مأتم الكرامة وأفراح البركان بقلم:فرج الجطيلاوي
تاريخ النشر : 2020-07-18
قصة قصيرة: مأتم الكرامة وأفراح البركان
المشهد الصفر
بعد ألإنسحاب "التكتيكي" كما صرح بذلك الناطق باسم القائد العام " مثلما يحب ان يردد" من جنوب العاصمة طرابلس الكبرى. بدأ نا نعودو ا بتوجس إلى بيوتنا في مناطق صلاح الدين، وحي الزهور، وطريق النهر، والخلة، واليرموك ، فاطمة الزهراء، ريف طرابلس الجنوب الشرقي، وادي الربيع، ريف قصر بن غشير، طريق المطار، طريق السواني ، العزيزية. وغيرها مما يسمى بجنوب طرابلس.
لازالت أثار التوتر مخيمة من طريق الشوك مرورا إلى طريق السدرة . عند مسجد السدرة تبدأ الطريق الفرعي التي تؤدي إلى الخلة . لم يخلو الطريق المتعرج من السواترالترابية تاركة مسربا يسمح بمرور سيارة واحدة فقط. أغلق هذا الطريق المتعرج نهائيا مما كون منعطفا يشبه حذوة الفرس ليعود الطريق إلى منحنياته المتكررة . هنا يقف مسلحان يبدو عليهما السهد وألإعياء يتكلمان اللهجة الشامية يتبعان "بركان الغضب". ويشيران إلى تغير مسارالحركة عند هذه الحذوة. عبر هذا الطريق المدمر تجثم ألإخفاقات. وتتحطم الممتلكات. لم يبق شيئ تسكنه العافية.
سقطت كل الترهات. تعرت ألأمنيات البغيضة. أنكشفت المعنويات الكاذبة التي كان يملأ بها اللواء المسماري محطات الإصطفاف البغيض" زاعماً أنّ "جميع المحاور من دون استثناء، أوضاعها ممتازة جداً، وفي جاهزية تامة لاستكمال مهامها". ...". تعمقت العداوات التي يلهج بها صوت المتحدث الرسمي با سم حكومة الوفاق" العقيد قنونو" :"نحن من نقرر متى سننهي هذه المعركة !".

المشهد ألأول
الدمار هو المشهد المهيمن، الطرق الحزينة، ومأتم الأشجار، وأكفان المباني، أعمدة ألإضاءة المحطمة. أسلاك الكهرباء المتقطعة. السيارات المحروقة المدنية وذات الطابع الذي يبدو عسكريا، وبعض الدبابات كجثث الحميرالتي ماتت جوعا . سيطرت حالة من الغضب على مشاهد العائدين . تلقت القلوب المكلومة الصفعات والفواجع.
الهضبة الصغيرة التي يطل منها " جامع الفاروق" الذي لم تمض سنوات قليلة على إفتتاحه. تناثرت فوقها بشكل عبثي حجارة البيوت المهدمة،وأعمدة ألإنارة الصرعى كجذوع ألأشجار اليابسة. كما تصرمت أسلاك الكهرباء عالية الجهد عبر سفحها .
بجوار سياج الجامع الذي خربت أجزاء كثيرة منه، وحتى مأذنته لم تسلم من ألأذى. ينتصب ساتر رملي أخر يسمح بمرور سيارة واحدة . على الجانب المقابل يبدو مخزنا لمواد صناعية وقد دمر تماما.
يلتقي طريق جامع السدرة عند جامع الفاروق بالطريق المتفرع من طريق صلاح الدين نحو معسكر اليرموك مرورا بجامع ألأبل والذي دفع فاتورة ألإحتراب وكان القيمون عليه ينحرون ألأبل إبتهاجا باْلانتصارات في غمرة الربيع الليبي في العام 2011 م كما كانت تهاليل التكبير تنطلق من مأذنته عقب كل غارة من غارات الناتو على معسكر اليرموك مقر اللواء "إثنان وثلا ثون" المعزز . عند هذا الملتقى تتراكم خيبات الطرفين المتقاتلين. تشهد على الممارسات الحقيقية للأرهاب الممنهج وعلى الطريقة الجهنمية لتطبيق الجيل الرابع من الخراب الموأدلج.
المشهد الثاني
عندما سلكت أحد المسارات داخل أحد إحياء جنوب طرابلس وبالتحديد "خلة الفرجان". عرقلتني مخلفات الحرب. أكتشفت المعنى الحقيقي للصراع بين الذي كان يتحدث عنه "اللواء المسماري، والعقيد قنونو". إنه صراع المجموعات المتحاربة والشرسة التي تتقاتل بالوكالة لكي تنال الرضى من المشغلين.
تاججت مشاعر الغبن في ذاكرتي وأنا أوفتش عن المبرارات التي من أجلها يتم إكراهي على قبول واقع فاشل . يتحجج ألأغبياء والمتعلقون بعقيدة إستحسان الرداءة المستجدة .متشبثين بحالة أستجداء الرعب.
