس قال ذلك ، وقال : ولو قلنا هذا لطعن الزنادقة في مصحفنا (104) .
ثانيا :- أن ابن عباس نفسه قد استفاض عنه انه قرأ ( وقضى ) ، وذلك دليل على أن ما نسب إليه في تلك الرويات هو من الدسائس والافتراءات التي لفقها أعداء الإسلام .
قال أبو حيان :- (والمتواتر هو ( وقضى ) وهو المتستفيض عن ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، بمعنى أمر ، وقال ابن مسعود وأصحابه بمعنى وصى)(105).
وأما ما روي عن ابن مسعود انه كان في مصحفه (ووصى) ، وما روي عن حبيب بن أبى ثابت – رضي الله عنه – قال : ( أعطانى ابن عباس - رضي الله عنه - مصحفا فرأيت فيه ووصى ربك) (106) .
فان ذلك محمول على التفسير ولم يكن مصحف ابن مسعود أو أبي بن كعب مصحف قرآن فقط وإنما خلط كل منها مصحفه بالتفسير، والتأويل لبعض آيات القرآن ، وذكر بعض الأدعية ، والمأثورات ، وهذا ما جعل عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أن يجمع صحف ومصاحف الصحابة – رضي الله عنهم – ويحرقها ، بعد أن جمع المصحف الإمام .( عذا رد على يوسف غير الصديق الذي استنكر استبعاد مصحف ابن مسعود ومصاجف الصحابة بإحراقها ؟؟)
ثالثا :- وأما استنادهم إلى أن اللفظ القرآني لو كان ( وقضى لما أشرك أحد ) فهو غير لازم لمن تدير القرآن ، وأمعن النظر فيه ، لأن هذه الاعتراض يتجه لو حملنا القضاء على التقدير الأزلي ، فأما لو أريد به معناه اللغوي الذي هو البت والقطع ، فلا يتجه إليه هذا الاعتراض ، ولا يرد ، ولذلك فسر الجمهور ( قضى ) ب ( أمر ) وهذا التفسير نفسه ثابت عن ابن عباس ، إذ قال في قوله ( وقضى ) أي : أمر (107) .
رابعا :- على فرض صحة هذه الرواية مع أنها غير صحيحة ، فإنها معارضة للمتواتر القطعي الثبوت ، وكل ما عارض المتواتر القطعي الثبوت فهو ساقط عن الاعتبار ، ولا ينهض للاحتجاج به .
أو غاية ما فيها أنها قراءة شاذة عن ابن عباس ، كما ذكر ابن خالوية (108) لأنها مخالفة لرسم المصحف وكل ما خالف رسم المصحف فهو شاذ وان صح سنده .
الشبه السادسة : يقولون : روى عن ابن عباس في قوله تعالى :- (مثل نوره كمشكاة فيها مصباح) – ( النور/35 ) انه قال هي خطأ من الكاتب ، هو أعظم من أن يكون مثل نور المشكاة ، إنما هي ( مثل نور المؤمن كمشكاة ) (109) ونرد على هذه الشبهة فنقول :
أولا :- هذه الرواية باطلة لأنها معارضة للمتواتر القطعي الثبوت ، ومعارض المتواتر القطعي الثبوت ساقط ومردود .
ثانيا :- مما يدل على أن هذه الرواية مكذوبة على ابن عباس انه فسر قوله تعالى ( مثل نوره ) بقوله :- هداه في قلب المؤمن فقد اخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبى حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس انه قال ( مثل نوره : مثل هداه في قلب المؤمن ) (110) .
ثالثا :- لو أن هذا الدس نقل عن أبى بن كعب - رضي الله عنه – لهان الأمر ، انه هو الذي نقل عنه انه قرأ (مثل نور المؤمن ) ، وفي رواية (نور المؤمنين ) ، وفي رواية (مثل نور من آمن) ، أو قال (مثل من آمن) (111) ، وهي قراءة شاذة لا يعتد بها ، ولا يقرأ بها ، لمخالفتها رسم المصحف ، وعدم تواترها ، ولكن شاء الله تعالى – كما يقول الشيخ أبو شهبة – رحمه الله تعالى – أن تتم الحبكة في نسخ هذه الرواية المكذوبة على ابن عباس ، وهكذا الباطل يكون في طيه ما يلقى الأضواء على بطلانه (112) .
الشبهة السابعة :
يقولون : كيف اعتمدتم المصحف وفيه الخطـأ الظاهر ، واللحن والاختلاط ما لا يكاد يخفى على من له علم بالعربية ، ومثلوا لذلك بما يأتي :
1- قوله تعالى : (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) – (آل عمران/59 ) ….. وصوابه في زعمهم كن فكان .
2- قوله تعالى : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا ) -(الأعراف/160) وصوابه – في زعمهم – اثنتا عشر سبطا .
3- قوله تعالى : ( هذا خصمان اختصوا في ربهم ) – (الحج/19) وصوابه – في زعمهم - اختصما في ربهما .
4- قوله تعالى : (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما ) – (الحجرات/9) وصوابه في زعمهم – اقتتلتا .
5- قوله تعالى : ( رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق واكن من الصالحين) (المنافقون/10 ) وصوابه – في زعمهم – فأصدق وأكون (113)
ونرد على هذه الشبهه فنقول :
هذه مزاعم باطلة منشؤها الجهل بلغات العرب ، ومذاهبهم في الخطاب ، وأ ساليبهم في البيان ،( كجهل من ذكرنا من الحداثيين والعلمانيين ، وجهل هذا الأعجمي ( جرجيس كوليزادة ) الذى افترى ما افتراه في عن الرسم العثماني في مقاله في إيلاف ؟؟) ... وقد شاء الله تعالى وله الحكمة البالغة أن يجيء القرآن مشتملا على بعض لغات العرب واستعمالاتهم ، فهو كتاب العربية الأكبر ، ومرجعهم في معرفة أساليب العرب في البيان ، ومذاهبهم في التعبير أما بيان وجه الحق فيما ذُكر فهو كما يأتي :-
1- قوله تعالى :- (ثم قال له كن فيكون) :- فالتعبير بالمضارع مع أن المقام مقام المضي ، لتصوير ذلك الأمر الكامل بصورة المشاهد الذي يقع الآن ، إيذانا بأنه من الأمور المستغربة ، العجيبة الشاذة ، ويجوز أن يكون التعبير بذلك لما أن الكون مستقبل بالنظر لما قبله (114).
2- وأما قوله (وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما)... أولا :- فهذا التأنيث في (اثنتي عشرة) مع أن المعدولة مذكر – وما قبل الثلاثة يجري على أصل التأنيث والتذكير لتأويل ذلك بمؤنث ، فالمعنى : صيرناهم اثنتي عشرة أمة يتميز بعضها عن بعض ، وانظر إلى الإعجاز القرآني في وصفه لليهود في قوله ( أسباطا أمما ) إذ كل فرقة منهم بمثابة أمة … أو قل دولة داخل دولة ، هذا ما يشهد به واقعهم في عالمنا المعاصر ، إذ لا يقطنون إلا في حارات وأحياء خاصة بهم تسمى ( الغيتو ) فلا يختلطون مع غيرهم إلا للسيطرة عليهم ثم سكنوا مؤخرا في ( غيتو ) كبير يسمى ( إسرائيل ) ليتم فيهم وعد الله .
ثانيا : ( أسباطا ) كما قال ابن الحاجب – في شرح المفصل – بدل من العدد ، لا تمييز له ، والتمييز محذوف أي فرقة أو نحوه .
قال الحوفي أن صفة التمييز - وهي أسباطا – أقيمت مقامه والأصل : فرقة أسباطا وقيل غير ذلك(115) .
3- واما قوله (اختصموا ) بصيغة الجمع لأن كل خصم فريق يجمع طائفة من الناس .
