القمينة بقلم محمود فودة
تاريخ النشر : 2020-07-25
القمينة بقلم محمود فودة


صوت أبي يرن في أذني: عمك علي سيحرق قمينته اليوم، هللت وأطلقت ساقي للريح أخبر إخوتي وأترابي لنذهب سويا.. عقارب الساعة مثل سلاحف تجاوز عمرها المائتين، أخيرا، وقفت إلى جانب أبي بالصف الأول نصلي المغرب، تواتر أهل القرية بعد الصلاة على جرن عم علي، في وسط الجرن تقف القمينة شامخة، لولا أنها عارية لظننتها الكعبة لها جهات أربع وفي أسفلها فتحات متصلة، يزين حرفها الأعلى من جميع الجوانب عرائس من الطوب وحولها أكوام كبيرة من حطب القطن و فروع أشجار الكافور و الصفصاف وأخشاب نخرها السوس أعدت وقودا للقمينة، بعد صلاة العشاء، بدأت المعركة الأبدية، جلست خلف أبي أتابع ما يجري حولي، تلتهم النيران كل ما يوضع لها، تتسلق النيران القمينة سطرًا سطرًا، تحت سطوتها يستحيل الطوب الأخضر جمرا، سمعت صياحا، وتكبيرا وحوقلة... ألحقوا، ركن من أركان القمينة ينفسخ عنها، أطلت نار جهنم برأسها من شرخ فيها ، أسرع الرجال إلى الطين يحملونه ويسدون به الشرخ الذي يتسع، ضربات قلبي تزيد، صياح الرجال يرتفع، هرج ومرج بالجرن، خشيت أن تقع الكارثة في أي لحظة، الشرخ ينحدر هبوطا، و يتسع من جانبيه، عجزت لفائف الطين عن سد الشرخ تزداد النيران سطوة، أسرع أبي إلى جذع شجرة في أقصى الجرن عند حظيرة المواشي فحمله وبهدوء أنزله عن عاتقه ووضعه عند الشرج وضغط عليه... الشرخ يضيق، ضغط أبي على الجذع بكل قوته، التأم الشرخ، سدت الثقوب بالطين...أخيرا بعد عناء، الطين ينتصر على النار ، هلل الجميع وانقلبت الصرخات صفيرا، أقبل الجميع يصافح أبي، يهنئونه على عمله، دارت أواني الشاي المصنوع على الراكية على الحضور، ومعها لفائف الدخان، تصاعد الدخان الأزرق مزهوا بالنصر ، دخل وقت السحر، تقترب النار من قمة القمينة... خلا الجرن من الوقود، أغلقت عيون القمينة السفلية وسدت كل الفتحات في هيكلها، كأنها إناء مضغوط يحترق الطوب الأخضر ذاتيا، انفض الجمع إلا أنا، وقفت أفكر كيف سينتهي الصراع الأزلي بين الطين والنار، قطع خلوتي وتأملاتي كف أبي ذو الأصابع الضخمة، أمسكني من معصمي الدقيق وتأبطني قائلا: الحرب لم تنته، يالِغباءِ إبليس!
٢٠٢٠/٧/٢٠