أجدني مرغما اقف في ركام مخلفات الأشتباكات التي دار رحاها وسط غرف البيت التي كانت أمنة. فهذه سقف صالة الضيوف وقد حفرت بقذيفة لا أعرف إن كان نتيجة قصف من طا ئرة "الدرون الصينية" الصنع التي يتحكم في توجيهها مرتزق لأحد قبائل أبوظبي، أو منافستها طائرة" بيرقدار"تركية الصنع ويستخدمها مقاتل تابع للحكومة "المعترف بها دوليا".وربما يتحكم فيها أحد مجندي ما يعرف بـ"الجيش السوري الحر". فهنا يقاتل ألأمويون بعضهم بعضا على شواطيء شمال افريقيا إكراما للحلم ألأزرق.
ملأت الحيطان الداخلية لما تبقى من بنيان بالكتابات الرذيلة " حك تنحك" والنصائح التي تعبرعن جهالة من كتبها، تناثرت قطع أثاث البيت وزجاج النوافذ مهشمة. تحطمت الأبواب الرأيسية للبيت. لم أستطيع إحصاء الثقوب التي نالت من باب المرأب بسبب القذائف. لم ينسى أحد أفراد الكتيبة الخامسة التي يتمتع أفرادها بروح معنوية عالية كما يصرح المسماري أمام محطة "الحدث الخليجية" أن يخط على حائط الوجهة ألأمامية مشاعره اليائيسة" ميتين أوعائيدين منهزمين".
بالرغم من أن دورات المياه لم تنال نصيبها من ضرب الرصاص إلآ أن العبث المتعمد قد أصابها. كانت مكبا للمخلفات والقاذورات البشرية التي ووضعت في أكياس من البلاستك والقيت وسطها، كانت رائحة العفن البشري لا تقاوم. من الشرور المضحكة المقززة ان تملأ علب المياه البلاستكية الفارغة بالبول وترمى فوق أسطح المباني، أوفي الغرف وحتى وسط المبردات المهشمة وقد تكون مدلوقة في ركن فوق الغائط في مكان يشبه المخبأ تحت السلا لم. لقد كان الذعر والهلع مخيما على أفراد هذه الخامسة.
ترك أحدهم أسمه ورقم هاتفه على الجدار مدعيا أنه جاء مجاهدا في سبيل الله ولا يتمنى إلا "النصرأو ألإستشهاد" والله وأكبر ولله الحمد. وتمشيا مع قناعته هذه ترك مجموعة من المصا حف والمصليات المبعثرة في أمكنة متسخة مدعيا أنها هدايا لمن يتبع الهدى. أقشعر جسدي من هذه التصرفات الرعناء . كانا العبث والياس هما الخلق السائيد عند هؤلاء. ربما هنا حصلت مشادة بين الضميروالشعور لديهم. أنقلبت لديهم جميعا شعارات التمرد التي كانت تتصدر واجهات البيوت المدمرة إلى مشاعر ا لاحساس بالذنب.
لقد تراخت وتهدلت إرادة البحث عن هوس الكرامة المزعومة منذ إنتهاء لهيب المحرقة التي أشعلها الناتو منذ تسع سنوات مضت. هذه الكرامة التي أنتهكت مع أول دمعة سكبها شلقم ومسحتها سوزان رايس يومئذ.
ايقنت وانا أتصفح هذه المشاهد إنه إذا كانت ضربات الناتو خلقت "فوضى عارمة" جعلت السيادة في مهب العواصف . فاءن ما حصل بعد أبريل 2019 أدى إلى الفاجعة الكبرى للعذابات. منازل مهدمة ونفوس منهزمة أنهكها اليأس تواجه في كل لحظة أستدعاء الرعب وتتمنى فقط "دولة فاشلة"يستفزها ذباب القمامة النازح بين مكب معيتيقة أو مكب اليرموك وتتسكع في أنحائها الكلاب الضالة.
المشهد الثالث
تختلف اللعبة قليلا في منطقة صلاح الدين ومحيطها التي تمتد من كلية طب ألأسنان إلى معسكر حمزة ومشروع الهضبة . هنا تشم رائحة صراع المخابرات.لقد أظهرت ألأثار إنضباطية التصرفات. هنا في هذا المنزل ووضعت علامات تفيد إنها كانت غرفة عمليات تابعة لقوة مساندة أجنبية"مرتزقة" لمليشيات الكرامة.
كان الدمار اقل مما ووجد في محور الخلة الذي كان تحت سيطرة مجموعة مليشيا محلية يعلق عليها المسماري ترقيته القادمة. فيما يصفهم "العقيد قنونو" بأنهم أتباع المتمرد حفتر.