فقد جاء في سبب نزول الآية ما أخرجه البخاري بسنده المتصل عن أبى ذر - رضي الله عنه - قال : نزلت – هذان خصمان اختصموا في ربهم – في ستة من قريش ، علي وحمزة وعبيده ابن الحارث ، وشيبة بن ربيعة ، وعتبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة (116) وقيل : نزلت في الخصومة في البعث والجزاء ، إذ قال به قوم وأنكره قوم آخرون ، وقيل غير ذلك .
فأنت ترى أن المختصمين على ما جاء في هذه الأقوال التي ذكرناها والتي لم نذكرها جمع من الناس ، لذلك جاء اللفظ بصفة الجمع حملا على المعنى (117) .
وأيضا فقد قرأ ابن أبى عبلة (اختصما) مراعاة للفظ (خصمان) ، وهو تثنية خصم ، وهي قراءة شاذة (118)
4- واما قوله تعالى (وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فقد عدل عن ضمير التثنية إلى ضمير الجمع رعاية للمعنى أيضا فان كل طائفة من الطائفتين جماعة .
وكذلك قرأ ابن أبى عبلة ( اقتلتتا ) بضمير التثنية والتأنيث كما هو الظاهر ، وهي قراءة شاذة أيضا(199) .
5- وأما قوله تعالى : (فاصدق واكن من الصالحين) ففيها قراءتان سبعيتان .
الأولى : (وأكون) بالنصب ،وقرأ بها أبو عمرو ، ووافقه : الحسن ، واليزبدي ، وابن محيصن وابن جبير ، وأبو رجاء ، وابن أبى اسحق ، ومالك بن دينار ، والأعمش .
والثانية : (واكن) بالجزم : وقد قرأ بها الباقون وهذه القراءة تخرج على أنها عطف على المعنى فان الكلام في معنى الشرط ، فكأنه سبحانه وتعالى قال : إن أخرتنى إلى أجل قريب أصدق وأكن ….. والى هذا ذهب أبو علي الفارسي ، والزجاح وحكى سيبوية عن الخليل : أنه عطف على توهم الشرط الذي يدل عليه (أخرتني) لأن الشرط غير ظاهر ولا يقدر حتى يغير العطف عن الموضع ، كما في قوله تعالى : (ومن يضلل الله فلا هادي له ويذرهم ……) (الأعراف/186) فيمن قرأ بالجزم وهو حسن (120) .
رد عام :
نرد به على كل ما سبق من شُبه ، وهو أن العمدة في القرآن الكريم وحفظه هو التلقي ، والسماع من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ممن سمع منه ، وهكذا حتى وصل إلينا القرآن كما انزل ولم يكن يؤخذ القرآن من الصحف ، أو المصاحف المكتوبة ، وإنما كان القصد من المكتوب معاضدة المحفوظ ، والرجوع إليه عند الاختلاف في القراءة والرسم .
وان الذين نسبت إليهم هذه الروايات ، ولا سيما ابن عباس ، فقد قرأ بالقراءات الثابتة المتواترة على خلاف ما نقل عنه من الطعن فيها مما يدل على بطلان تلك الطعون . لان ابن عباس أخذ القرآن عن زيد بن ثابت ، وأبى بن كعب وهما من أعضاء لجنة جمع المصحف في عهد عثمان - رضي الله عنه - وهما أيضا من كتاب الوحي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وابن عباس كان يعرف ذلك ويوقن به ، فمحال إذن أن ينطق لسانه بكلمة تحمل رائحة اعتراض على جمع القرآن ، ورسم المصحف ، وإلا فكيف يأخذ القرآن عن زيد ، وأبى بن كعب ، ثم يعترض على جمعهما ورسمهما ؟
وهناك شبهات أخرى أعرضنا عنها لأنها تخرصات لا أساس لها من الصحة ، والله سبحانه يحفظ كتابه من أيدى الخارصين والمعرضين ، وصانه عن وصول الباطل إليه قال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ( الحجر/9) وقال سبحانه ( لا يأتيه الباطل من بين يدي ولا من خلفه ) ( فصلت/42 ) ولقد ذكر القرآن أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – نفسه لا يستطيع أن يبدله ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي ) _( يونس/15 ) وإذا كان هذا حال الرسول – صلى الله عليه وسلم – فأولى منه الصحابة والتابعون ، ومن بعدهم لا يستطيع أحد منهم أن يغير منه حرفا ولقد علمنا أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يعتمدون في نقل القرآن وفي حفظه على ما سمعوه من النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى لقد ضبطوا عنه الحركات ، والسكنات ، والغَنَّات ، والمدَّات والوقفات ، وكل ما يتصل بالقرآن الكريم يشهد بذلك التاريخ الصحيح ، وكيف لا وقد علموا أن القرآن هو سبب عزهم في الدنيا وسعادتهم في الآخرة ولم يزل أهل الفضل والعلم يقومون بخدمة القرآن الكريم خلفا عن سلف ، حتى وصل إلينا كما نطق به الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعيدا عن التحريف ، والتغيير ، والتبديل ، وسيظل هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وبعد فلعلك أخي القارئ قد أدركت معي أن هذه الشبه وأمثالها ، أوهى من بيت العنكبوت ولعلك ازددت يقينا بأن القرآن كما هو في المصاحف اليوم ، هو ما أنزل على نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – وأن ما يخالفه فهو مردود باطل وأعلم أنه كتاب عزيز ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) .
مزاعم على التزام الرسم العثماني
إن أعداء الإسلام كثيرون ويتربصون به الدوائر ، وينتهزون كل فرصة ليسددوا سهام المطاعن إلى القرآن الكريم ، لأنهم يرون فيه حاجزا قويا يحول بينهم وبين ما يريدون من هيمنة على الشعوب الإسلامية .
فالقرآن يربط بين قلوب المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية ، ويوحد كلمتهم ، ويدعوهم إلى جهاد الأعداء وجهاد النفس ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، والتعاون على البر والتقوى ، والدفاع عن حوزة المسلمين في كل مكان ، ويحفزهم إلى العزة والكرامة .
فحاولوا القضاء على اللغة العربية لغة القرآن ، وزينوا للمسلمين أن يتعلموا بالعامية واستعمال الحروف اللاتينية بدلا من العربية ، ولما فشلوا في ذلك سددوا سهامهم للرسم العثماني ، لأنه في زعمهم يشق على كثير من الناس ويوقعهم في الحرج والالتباس ، ولا يمكنهم من القراءة الصحيحة فتيسيرا على الناس في قراءة القرآن ورفعا للمشقة والحرج عنهم ، وتمكينا لهم من القراءة الصحيحة ، المنجية من العقاب المؤدية للثواب يجب عدم التقيد بهذا الرسم ولا نكتب المصاحف اليوم به بل نكتبها حسب القواعد الحديثة للإملاء ففي ذلك تسهيل على الناشئة ، وتيسير على الناس (121) .
ثم يقولون : ويجب أن تكون لدينا الشجاعة في تنفيذ ذلك ، ولو أدى بنا الأمر إلى تحقيق ثورة دينية مثل الثورة التي قادها لوثر في عالم المسيحية ، ثم يستدلون على مزاعمهم بما يلي :
أنه ليس في الكتاب العزيز ، ولا في السنة المطهرة ، ولا في إجماع الأئمة ، ولا في القياسات الشرعية ، ما يحتم التزام الرسم العثماني .
إن هذا الرسم العثماني اجتهاد من الصحابة ، رسموه بخطوطهم وكانت غير مستحكمة في الإجادة ، ولذلك لا يبعد أن يكونوا قد أخطئوا بسبب حداثة عهدهم بها ، بل يقطع بعضهم بأن آيات القرآن فعلا وقع فيها الخطأ والنقص والأشكال ، وعليه فإذا كان الغرض من كتابة القرآن أن نقرأه صحيحا فكيف نكتبه بالخطأ لنقرأه بالصواب ؟ وما الحكمة في أن نقيد كتاب الله تعالى بخط لا يكتب به اليوم أي كتاب ؟
هذه الخطوط والرسوم ما هي إلا علامات وإمارات ، فكل رسم يدل على الكلمة ويفيد وجه قراءاتها فهو صحيح ويجب تصويب الكاتب به على أي صورة كانت .وعليه ولوضوح دلالات الرسم الإملائي أكثر من الرسم العثماني ينبغي كتابة المصحف به (122).
