غالب هلسا مفاهيم ورؤى نقدية 6/6هيمنجواي والكتابة العربية كما يرى غالب هلسا
تاريخ النشر : 2020-07-25
غالب هلسا مفاهيم ورؤى نقدية
6/6هيمنجواي والكتابة العربية كما يرى غالب هلسا
بقلم: د. محمد عبدالله القواسمة

يرى الأديب والناقد الأردني غالب هلسا بأن الروائي الأمريكي هيمنجواي كان له دور واضح في الكتابة العربية الجديدة التي تجاوزت المدرستين اللتين سادتا الحياة الثقافية والأدبية العربية في ستينيّات القرن الماضي، وهما: المدرسة الرومانسية، والواقعيّة الاشتراكية العربيّة. وذلك بأن طرح حلولًا للعلاقة بين الأدب والواقع؛ فقد لاحظ بأن قضية الانتقال من مساءلة الواقع الظاهر إلى الواقع المضمر هي المسألة التي تحتلّ المكانة المركزيّة في وظيفة الأدب المعرفية، وكان هذا الانتقال يتمّ بطريقة ميكانيكية، ويوضّح غالب ذلك بأنّ توافر ظواهر معينة في المشهد القصصي أو الروائي كان يؤدي إلى حقيقة محدّدة، فوجود عامل رث الثياب سوف يكشف عن مناضل مستعد للتضحية. إن الحلول التي يطرحها هيمنجواي للعلاقة بين الأدب والواقع تتصل برؤيته للعالم، وأخرى تتصل بالتقنية الأدبيّة، فرؤيته للعالم تنبني على الموقف الأساسيّ الذي تنطلق منه وتدور حوله كتاباته، إنّه موقف الإنسان في مواجهة الموت، فديمومة " اختيار الخطر ورفض التراجع أمامه هي السعادة الحقيقيّة".
وأمّا تقنية هيمنجواي التي تسمّى نظرية جبل الجليد العائم، فتقوم على تصوّر جبل جليد يظهر خمسه فوق سطح الماء بينما أربعة أخماسه الأخرى مغمورة في الماء، وتشكل الكتابة الخمس البادي للعيان، أما الأخماس الأخرى فهي متروكة للقارئ كي يعرفها من خلال ذلك الخمس الظاهر. وتتمثل في رؤية هيمنجواي للجزء الظاهر من الجبل رؤيته للكتابة، وهي:
ـ أن الكتابة رؤية بصريّة تكشف كثافة الانفعالات الكامنة وراءها. كأن يتكشف التوتر لدى الشخصية من مشاهدة يدين ابيضت عروقهما وهما ممسكتان بمسند كرسي بقوة.
ـ الكتابة مجموعة من المعلومات المحايدة نستطيع أن نتبين خلفها التكوين الروحي للإنسان. ففي رواية" الشمس تشرق أيضًا" نتعرف التكوين الروحي للشخصية اليهوديّة بمعرفتنا حياة الشخصية كوهين، فكوهين هذا شاب يهودي أمريكي، يعيش في باريس، ويحب امرأة، يرفض الزواج منها، وهي تفسر ذلك بأنه يريد عندما يعود إلى أمريكا أن يقول إن له عشيقة في باريس، ويتعلم كوهين الملاكمة، وكان مدربه يتوقع له مكانة بارزة في عالم الملاكمة، لكن كوهين يصرّح أنه تعلم الملاكمة ليدافع عن نفسه فقط، لقد استطاع هيمنجواي بهذه المعلومات المحايدة أن يصل إلى معرفة التكوين الروحي لليهودي " ذلك الذي لا يستطيع أن يعيش باطمئنان إلاّ خلف أسوار (الغيتو) . إن أعمق ما يشعر به اليهودي هو أنه يعيش في وسط عالم معاد، لذلك يحاول دائما أن يجد سورًا يختبئ وراءه". إن هيمنجواي يرصد مظاهر العالم الخارجيّ، وفي أثناء ذلك يُتيح للقارئ أن يكتشف الخلفيات الروحيّة النفسية لشخصياته. وكلّما كان القارئ ذكيًّا استطاع اكتشاف خلفيات هيمنجواي ومواقف شخصياته بشكل أعمق. كما يستطيع أن يبني بنية موازية للبنية الروائيّة. علمنا هيمنجواي التخلص من اللغة الرومانسيّة المترهلة، اللغة التي لا تقول شيئًا وإنّما تكتفي بغنائية زائفة. لغته البرقية، يقول غالب هلسا:" خلّصتنا من لغة بلاغيّة مثقلة ومن لغة ينقصها العمق. إن لغة هيمنجواي البسيطة تكتسب زخمها من الجزء المحذوف المحال إليه القارئ، تلك الأخماس الأربعة المختفية من جبل الجليد العائم".
بهذا الفهم للعلاقة بين الأدب والواقع كان تأثير هيمنجواي في الكتابة العربية التي انطلقت في نهاية ستينيات القرن الماضي.
[email protected]