تشير التحركات وألإشتباكات التي كانت تدور وسط وفي محيط هذا المنزل في منطقة صلاح الدين إلى حرفية هذه المجموعة في التعامل مع ظروف الحرب . بدا أنها كانت تحصي مواقع المجموعات المعادية. وترصد بدقة ألأهداف من خلال توثيقها بالرموز وألأرقام للممسافات التي تتمركز عندها أهداف الخصوم . ولم يكن هناك أستهداف لها مثلما هو الحال في المواقع التي تسيطر عليها صديقتها"الكتيبة الخامسة, كتيبة عمر المختار، كتيبة طبرق" في جبهة طريق النهر، ومحيط الجوازات وامتداد الطريق من ألإشارة الضوئية الواقعة على الطريق بين جامع الأبل ومحطة الوقود القديمة. هناك كان ألإنهاك والتذمروالعجز والأرتباك حالات مهيمنةعلى من يعلق عليهم الناطق باسم المشيرألإنتصارات البوبجية.
كانت كل النوافذ وألأبواب مغطاة بستائر معتمة . يتم الإنتقال بين أمكنة تواجدهم بواسطة مصابيح متنقلة. عملت فتحات هندسية وبزوايا محددة بحيث إذا جلس القناص براحة تامة مستخدما المنظار يمكنه أن يرصد أي تحرك في شرفات أونوافذ العمارات المجاورة للإشارة الضوئية عند تقاطع منطقة صلاح الدين. هنا تشيرأثار التصرفات إلى النشاط والروح المعنوية التي تتمتع بها هذه الزمر المساندة "المرتزقة"والتي لم يجرؤ اي من الناطقين التطرق لها بأية كيفية في مؤتمراتهم الصحفية طيلة مدة المواجهات.
مما يدعو للحيرة أن إستعمالهم لدورات المياه كان على قدر كبير من ا للباقة. ليس كما هو الحال عند المجموعات المنهكة والمتذمرة ا لتي تركت دورات المياه في البيوت كحضائر الخنازيرفي المنطقة المحيطة بمسجد التوحيد و مسجد الفاروق، ومحطة البنزين الجديدة" شيل السويحلي" .
يمكن بسهولة التعرف على إهتمام هذه الزمر المتمترسة في هذا المحور"صلاح الدين" أنها شغوفة بحسابات المال من خلال كتابة ألأيام والمساحات مسعرة بالدولار. هذا ما عكسته الكتابات المنتقاة بعناية باللغة ألإنجليزية وقليلا باللغة الروسية داخل غرف المنازل قليلة التدمير. يظهرهنا ايضا حضورالوسم الطائفي الغيرمعهود وكذلك علامة الصليب.
كتب أحد زعماء المرتزقة والتي يصفها المسماري يالمجموعات المساندة رسالة على جانب من حيطان " المربوعة"
السيد صاحب البيت: لقد قضينا أياما محببة لنفوسنا في بيتك ونعتذر إذا سببنا لك أي شيء غير لائق.
كما أننا ، نستسمحك عذرا بأخذ ثلاث كتب من مكتبتك للذكرى. وشكرا .التوقيع" P.S " .
المشهد الرابع
تمزق نياط قلبي مشاهد وادي كان يسمى ربيعا مطلقا ليس به كاف التشبيه . ساحات الصراع المحشو بالحقد أكتسحت عين زارة الجنوبي من مسجد الكحيلي إمتدادا لما سمي أبتهاجا في الماضي الجميل بطرابلس الجديدة . صار أكواما من المخلفات ، فجميع مساجد عين زارة أحترقت. وشوهت ماذنها، تلعن نوافذها قتلة الشمس وإطلالة القمر. هم كسروا انوف المأذن لكنهم لن يخنقوا صوت الله بالرغم من سحق الإيقاع العفوي للحياة.
العن فيهم أرواح الشر وكل المسميات التي أغتسلت فيها أفعالهم. رصدت كل ما نشروا من غسيل عقولهم الذي دمر متعمدا كل الممتلكات. لقد وصل الحقد إلى ألأر حام. الوطن يزال من الرحم. الذين هللوا للناتو وابتهجوا يوم نحر ألأب وأقتيد التاريخ إلى أوكار العهر. يلطمون خدودهم. يترجون الخنازير العربية أوالعثمانية وكل غزاة التاريخ أن يحلوا عقد حظهم.
يصرح المسماري إن قوات الوطن المسلحة هي طوق نجاته. يرد قنونو أن قوات الوطن البطلة كسرت انف المشير الغازي ومرتزقته.
نظمت أحتفالات خجولة إحتفاء بالتحرير التاسع في الميدان الذي تطل عليه "السرايا الحمراء"وفي بعض من ألأحياء المنعمة والتي كانت فقط تنام وتصحو على أصوات ألإنفجارات البعيدة ألأتية من أقاصي جنوب العاصمة طرابلس. بينما أنتشرت في احياء بنغازي قريبها من المحكمة والكيش والذي بعيدا بجوارالرجمة وصولا إلى مناطق طبرق طوابير خيام العزاء التي تبحث عن يقين في ترهات الوهم. أتضح للباكين على موتاهم أن ألإنسحابات التكتيكية منذ هزيمة غريان هي تبرير للتقهقروالهزيمة وتلاش لساعات الصفرالمتكررة.
فرج الجطيلاوي 30-6-2020