هذه هي أدلتهم على هذا الزعم الباطل .
ونرد على مزاعمهم فنقول :
أولا : نقول لهؤلاء المعرضين إن العلماء يكادون يجمعون على أنه لا يجوز حفظ القرآن الكريم من المصحف وحده ويشترطون تلقينه عن معلم يجيد تلاوة القرآن ، ومعرفة أحكامه ، استنادا إلى فعل وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن من أخذ أي علم من كتاب بدون معلم ضَلّ ، ومن استكثر مؤنة المتعلم فليس له مكان في حقل التعليم .
فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم الصحابة ، ويأمر المجيدين منه بتعليمهم القرآن ، روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بن كعب ( إن الله أمرني أن أقرأ عليك ) قال: الله سماني لك ؟ قال : الله سماك لي . قال : فجعل أبي يبكي)(123) .
قال النووي : واختلفوا في الحكمة في قراءته - صلى الله عليه وسلم - والمختار أن سببها أن تستن الأمة بذلك في القراءة على أهل الإتقان والفضل ، ويتعلموا آداب القراءة ولا يأنف أحد من ذلك(124).
ويقول عبد الله بن مسعود : رضي الله عنه (حفظت من فِي( أي فم ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعا وسبعين سورة ) ولقد عين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يقرئ الناس القرآن ، فقد روى الشيخان وغيرهما عن عبد الله بن عمرو قال ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : خذوا القرآن من أربعة من ابن أم عبد - فبدأ به - ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وسالم مولى أبي حذيفة ) وفي رواية أخرى عنه أيضا ( أستقرئوا القرآن من أربعة من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة ، وأبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل ) (125)
وقد أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن حزم حين وجهه إلى اليمن ، أن يعلم الناس القرآن ويفقههم فيه ، وكان الرجل من المسلمين إذا هاجر إلى المدينة دفعه النبي إلى رجل من الحفظة ليعلمه القرآن كما أمر معاذ بن جبل بهذا وخلفه في مكة بعد الفتح ليعلم قريشا القرآن(126).
لكل هذه الأدلة وغيرها أجمعت الأمة على أن من لا يعرف الرسم المأثور ، عليه أن لا يقرأ في المصحف حتى يتعلم القراءة على وجهها الصحيح ، ويتعلم مرسوم المصحف ، كل ذلك لكي يتحقق اتصال السند في النص القرآني برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وعليه فادعاؤهم أن الرسم العثماني يشق على كثير من الناس لا يُسَلم لهم ، لأنه لا مشقة طالما أن هناك معلم يعلم الناس القرآن .
ثانيا : على فرض أننا كتبنا المصاحف بالرسم الإملائي الحديث فهل يكفي ذلك لقراءة القرآن قراءة صحيحة كما يزعمون من غير معلم ، هذا لا يكون أبدا ، لأن تلاوة القرآن في ذاتها لا بد فيها من الكيفيات الخاصة الثابتة بالرواية والنقل ، وهي لا تعرف إلا بالتلقي والتعليم ، إذ ليس في الحفظ ما يرشد إليها كالمد والقصر والإمالة والإظهار والإدغام والإخفاء والإتمام والرَّوم ، والإشمام ، والإبدال ، وغير ذلك مما لا يمكن معرفته بالكتابة وحدها ، بل لا بد فيه من التلقين عن المجيدين لغة القرآن.
لذلك لم يكن غريبا أن يكون الاكتفاء بالأخذ من المصحف بدون موقف ومعلم ، أمرا لا يجيزه المسلمون ، ولو كان المصحف مضبوطا ، بل إنهم يعدون من فعل ذلك تاركا للواجب ، يقول ابن حجر : ( اعلم أن كل ما أجمع القراء على اعتباره من مد ، وإدغام ، واخفاء ، وإظهار ، وغيرها وجب تعلمه وحرم مخالفته (127) .
ويقول السيوطي ( ولا شك أن الأئمة كما متعبدون بفهم القرآن وإقامة حدوده هم متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراء المتصلة بالحضرة النبوية (128) .
ولعل قوله (على الصفة المتلقاة .. الخ ) أن يكون حريصا فيما يرى علماء القرآن من أنه لا يكفي الأخذ من المصحف دون تلق من أفواه المشايخ المتقنين .
وابن الجزري في تعريفه للمقرئ يقول :- أنه العالم بالقراءات رواها مشافهة ، فلو حفظ التيسير مثلا ليس له أن يقرئ بما فيه إن لم يشافهه من شوفه به مسلسلا ، لأن في القراءات أشياء لا تحكم إلا بالسماع والمشافهة ) (129) .
لذلك لا يعتد أبدا بالأخذ من المصاحف المكتوبة بدون معلم ، لما قد يقع في ذلك من تصحيف يتغير به وجه الكلام ، وقد قالوا ( لا تأخذ القرآن من مُصحَفي ولا العلم من صُحفي ) (130) .
وكان الشافعي يقول ( من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام ) (131) وقال شاعرهم :
من يأخــذ العلم عن شــيخ مشافهــة يكن عن الزيــغ والتحريـف في حـرم
ومن يكن آخــذا للعلــم مـن صـحف فعلمه عند أهــل العلــم كالعـدم(132)
ثالثا : إن الناظر للمصاحف العثمانية بعد تقدم من الطباعة في العصر الحديث ، يجد أنها ضبطت بالشكل التام ، ووضعت علامات مخصوصة تدل على الحروف المحذوفة التي ينطق بها ، وامارات معينة تدل على الحروف التي لا ينطق بها وذيلت ببيانات إرشادية تيسر للقارئ قراءة الكلمات المخالفة للرسم الإملائي ، حتى ألف الناس القراءة في هذه المصاحف ومرنوا عليها من غير حرج ولا مشقة .
كما أن رسم المصحف لا يخالف قواعد الإملاء إلا في كلمات معينة وقليلة لا تصعب على أحد إذا لقنها أو كتبت له في الهامش بالرسم الإملائى حتى يتمكن من النطق بها صحيحة.
وقد رضت لجنة الفتوى في الأزهر على ان ينبه في ذيل كل صفحة على ما يكون فيها من الكلمات المخالفة للرسم المعروف والاصطلاح المألوف (133).
إضافة إلى ما تقوم به الإذاعات المسموعة والمرئية من إذاعة القرآن الكريم مجودا ومرتلا كل ذلك يجعل مسألة قراءة القرآن بالرسم العثماني ليس فيها مشقة كما يزعمون ، ولا تستحق شجاعة (مارتن لوثر ) كما يقولون ، إلا إذا كانوا يريدون من وراء ذلك هدم الإسلام وطمس معالمه.
رابعا : قوله ( ليس في الكتاب العزيز ولا في السنة المطهرة ولا في إجماع الأمة ولا في القياسات الشرعية ما يحتم التزام الرسم العثماني ) أو أن الرسم ( اجتهاد من الصحابة وقد أخطئوا فيه بسبب حداثة عهدهم بالكتابة ) فقد تمت مناقشة ذلك وتفييده فيما سبق .
وأما عدم كتابة أي كتاب اليوم بخط ورسم المصحف ، فلا ينهض دليلا على تخطئة رسمه وعدم ترك هذه الطريقة التي أقرها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجمعت عليها الأمة والتزمت بها الأجيال خلفا عن سلف ، أو عدم كتابة أي كتاب غير المصحف على نمطها لا يعد مطعنا في هذا الرسم ، ولا مدخلا لتخطئته .
