خلعت نظارتي، وألقيت بها على مكتبي ركنت بظهري إلى المقعد ورأسي ممدود إلى الخلف، سقطت جفوني رغما عني
، وضعت سماعة البلوتوث في أذني أستمع بعض الأغاني... ما احلاها عيشة الفلاح، أخذتني هذه الكلمات، جرتني كلماتها إلى الماضي جرا، يوم أن سمعتها عبر الراديو الخشبي، وسألت أبي: هل حياة الفلاح فعلا هنية مرتاحة؟ ألا تذكر أن جدي عمل طول حياته بالسخرة عند أصحاب الوسايا مقابل بضعة قروش؟ ابتسم لي وهو يقطع لقمة خبز يغمسها في طبق الفول ثم يناولني إياها مبتسما: الفلاح عرف السر، فملك كل شيء... سمعت همهمات وضحكات مكتومة حولي وأنا مازلت مغمض العينين، شعرت بيد تدفع كتفي الأيسر، صائحا بصوت أجش: قوم يا أستاذ، أنت فاكر نفسك في وسية، تمطيت، وأنا أدلك جفوني وقلت بشيء من السخرية: ههههه ياريتها دامت أيام الوسية، فيقاطعني بصوته الجهوري، طيب جهز نفسك للتحقيق أمام مديرك الكابوي الأحمق، أُسْقِطَ في يدي فأنا لن أخرج من مكتبه ويدي فارغة... بدد بعض القلق رسالة سعيدة من البنك:(تم قيد راتبك الشهري)، تلتها رسالة من زوجتي اعتدت عليها و أحفظ مضمونها، لكنها هذه المرة جعلت الغيظ يأكل جسدي كما تأكل النار الحطب ، صحيح أن راتبي كبير و بالعملة الصعبة، لكنني لم أذكر مرة أنه وَفَّى بمتطلبات معيشتنا، ركبت سيارتي وبالي مشغول بحساب الفواتير الشهرية، ملابس العيد، القسط الأول من مصروفات مدارس الأولاد الانترناشيونال، مستحضرات تجميل زوجتي، طعام الكلب اللولو والقطة السيامي، انتفخت جيوبي بالفواتير التي أسرعت بسدادها قبل أن أعرج على المول حيث تنتظرني زوجتي، امتلأت عربتها الضخمة بالأغراض لم ترقب فيما تبقى من راتبي إلًا ولا ذمة، امتلأت عربتي الإضافية أيضا، تقفز الأرقام على شاشة الكاشير فيرتفع معها مستوى الأدرنالين في دمي، تعبت من الحساب... كنت أخشى أن يخذلني راتبي، أحصي أثناء عودتي المعارك التي سأخوضها مع زوجتي طوال الذي سيحل كضيف ثقيل، تقدمتني زوجتي إلى المصعد وهي تلهو بهاتفها وأنا أتبعها صمتا متجهما، تناهت إلى مسامعي ضحكات البواب مع زوجته و أولاده، تحلقوا حول صينية على الأرض يتناولون العشاء، ألقيت نظرة عليهم وأنا أتمتم على باب المصعد: عرفت السر يا أبي.
٢٠٢٠/٧/٢٢
ما احلاها عيشة الفلاح بقلم محمود فودة
تاريخ النشر : 2020-07-26
