(تقديم محمد المحسن-شاعر وناقد تونسي-عضو في اتحاد الكتاب التونسيين)
قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن مصطلح "الكتابة النسائية" أو "الإبداع النسائي" لا يعبر عن نظرة تجزيئية للأدب،بل الطموح المنهجي للكشف عن الجرح الأنثوي الذي يسكن الكتابة النسائية وعن قواعد لعبة الانتماء من خلال فعل الكتابة عند أقلية فاعلة داخل مشهدنا الثقافي العربي.
في هذا السياق،أؤكّد أن الشعر جاء ليعيد مد الجسور،فأعلنت الشاعرة عن نفسها بقوة، وبدرجة عالية من الإحساس،لتحرير نفسها من حبال الخوف والتردد،مهما اشتدت قساوة الآخر.
وإذن؟
الشعر يولد،إذا من الروح والارواح متشابهة،واذا كانت الروح نقية وشفافة ومعطاء،جاء الشعر على هيئتها وجوهرها والعكس كذلك.
وهنا أشير إلى أنّ الحركة الشعرية النسائية التي انطلقت منذ عقود ساهمت،كحافز وكمحرض، في قيام انطلاقة شعرية جديدة كانت تجمع شعر الجمالية الحديثة والتراثية ضمن تعبير غنائي موزون شبيه بالشعر الفرنسي في القرن التاسع عشر،ولقد قامت على سبيل المثال رشا عمران من سوريا وفاطمة ناعوت من مصر وجمانة حداد من لبنان ومليكة العاصمي من المغرب من الشاعرات بنفح الأدب العربي النسائي بسيريالية مدجنة ورؤيا شجاعة مميزة وحديثة.
ولعل العلامة الأكثر بروزاً في هذا الشعر كانت نوعاً من الرمزية الجامحة والاستحضار اللازمني اللذين جعلا هذا الشعر صعب المنال بالنسبة الى الجمهور الواسع ،ومع مرور الوقت أصبح هذا الشعر اكثر صفاء واكتسب عمقاً وبساطة وتميزاً في المضمون وفي التعبير..
خلاصة القول أقول:كلّ قصيدة هي أسطورة عشق..يضعها شاعر أو تضعها شاعرة لخلق العالم من جديد..وإن لم تكن كذلك فهي لا شيء..والشاعر/الشاعرة لا يستعيد أسطورة أو يستلهمها فقط، بل يكتب أسطورته،ليضع نفسه ويضعنا أبدا أمام ذواتنا في بداياتها.. بداياتها المتجدّدة التي لا تنتهي..وأعظم تصوّر لهذه البدايات أن نكون ..أن يكون وجودنا أسطورة خلق.. أسطورة عشق،في ترابط عضوي بين الحبّ والخلق،علّة وغاية،فعلا وقصدا..
إنَّ القراءةَ المتأنية للقصيدة التالية التي تحمل إمضاء الشاعرة التونسية المتميزة هادية آمنة، تظهر بشكلٍ جلي أنَّ عاطفةَ الحب الصادق المقرونة بمسحة الجمال تشكل أبرز الينابيع التي أثارت قريحة الشاعرة-هادية-الإبداعية،وحفزتها على البوح شعراً،إلى جانب تجسيد عواطفها رسما بالكلمات..وقد أضفت-هادية-بجهد غير ملول على الإبداع النسائي مسحة من الجمال،زاد أدبنا رقة،عنفوانا،وتميّزا خلاّقا..
ومن لا يجيد الرقص على إيقاع الكلمات أدعوه..الآن..وهنا..-بعفوية مطلقة-إلى الإستمتاع بالنغمات الشعرية التالية،وحتما سيحصل التناغم،بين الشاعرة والمتلقي..
وجه القمر
يا ساري الليل مهلا لا تقُل
وحيدة تشكو من بُعْدِه الأمر
تَذْرِفُ من عينها أغلى الدُرر
عن ساكن في القلب راح واندثر
في مَفْرق شَعره نور أغر
تلظى بحبّها يوما و استعر
تاركا عندها أحلى الصّور
تحضنها لحظة ثمّ تدُر
لتبعث زفرة منها تفرّ
عشقها هو وجه القمر
تشتاق معه حلو السّهر
فصار نومها كرّا وفرّ
هادية آمنة