خامسا : وأما الحكمة في تقييد المصحف بهذا الرسم فكان يمكن لكل متشكك أن يعرفها من خلال ما ذكرناه من فوائد الرسم ومع ذلك لا بد للقارئ أن يأخذ من أفواه الرجال الآخذين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا يعتمد على المصحف وحده (134) .
كما أن إخضاع المصحف لمصطلحات الخط الحديثة ربما يجر إلى فتنه أشبه بالفتنة التي حدثت في عهد عثمان - رضي الله عنه - والتي حملته على جمع القرآن وكتابة المصاحف بهذا الرسم (135) .
سادسا : وأما قولهم إن هذه الخطوط والرسوم ما هي إلا علامات وأمارات ، فكل رسم يدل على الكلمة ويفيد وجه قراءاتها فهو صحيح…
نقول لا يمكن أن نسلم لهم بصحة ما يقولون ، لان بعض الكلمات تكون دلالتها على المعاني أوضح عندما تكتب بالرسم العثماني عنها لو كتبت بالرسم الإملائى ، فكلمة (مالك) في قوله تعالى(مالك يوم الدين) (الفاتحة/4) فقد رسمت في جميع المصاحف بدون ألف(ملك) ، وذلك لتحتمل ما فيها من قراءات ، حيث قرأها عاصم ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف ، بالألف مدا (مالك) ، وقرأها الباقون بغير ألف (ملك) ، أي قاضي يوم الدين (136) فهذه الكلمة وكثير غيرها لو رسمت حسب الرسم الإملائى لضاعت علينا هذه القراءات المتواترة التي ذكرت وبذلك تضيع أجزاء من القرآن ، إذن فأي الرسمين أوضح في الدلالة على المعاني ؟
وإذا سلمنا لهم جدلا يتساوى الرسوم ، فهل نترك هذا الرسم الذي أقره النبي – صلى الله عليه وسلم - والذي أجمعت عليه الأمة إلى غيره مما ابتكره الناس ؟
فعلى المسلمين أن يحافظوا على رسم المصحف وعلى لغة القرآن ويحاربوا العامية بكل صورها وأشكالها والداعين لها من تلامذة المستشرقين الفاشلين ، سواء في الكتابة أو الكلام بها .

نقط المصحف وشكله :
مرت عملية تنقيط المصحف في ثلاث مراحل وقبل بيانها لا بد من بيان أن للنقط معنيان:-
الأول : نقط الإعجام وهو نقط الحروف ذاتها ، للتفريق بين المشتبه منها في الرسم ، كنقط الباء نقطة تحت الحرف ، ونقط التاء باثنتين من فوق ، وهذا النوع هو الذي ظل حتى يومنا هذا مستعملا في النقط سواء أكان في المصحف أم في غيره ، وهو وضع نصر بن عاصم ويحي بن يعمر.
الثاني : نقط الإعراب وهو نقط الحروف للتفريق بين حركاتها المختلفة في اللفظ مثل جعل الفتحة نقطة فوق الحرف ، والكسرة نقطة تحت الحرف ، والضمة نقطة بين يدي الحرف ، وسمي فيما بعد بالشكل ، لأنه يزيل ما في الكلام من إبهام وأشكال ، وكان يسمى بادئ الأمر بالنقط لأنه كان يرسم نقطا مدورة لا تفترق عن نقط الاعجام من حيث الصورة .
وبقي الحال على هذا المنوال إلى أن فتح الله للخليل بن احمد ، فأوجد بدلا منه الحركات (الفتحة ، الضمة ، الكسرة، ) التي نعتمدها في كتاباتنا إلى يومنا هذا ، فأكمل بذلك المسيرة التي بدأها كل من (أبو الأسود) ، ونصر بن عاصم ، ويحي بن يعمر .
مراحل نقط المصحف وشكله ، أسبابه ودواعيه :
مرت عملية نقط المصحف وشكله في مراحل ثلاث :-
المرحلة الأولى : نقط الإعراب :
بعد انتشار الإسلام ، واختلاط العرب بالأعاجم ، ودخول كثير منهم الإسلام ، بدأت عوامل الفساد تدب إلى اللغة العربية وحدث اللحن في الألسنة ، وتسرب إلى ألسنة الناشئة وعامة الناس ، فانتبه له رجال الدولة وشمر العلماء عن ساعد الجد يبغون الصلاح ويهدفون الى الإصلاح وقد جعلوا القرآن نصب أعينهم وغايتهم ، صيانته وحفظه ، خشية أن يتطرق إليه تصحيف أو تحريف.
وكان أبو الأسود الدؤلي من أوائل الذين تنبهوا إلى خطورة اللحن الذي أخذ يتفشى في كثير من الألسنة ، فجاء إلى زياد بن أبيه والي البصرة وكان معلما لأولاده ، فقال له (أصلح الله الأمير ‍‍‍، اني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم أتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقومون به كلامهم قال : لا ) (138) .
فخرج أبو الأسود من عند زياد خائبا ، وبعد هذه الزيارة الفاشلة جاء رجل الى زياد وقال له (أصلح الله الأمير توفي أبانا وترك بنون ، فقال زياد : ادعوا لي أبا الأسود ، فلما حضر قال ضع للناس الذي نهيتك أن تضع لهم ) (139) .
وتروى القصة معكوسة في مصادر أخرى ، ومفادها : أن زيادا طلب من أبي الأسود أن يضع قواعد تعصم اللغة من الفساد ، فأبى بادئ الأمر ، وامتنع أن يلبي طلبه فأمر رجلا أن يقعد في طريق أبي الأسود فلما قاربه رفع صوته بالقراءة قاصدا إسماع أبي الأسود، وقال (إن الله برئ من المشركين ورسوله ) بكسر اللام في رسوله ، فقال أبو الأسود ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا الأمر ، فرجع إلى زياد فقال : أفعل ما أمر به الأمير، فليبغني الأمير كاتبا ثَقِفاً لَقِفاً ، فأتاه بنفر من الكتاب ، فاختار واحدا منهم وكان من عبد القيس ، فقال أبو الأسود لهذا الكاتب :- إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، وإن ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غُنه يعني تنوينا ، فاجعل نقطتين ، ففعل ذلك حتى أتى على آخر المصحف (140) ، وكان التنقيط بمداد أحمر ، فالتنقيط بمعنى الشكل قام به أبو الأسود الدؤلي ، ففتح الباب في إصلاح الحرف العربي ، ثم تتابعه بعده الجهود (141) .
المرحلة الثانية : وهي نقط الإعجام :
تتفق معظم المصادر على أن تنقيط المصاحف للحروف المتشابهة وإزالة عجمتها كان يطلب من الحجاج بن يوسف الثقفي عامل عبد الملك بن مروان (142) وقد أطلق على هذه العملية الإصلاحية اسم الإعجام .
جاء في لسان العرب : ( حروف المعجم : أ ، ب، ت .. سميت بذلك من التعجيم وهو إزالة العجمة بالنقط ، والعجم :- النقط بالسواد ، بخلاف نقط الإعراب أي الشكل كان بالمداد الأحمر ، مثل التاء عليها نقطتان ، يقال أعجمت الحرف والتعجيم مثله ، ولا يقال عجمت ، قال ابن جني : أعجمت الكتاب أزلت استعجامه ، وكتاب معجم إذا أعجمه كاتبه بالنقط (143) ، فالإعجام إذن هو التنقيط للحروف المتشابهة في شكلها فالعين مهملة ومن أجل التفريق بينها وبين (الغين) تعجم الثانية بنقطة فوقها .
وخلاصة القول إن أبا الأسود هو أول من نقط المصاحف ، وهذا ما ترويه معظم المصادر كالنجوم الزاهرة(144) وصبح الأعشى (145) وكان الغرض من تنقيطه هو ضبط الشكل فقط ، وأما تنقيط يحي بن يعمر ونصر بن عاصم ، فكان هدفه الإعجام ، وتمييز الحروف المتشابهة بالصورة ، فللباء نقطة من أسفل ، وللتاء نقطتان من فوقها ، وللثاء ثلاث فوقها ، وأعجمت الجيم والخاء وأهملت الحاء .
قال في لسان العرب : (فإن قيل إن جميع الحروف ليس معجما إنما المعجم بعضها ، فلم سميت بذلك ، قيل: إنما سميت بذلك لأن الشكل الواحد إذا اختلفت أصواته ، فأعجمت بعضها وتركت بعضها فقد علم أن هذا المتروك بغير إعجام هو غير ذلك الذي من عادته أن يعجم فقد ارتفع أيضا بما فعلوا الإشكال والاستبهام عنهما جميعا (146) .وقد علل بعض العلماء سبب اختيار عدد النقاط والكلمات ومكان موضعها سواء أكانت في أعلى الحرف أم من أسفله وكتاب المحكم خير كتاب وضح ذلك وعلله (147) .
ويختلف أهل المغرب عن أهل المشرق في إعجام الفاء والقاف ، فهم ينقطون الفاء بنقطة من أسفلها والقاف بنقطة واحدة في أعلاها (148) .
المرحلة الثالثة : رغم الخطوات الرائدة التي مر ذكرها ، والتي كان مفادها سلامة الحرف العربي وصيانة اللسان من الزلل ، بقي الحرف يعاني من تعثرات ما زالت ترافقه، وما زال هناك تصحيف وتحريف ، ولبس ، وأشكال ، ويعود السبب إلى أن الشكل - أي حركة الحرف - والإعجام - أي تنقيط الحروف المتشابهة - قائمتان على أساس النقطة ، فالإعجام كان باللون الأسود ، والشكل الذي يعتمد النقطة صورة له يجري باللون الأحمر، وقد لا يجد الكاتب حين يكتب لونين من المداد ، فيضطر إلى أن يستخدم لونا واحدا فقط وعند ذلك تتراكم النقاط ، ويلتبس الأمر على القارئ ، ويقع عندئذ الإشكال.
وحتى لو توفرت الألوان الكافية من الحبر ، فهي لا تحل الإشكال ، وذلك لكثرة النقاط وتراكمها إضافة إلى مشكلة أخرى هي :- عدم ضبط حركة بنية الكلمة ، والوقوف على اللفظ السليم كما سمع عن العرب فهناك الكثير من الكلمات إذا اختلفت حركة بنيتها تغير معناها ، وفي العربية الكثير من الكلمات المثلثة مثل كلمة (بَر ، بُر ، بِر ) بفتح الباء ، وضمها ، وكسرها ، وكل حركة منها تغير معناها وقد تتغير الحركة في الكلمة الواحدة، ولا يقود هذا التغيير إلى اختلاف في المعنى ، بل يبقى كما هو ، وهنا تكمن الفوضى ، وتقع الحيرة في الوقوف على اللفظ الصحيح.
فالإصلاح الأول الذي قام أبو الأسود ، والإصلاح الثاني الذي قام به كل من يحي بن يعمر ، ونصر بن عاصم ، وقيل الحسن البصري ، ما زالا قاصرين ، والحرف العربي ما زال تحت رحمة النساخ يصيبه ما يصيبهم من فوضى تراكم النقاط ، وصعوبة القراءة مع تجريف ناجم عن الشكل حتى ، هيأ الله له الخليل بن أحمد الفراهيدي (149) فأوجد الحركات الفتحة ،الضمة ، الكسرة ، التنوين ) التي نعتمدها في كتابتنا إلى يومنا هذا فأكمل المسيرة الإصلاحية التي بدأها أبو الأسود الدؤلي ، وكان الإصلاح الثالث هو:- الإصلاح الذي ضمن سلامة الحرف العربي وقيد الشكل بحركات من جنس الحروف بدلا من نقط الإعراب التي وضعها أبو الأسود ، قال الداني : فالشكل الذي في الكتب من عمل الخليل وهو مأخوذ من صور الحروف ، فالضمة واو صغيرة في أعلى الحرف لئلا تلتبس بالواو والكسرة باء صغيرة تحت الحرف ، والفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف(150) .
كما أن الخليل هو أول من وضع الهمزة والتشديد والرَّوم (151) والإشمام (152) ، وقد أخذ الشدة من رأس شين مختزلة من لفظ تشديد والسكون رأس فاء مختزلة من لفظ تخفيف ، وهمزة القطع رأس عين مختزلة من لفظ قطع ، وعملت بها الأيام عملها على حسب الحاجة واقتضاء الظروف ، فاختزل شكلها وزيد عليها حتى آلت الى الشكل المعروف الآن (153) .
وهكذا أنقذ الخليل العربية من إشكالات عانتها ردحا من الزمن قادت الكتاب والقراء إلى أخطاء خطيرة فأغنى المسلمين باستعمال لونين من المداد ، كما أغناهم عن النزاع في إباحة استعمال المداد الأحمر وكراهيتة أو حرمتة مما هو معروف مدون في كتب القراءات (154) .
وبالإصلاح الثالث الذي قام به الخليل سلم الحرف العربي من اللبس ، والغموض، والتحريف ، والتصحيف قراءة وكتابة ، وتُحوشي تراكم النقاط واختلاف المداد فكان مجموع ما وضعه الخليل ثماني علامات هي : الفتحة ، والضمة ، والكسرة ، والسكون، والشدة ، والمدة ، والصلة ، والهمزة ، وهي التي نستعملها إلى يومنا هذا ، ولم تمر هذه الإصلاحات الثلاث دون معارضة ، وكان أصحاب القراءة لا يتبعون طريقة الشكل في ضبط المصاحف إلى عصر الداني ، ويؤثرون طريقة النقط المدور اتباعا للسلف من نقاط المصاحف ، ويتشددون في ذلك ، ولكن هذا التشدد قد ضعف أمره مع تراخي الزمن، وابتغى الناس السهولة واليسر في خط المصاحف ، فمالوا إلى طريقة الشكل (155) ، ثم توالت فتاوى الفقهاء في ترخيص ذلك ...قال النووي : (نقط المصحف وشكله مستحب ، لأنه صيانة له من اللحن والتحريف ) (156)
وقال في صبح الأعشى : وصرح أصحابنا من الشافعية - رضي الله عنهم - بأنه يندب نقط المصحف وشكله .
وروي عن الإمام مالك - عندما سئل عن شكل المصاحف - أنه قال : أما الأمهات فلا أراه ، وأما المصاحف التي يتعلم فيها الغلمان فلا بأس ، وقال الأوزاعي : إعجام الكتاب نوره .
إن قصة نقط المصاحف وشكلها ، تكشف عن عظمة التابعين وعبقريتهم وتوضح اهتمام المسلمين المتواصل وعملهم الجاد لخدمة كتاب الله الكريم ، وتميط اللثام عن وجه من وجوه الإعجاز في قوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
اقتراح مشبوه :
اقترح الأستاذ عبد العزيز فهمي كتابة القرآن والعربية كلها بالحروف اللاتينية ، وتقدم بهذا الاقتراح إلى مجمع اللغة العربية بالقاهرة .؟ في جلسته المنعقدة بتاريخ 2/2/1941م وطالب فيه بأن تكتب اللغة العربية ، والقرآن بالحروف اللاتينية ، وقد اعترض أعضاء المجمع على هذا الاقتراح حتى اندثر وطواه النسيان ، إلى أن ولد من جديد على يد المدعو لبيب على الجمال ، مما يبين أن أعداء الإسلام لا يتوانون عن حرب الإسلام بكل ما أُوتوا من قوة ، فكلما انكسر لهم سهم انتتضوا لها سهما آخر فجدد الدعوى إلى كتابة القرآن الكريم بالحروف اللاتينية بدلا من الحروف العربية ، معتقدا أن هذا المشروع حسب زعمه يدعو إلى توحيد كلمات الله تعالى ، كما أنزلت ، وتمكين الأجانب من قراءة القرآن كما أنزله الله ونشر اللغة العربية دوليا عن طريق قراءة القرآن وتعاليمه ، وقدم نموذجا لكتابة سورة الفاتحة بالحروف اللاتينية يمكن قراءة على النحو التالي (بسم الله ارهمن ال رهم . الهمد لله رب أل الألمين .. الخ ) .
ونقول :- من المجمع عليه أنه لا يجوز قراءة القرآن الكريم بغير اللغة العربية لا في الصلاة ولا في خارجها ، لأن الله تعالى أنزلها قرآنا عربيا قال تعالى (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) (يوسف/2) وقال سبحانه (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) ( الشعراء / 193ـ195) وركنا القرآن اللفظ والمعنى معا ، فإذا قرأ بغير العربية لا يسمى قرآنا ، وما روي عن الإمام أبي حنيفة أنه جوز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة للعاجزين عن العربية فقد نقل بعض المحققين من أتباعه أنه رجع عنه ، وبذلك صار الأمر إجماعا من الفقهاء وكما لا يجوز قراءة القرآن بغير اللفظ العربي المبين الذي نزل به ، لا يجوز أيضا بالإجماع كتابته بغير الحروف العربية ، لا باللاتينية ولا بغيرها من اللغات ، لأن القرآن عربي في لفظه ، وعربي في حروفه وكتابته .
ورسم القرآن – كما ذكرنا سابقا – توقيفي ، وسنة متبعة ، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم – والصحابة الأخيار من بعده ، لم يكتبوه إلا بالحروف العربية ، وهذا إجماع لا يجوز مخالفته ، ومع ذك فإننا نجد عبد العزيز فهمي يقترح على المجمع اللغوي لعلاج مصيبة الرسم العثماني ، أن تكتب العربية بحروف لاتينية قائلا : : إن هذا الرسم على ما في مظهره الآن من جمال ، لهو علة العلل وأس الداء ، ورأس البلاء انه سرطان شوه منظر العربية ، وغش جمالها ونفر منها الولي القريب ، والخاطب الغريب ، واني إذ أقول سرطان فإني أعني ما أقول لانه كالسرطان حسا ومعنى .
وهذا الكلام الذي يقوله هذا المأجور ، من ربائب المبشرين ، لا ينطبق بحسب الواقع على رسم القرآن ، إذ لم يشوه هذا الرسم منظر العربية ولم ينفر أحدا منها ، بل القرآن بلغته العربية ورسمه العثماني هو الذي وحد بين المسلمين في اللسان والعقيدة ، وجعلهم يقبلون على العربية ومؤلفاتهم فيها لا يحيطها الحد ولا يحصيها العد .
يقول المستشرق بروكلمان : ( بفضل القرآن بلغت العربية من الاتساع مدى لا تكاد تعرفه أية لغة أخرى من لغات الدنيا ، والمسلمون جميعا يؤمنون بأن العربية هي وحدها اللسان الذي أحل لهم أن يستعملوه في صلواتهم ، وبهذا اكتسبت العربية منذ زمان طويل مكانة رفيعة ، فاقت جميع لغات الدنيا الأخرى التي تنطق بها شعوب إسلامية
ثم يعلل اقتراحه بقوله : إن الله تعالى لم ينزل به من سلطان ،ولم يفرض علينا التعبد برسم القرآن ، وان صورة هذا الرسم التي كانت في عهد عثمان - رضي الله عنه - وكتب بها المصاحف كانت صورة بدائية سقيمة قاصرة خيف من سقمها وقصورها أن تضلل المسلمين في القراءة فسارع الخليفة عبد الملك بن مروان إلى إصلاحها بالنقط والتشكيل ، ولأن رسم القرآن وثني ؟!؟ لأنه منقول عن النبطيين كما قال المستشرقون : ثم قال إذا كانت الحروف العربية وثنية منقولة مباشرة عن الوثنيين فان اللاتينية إنما انقلها عن النصارى !! وهم أهل كتاب اقرب إلينا نحن المسلمين من الوثنيين
ونرد على هذا المتطاول المأفون فنقول :
1- لقد عرفنا فيما سبق أن جمهور العلماء ذهبوا إلى أن رسم المصحف توقيفي ، وانه ليس للصحابة ولا لغيرهم دخل فيه وذكرنا الأدلة والبراهين الدالة على ذلك . ثم أن الشكل والنقط لم يوضعان لمعالجة صورة الرسم القاصرة وإنما وصفه العلماء لحماية الرسم من لحن الناس في القرآن الذي نشأ وانتشر بدخول الأعاجم في الإسلام .
أما عن قوله بأن رسم القرآن وثني ، فلو كان وثنيا كما يزعم فما دام الله تعالى ارتضاه ، وانزل كلامه بلغة هذا رسمها ، بل كتب بها القرآن ، وان الرسول قد اقر كتاب الوحي على هذا الرسم ، وهو يعلم انه الرسم الذي كان يستعمله الوثنيون وان الأمة قد أجمعت عليه منذ كتب به القرآن حتى يومنا هذا ، أيختار الله تعالى ونعدل نحن عن اختياره ، ويقر رسول الله كتابه على هذا الرسم ونعدل نحن عن إقراره ؟ وتجتمع الأمة المعصومة على هذا الرسم ونعدل نحن عنه ، ونعمل على هدم هذا الإجماع إرضاء لأسياده من المبشرين والمستشرقين الذين يريدون صرف المسلمين عن لغة القرآن إلى اللهجات العامية المتغايرة ، أو إلى الحروف اللاتينية لعلمهم أن اللغة العربية من أقوى الروابط التي تربط بين المسلمين وأنها ( اداة العلم ومفتاح التفقه في الدين ) وهي عند المسلمين السبيل إلى قوة اليقين في معرفة إعجاز القرآن وزيادة البصيرة في إثبات النبوة الذي هو عمدة الإيمان
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعملون القرآن فإنه من دينكم ) ، وقال يزيد بن هارون اللحن هو اللغة .
(ولا خفاء أنها امتن اللغات وأوضحها بيانا ، وأذلقها لسانا وأمدها رواقا (بضم الراء) وأعذبها مذاقا ومن ثم اختارها الله تعالى لأشرف رسله وخاتم أنبيائه وخيرته من خلقه وصفوته من بريته وجعلها لغة أهل سمائه وسكان جنته وأنزل بها كتابه المبين .
وبهذا البيان الموجز يتبين لنا أن هذه المزاعم التي أثارها هذا المستغرب ومن على شاكلته ما هي الا افتراءات ، وأكاذيب ، يحاكي بها أسياده من أهل التنصير ودعاة الإلحاد والله من ورائهم محيط .

هوامش البحث
1- القاموس المحيط 4/120 ومختار الصحاح ص 264 .
2- انظر البرهان 1/376 والمرشد الوافي في علوم القرآن ص 161- 162 .
3- البرهان 1/380 ، والإتقان 2/167 .
4- انظر منهج الفرقان 1/143 - 145 والمرشد الوافي 162-118 والمدخل لدراسة القرآن الكريم 302-307 .
5- انظر تاريخ المصحف ص 85 .
6- متن موردالضمان ص 5
7- تاريخ القرآن للكردي ص 105 .
8- لاق الدواة ليقا أي لصف المداد بصوفها ، او اصلح مدادها بوضع ليقة فيها وهي صوفة الدواة ، ولا تعور : أي اجعلها واضحة انظر مناهل العرفان 1/378 من
9- قضايا القرآن - د. إسماعيل الطحان ص 99
10- الابريز لابن المبارك ص 60 .
11- انظر البرهان 1/379 ، ومناهل العرفان 1/380 - 381
12- مقدمة ابن خلدون ص 419
13- تاريخ القرآن ص 226
14- انظر تاريخ القرآن للكردي ص 116 - 117
15- تاريخ المصحف ص 81
16- البرهان 1/379 وانظر فتح الباري 7/352 وتفسير الآلوسي عند قوله تعالى ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ) ( من سورة العنكبوت )
17- مناهل العرفان 1/378-379
18- انظر منهج الفرقان ص 156 - 157 يتصرف
19- انظر البيان من مباحث من علوم القرآن لشيخنا عبد الوهاب غزلان ص 360 باختصار .
20- انظر البرهان 1/381 - 398 والإتقان 2/168 وتاريخ القرآن للكردي ص 112 ورسم المصحف بين المؤيدين والمعارضين للفرماوي
21- انظر فتح الباري 9/24 - 25
22- وبناء عليه قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر (وأوصى) بهمزة مفتوحة بين الواوين مع تخفيف الصاد، وهو معدى بالهمزة وذلك موافقة لرسم المصحف المدني والشامي ، وقرأ الباقون (ووصى) بحذف الهمزة مع تشديد الصاد ، وهو معدى بالتضعيف وذلك موافقة لمصحف عثمان وأهل العراق .انظر ( المهذب في القراءات العشر وتوجيهها ) للدكتور محمد سالم محسين 1/74 .
23- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وابو جعفر (سارعوا) بحذف الواو على الاستئناف ، وقرأ الباقون (وسارعوا) بإثبات الواو عطفا على (واطيعوا الله ) المهذب 1/126.
24- وبناء عليه قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وابو جعفر (يقول) بحذف الواو ورفع اللام على انه جواب شوال مقدر تقديره : ماذا يقول المؤمنون حينئذ ، والرفع على الاستئناف وقرأ أبو عمرو ويعقوب بإثبات الواو ونصبا اللام عطفا على (فيصبحوا) ، لأنه منصوب بأن بعد الفاء وقرأ الباقون باثبات الواو والرفع على الاستئناف المهذب 1/190 .
25- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر (يرتدد) بدالين الأولى مكسورة والثانية مجزومة على فك الإدغام على الأصل لأجل الجزم وهو لغة أهل الحجاز . وقرأ الباقون (يرتد) بدال واحدة مفتوحة مشددة بالإدغام للتخفيف وهي لغة تميم انظر المهذب 1/190 .
26- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بحذف الواو قبل (الذين) موافقة لمصحف أهل المدينة والشام وقرأ الباقون بإثبات الواو موافقة لمصحف أهل مكة والبصرة والكوفة انظر المهذب 1/284 .
27- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر (منهما) أي يزيادة ميم بعد الهاء على التثنية ، وعود الضمير على الجنتين ، وعليه رسم المصحف المدني والشامي ، وقرأ الباقون (منها) بحذف الميم على الافراد ، وعود الضمير إلى الجنة المدخولة وعليه رسم المصحف البصري والكوفي انظر المهذب 2/112 .
28- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وابو جعفر (فتوكل) بالفاء على انه وقع في جواب شرط مقدر يعلم من السياق أي فإذا أنذرت عشيرتك فعصوك فتوكل ، وقرأ الباقون وتوكل بالواو على انه معطوف على قوله تعالى (ولا تدع مع الله) انظر المهذب
2/220-221 وبناء عليه فقد قرأ نافع وأبو عمرو وابو جعفر (وان) بالواو المفتوحة بدلا من (أو) وقرأ شعبة وحمزة والكسائي وخلف (أو أن ) انظر المهذب 2/320 .
29- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر (بما) بدون فاء وقرأ الباقون (فبما) بالفاء المهذب 2/336 .
30- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وحفص وأبو جعفر بزيادة هاء الضمير مذكرا يعود على ما الموصولة وقرأ الباقون بحذفها لان (ما) مفعول وعائد المفعول محذوف انظر المهذب 2/345
31- وبناء عليه فقد قرا نافع وابن عامر وأبو جعفر بحذف لفظ (هو) على جعل خبر أن الغني وقرأ الباقون بإثبات لفظ (هو) على انه ضمير فصل بين الاسم والخبر وهذا الضمير يسميه البصريون فصلا ، أي يفصل الخبر عن الصفة ، ويسميه الكوفيون عمادا أي يعتمد عليه الخبر انظرالمهذب 2/399 .
32- وبناء عليه فقد قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر بالفاء ، وذلك للمساواة بينه وبين ما قبله من قوله تعالى (فقال له) وقرأ الباقون بالواو ، وذلك إما للحال ، أو لاسئناف الأخبار انظر المهذب 2/459 .
33- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر (قالوا) بغير واو ، عن الاستئناف وقرأ الباقون (وقالوا) بالواو على انها لعطف جملة على مثلها انظر المهذب 1/70 .
34- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر (وبالزبر) بزيادة باء موحدة بعد الباء ، موافقة لرسم المصحف الشامي ، وقرأ الباقون بحذف الباء تبعا لرسم باقي المصاحف انظر المهذب 1/146.
35- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر (قليلا) بالنصب على الاستثناء ، وقرأ الباقون بالرفع على انه بدل من الواو في فعلوه المهذب 1/16 .
36- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر (ولدار) بلام واحدة موافقة لرسم المصحف الشامي وقرأ الباقون (وللدار) بلامين لأمر الابتداء ولام التعريف مع التشديد للإدغام ورفع تاء الآخرة على أنها صفة للدار وخبر خبرها وذلك موافقة لرسم باقي المصاحف انظر المهذب 1/204 205 .
37- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر (ماكنا) بحذف الواو على أن الجملة الثانية موضحة ومبينة للجملة الأولى وقرأ الباقون باثبات الواو على الاستثناء او الحال ، انظر التهذيب
1/238 - 239 .
38- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر بزيادة واو قبل (قال) للعطف وموافقة لرسم المصحف الشامي والباقون بغير واو اكتفاء بالربط المعنوي المهذب 1/344
39- وبناء عليه فقد قرأ ابن عامر وأبو جعفر (ينشركم) من النشر من الطي أي يفرقكم وقرأ الباقون (يسيركم) من التسيير أي تحملكم على السير وتمكينكم منه .
40- وبناء عليه فقد قرا ابن كثير (ما مكنني) بنونين خفيفتين بدون إدغام على الأصل وقرأ الباقون بنون واحدة مشددة مكسورة بإدغام النون التي هي لام الفعل في نون الوقاية انظر المهذب 2/123
41- وبناء عليه فقدقرا ابن عامر بنصب الثلاثة على إضمار فعل تقديره أخص (وذا) صفتة (والريحان) معطوف على (والحب) .وقرأ حمزة والكسائي وخلف برفع الأولين عطفا على (فاكهة) وجر (الريحان) عطفا على (العصف) .وقرأ الباقون بالرفع في الثلاثة عطفا على فاكهة (وذو) صفة (والحب) انظر المهذب 2/389
42- وبناء عليه فقد قرأ بن عامر (ذو) بالواو على انها صفة اسم وقرأ الباقون(ذي) بالباء صفة (ربك) انظر المهذب 2/291 .وانظر في كل ما سلف كتاب المصاحف ص 24-47 .
43- مذاهب التفسير الإسلامي - جولدزيهر ص 46 - 47
44- انظر روح المعاني ج6 /15 والجامع لاحكام القرآن 6/15 .وجامع البيان للطبري
ج6 /25 ومناهل العرفان 1/386 .
45- معاني القرآن للفراء ط بيروت ص 1/106
46- الإتقان 1/183 وروح المعاني 6/15
47- مفاتيح الغيب 11/106
48- روح المعاني 6/15
49- الجامع لأحكام القرآن 6/15
50- انظر منهج الفرقان - محمد علي سلامة ص 1/160 - 161 .
51- انظر روح المعاني 6/14 ومفاتيح الغيب 11/106
52- انظر معاني القرآن للفراء 1/106
53- انظر الجامع لاحكام القرآن 6/14
54- انظر التبيان للطوسي 3/390
55- انظر الكشاف 1/582
56- انظر شرح شذور الذهب ص 79 شرح عبد الغني الدقر .
57- انظر البحر المحيط3/395
58- انظر الكتاب لسبوية 2/65 ط 1968
59- انظر شرح أبيات سيبوية للسيرافي د محمد علي سلطان 2/15 - 16
60- انظر معاني القرآن 1/105 ذات الصليل الكتيبة يسمع فيها صليل السيوف وذات اللجم الكتبية فيها الخيل بلجمها ،والقرم السيد المعظم .
61- انظر إعراب القرآن للنحاس 1/231
62- انظر ظاهرة التأويل في إعراب القرآن الكريم د محمد عبدالقادر ص 62 - 72
63- الجامع لأحكام القرآن 11/216
64- المرجع السابق نفسه
65- مفاتيح الغيب 22/47
66- انظر المهذب في القراءات العشرة 2/143 والبحر المحيط 6/255
67- مفاتيح الغيب 22/75
68- المرجع السابق نفسه
69- معاني القرآن للفراء 2/183 - 184
70- جامع البيان للطبري 16/182
71- إعراب القرآن - النحاس 2/346
72- الحجة لابن خالوية ص 242
73- إعراب القرآن الزجاج 1/204
74- هامش شرح الفصل 3/128 - 129
75- شرح المفصل 3/128
76- شرح شذور الذهب ص 46 - 47
77- البحر المحيط 6/255
78- شرح ابن عقيل 1/58-59
79- همع الهوامع 1/40
80- انظر شرح الأشموني 1/59 ط 31
81- مسند الإمام احمد 1/101
82- انظر إعراب الحديث النبوي للعكبري تحقيق عبد الاله نبهان دمشق 1977 ص 155 -156 .
83- انظر البيان في إعراب القرآن لابن الانباري تحقيق طه عبد الحميد طه القاهرة 2/144
84- انظر الحجة لان خالوية ص 242
85- انظر البحر المحيط 6/255 وشرح شذور الذهب ص 46 - 47 وروح المعاني 16/223 وهمع الهوامع 1/40 .
86- اخرج هذه الرواية ابن جرير الطبري من عدة طرق 18/87 وانظر الدر المنشور5/38
87- انظر تفسير القرطبي ص 4606
88- انظر غرائب القرآن 18/72 على حاشية تفسير الطبري
89- انظر تفسير القرطبي ص 4606
90- انظر تفسير البحر المحيط 6/445
91- انظر روح المعاني 18/133
92- راجع هذه الروايات في الدر المنثور 6/38 - 39 وتفسير الطبري 18/87
93- انظر الإتقان 1/242
94- انظر البحر المحيط 5/393
95- انظر الكشاف 1/409
96- انظر روح المعاني 13/156
97- انظر الدر المنثور 4/63
98- انظر تفسير القرطبي ص 3549
99- انظر تفسير الطبري 13/104 ، والدر المنثور 4/63
100- انظر الدر المنثور 4/63 والإتقان 1/159
101- انظر مختصر شواذ القرآن لابن خالوية ص 76
102- انظر هذه الروايات في الدر المنشور 4/150 والإتقان 1/242
103- انظر تفسير القرطبي ص 3853
104- انظر مناهل العرفان 1/191
105- نظر تفسير الطبري 15/47 والدر المنثور 4/170
106- انظر الدر المنثور 4/171
107- انظر شواذ القرآن لابن خالوية ص 75
108- انظر الدر المنثور 5/48 والإتقان 1/242
109- انظر روح المعاني 18/165
110- انظر شواذ القرآن لابن خالويه ص 102 والدر المنثور 5/48 وفي هذه الاختلاف دلالة قوله على أن ما روى عن ابي انه قرا به انما مراده به التفسير والا فيبعد أن تكون هذه كلها قراءات ثابتة بالتلقي والسماع وهذه القراءات التفسيرية كثيرا ما ترد عن بعض الصحابة والتابعين فيظن من لا يعرف أنها قراءات تلاوة والحق ما ذكرناه لك
111- انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة ص 378
112- انظر كتاب تعلبقات على القرآن أخطاء لغوية ص 82 - 83 تاليف خدام الرب سلسلة الهداية - العدد الرابع ط النما
113- انظر روح المعاني للآلوسي 4/187
114- انطر روح المعاني للآلوسي 9/87
115- أخرجه البخاري في كتاب التفسير 10/56 ومسلم 8/500
116- انظر تفسير القرطبي ص 4417 - 4418 وروح المعاني 17/133
117- انظر روح المعاني 17/133
118- انظر روح المعاني 26/149 - 150
119- انظر إتحاف فضلاء البشر ص 417 وروح المعاني 8/117
120- انظر كتاب أقلام مسمومة تهاجم الإسلام ص 153
121- انظر مناهل العرفان 1/379 ورسم المصحف ص 157
122- أخرجه مسلم في كتاب الصلاة 3/256 من صحيح مسلم بشرح النووي
123- راجع شرح النووي على صحيح مسلم 3/248
124- انظر فتح الباري 7/127 -128- 158
125- انظر سير أعلام النبلاء للذهبي 1/321
126- انظر الجمع الصوتي للقرآن ص 109 للدكتور لبيب السعيد
127- انظر الإتقان 1/132
128- انظر منجد المقرنين ص 61
129- انظر شرح ما يقع في التصحيف والتحريف للحسن بن عبد ا لله بن سعيد العسكري ط / دار المعارف .
130- انظر الجمع الصوتي للقرآن ص 107
131- انظر أقلام مسمومة تهاجم الإسلام ص 159
132- انظر مناهل العرفان 1/398
133- انظر رسم المصحف ص 164 د. عبد الحي الفرماوي
134- انظر مناهل العرفان 1/398
135- انظر إتحاف فضلاء البشر ص 123 لأحمد بن محمد بن أحمد الدمياطي .
136- انظر المحكم للداني ص 21 وحياة اللغة العربية لحفني ناصف ص 67
137- انظر دراسة في مصادر الأدب العربي د طاهر احمد مكي ص 58
138- انظر الفهرس لابن النديم ص 45
139- انظر الفرست ص 26 وصبح الأعشى 3/160
140- انظر الخليل بن أحمد - عبد الحفيظ ابو السعود ص 106
141- انظر وفيات الاعيان - لابن خلكان ص 1/55
142- انظر لسان العرب 12/388
143- انظر النجوم الزاهرة 1/127
144- انظر صبح الاعشى 3/161
145- انظر لسان العرب 2/679
146- انظر المحكم ص 37
147- انظر دراسة في مصادر الادب - د طاهر احمد ص 68
148- هو الخليل بن احمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي وهو الذي استنبط علم العروض قيل كان يوما يقطع ابياتا من الشعر فدخل عليه ولد له رآه يحدث نفسه الكلام غريب ، مخرج وهو يقول : جن ابي ..، فاجتمع الناس عليه ولما علم الخيلل بالامر نظر إلى ولده وقال :-
لو كنت تعلم ما اقول عذرتني او كنت اجهل ما تقول عذلتكا
لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمنت انك جاهل فعذرتكما
انظر المقامة السروجية مجمع البحرين لليازجي ص 180 ، وانظر الخليل بن احمد لابي السعود
149- انظر المحكم ص 7
150- الروم وجه من وجوه الوقف على المتحرك من الحروف، وهو الاتيان بالحركة مع اضعاف صوتها وكانك تورم الحركة مختلسالها ولا تنمها ، وعلاقة الحرف الذي وقف عليه بالروم أن يوضع بعده خط افقي صغير هكذا انظر معجم المصطلحات الصرحية ص 96 .
151- الإشمام : نوع من أنواع الوقف على المتحرك، وهو ضم الشفتين بعد تسكين الحرف الأخير ولا يكون إلا فيما حركته ضمه بناء او إعرابا و أما غيرها من كسر أو فتح فلا إشمام فيه انظر معجم المصطلحات النحوية والصرفية ص 119
152- انظر الخليل بن احمد لأبي السعود ص 110
153- انظر مدرسة الكوفة للمخزومي ص 36
154- انظر المحكم في نقط المصاحف الداني ص 3 4
155- انظر الإتقان 1/171
156- انظر صبح الأعشى 3/162