اللاجئون الفلسطينيون وزمام المبادرة بقلم: عماد عفانة
تاريخ النشر : 2020-07-14
اللاجئون الفلسطينيون وزمام المبادرة  بقلم: عماد عفانة


اللاجئون الفلسطينيون وزمام المبادرة
عماد عفانة

اللاجئون الفلسطينيون في نظر الأمم المتحدة؟

في أعقاب الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني سنة 1948، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول/أكتوبر 1949، قرار رقم 302 بتأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" بهدف تقديم برامج الإغاثة المباشرة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين، لتبدأ الوكالة عملياتها مطلع أيار/مايو من عام 1950.

من هم اللاجئون:

تعرّف "أونروا" اللاجئين الفلسطينيين بأنهم: "أولئك الأشخاص الذين كانوا يقيمون في فلسطين خلال الفترة ما بين حزيران 1946 وحتى أيار 1948، والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948.

لمن تقدم الأونروا خدماتها:

الخدمات التي تقدمها الأونروا متاحة لكافة اللاجئين الذين يقيمون في مناطق عمليات الأونروا الخمس (سوريا لبنان الأردن غزة والضفة الغربية) والذين ينطبق عليهم هذا التعريف والمسجلين لدى الوكالة وبحاجة إلى المساعدة.

 كما أن ذرية هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة.

أعداد اللاجئين بين الأمس واليوم:

الأونروا كانت تعمل على الاستجابة لاحتياجات ما يقارب من 750 ألف لاجئ فلسطيني في عام 1950، لكن العدد وصل اليوم إلى نحو 6 ملايين لاجئ مدونين في سجلاتها، فضلا عن نحو 3 ملايين لاجئ آخر غير مدرجين في سجلات الأونروا .

ما هي الحقوق التي تكفلها الأمم المتحدة للاجئين؟

طبقا لاتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئ، المصادق عليها من 145 دولة، للاجئين عشرة حقوق أساسية أبرزها:

1-   حظر الطرد إلا تطبيقاً لقرار متخذ وفقا للأصول الإجرائية التي ينص عليها القانون، على أن يُتاح للاجئين حق الاعتراض

2-   ألا تفرض الدول على اللاجئين عقوبات جزائية بسبب دخولهم إقليمها أو وجودهم فيه دون إذن

3-   الحق في العمل

4-   الحق في السكن

5-   الحق في التعليم

6-   الحق في الحصول ما يُمنح في مجال الإغاثة والمساعدة العامة

7-   الحق في ممارسة الطقوس الدينية

8-   حق التقاضي الحر أمام المحاكم

9-   الحق في حرية التنقل ضمن أراضيها

10-                      الحق في الحصول على بطاقات الهوية ووثائق السفر

اللاجئون الفلسطينيون داخل فلسطين:

بلغت نسبة اللاجئين داخل فلسطين حوالي 41% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 26% من السكان في الضفة الغربية، ويعانون من الاحتلال الصهيوني، الذي يواصل اقتحاماته واعتداءاته على اللاجئين والمخيمات، إلى جانب سوء الأوضاع المعيشية والظروف المزرية التي تعيشها مختلف المخيمات، بفعل شبه انعدام المستلزمات الأساسية.

في حين بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزة نحو 70 % من السكان.

يعانون من الحصار المستمر منذ 12 سنة حيث تعد نسب الفقر والبطالة من النسب الأعلى في العالم.

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان:

يعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من قوانين عنصرية ممتدة لعقود، يتمثل أبرزها بالحرمان من مزاولة أكثر من 30 مهنة، والحرمان والتملك ومنع إدخال مواد البناء إلى المخيمات، وتحديداً تلك الواقعة في جنوبي البلاد.

كما شهدت مخيمات اللاجئين العام الماضي 2019  احتجاجات غير مسبوقة، عقب إصدار وزير العمل السابق، كميل أبو سليمان، إجراءات تشترط حصول الفلسطينيين على إجازات عمل، ومعاملة اللاجئين الفلسطينيين معاملة الأجانب، على الرغم من الوضع الخاص والظروف الصعبة التي يكابدونها جراء انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وفرض البنوك إجراءات تقيد التحويلات المالية وسحب الإيداعات، ما ساهم برفع نسب البطالة والفقر في المخيمات التجمعات الفلسطينية.

اللاجئين الفلسطينيين في سوريا .. نكبات متلاحقة.

اضطر الالاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين كان يبلغ عددهم في سوريا نحو نصف مليون لاجئ فلسطيني في سوريا إلى الهجرة إلى أوروبا جراء الحرب، حيث تشير بعض الارقام إلى وصول 100 ألف منهم إلى الدول الأوروبية، هذا عدا عن النزوح إلى دول عربية، كالأردن ولبنان، إضافة إلى النزوح الداخلي، وتحديداً عقب تدمير عدد من المخيمات الفلسطينية.

يعيش اللاجئون الفلسطينيون المتبقون في سوريا أوضاعاً غاية في الصعوبة، في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، واشتداد حدة الأزمة الاقتصادية والعجز عن تأمين الاحتياجات اليومية الأساسية، إلى جانب أزمة "كورونا" وغلاء الأدوية وفقدان بعضها، ويضاف إلى ذلك ارتفاع إيجارات المنازل في المناطق التي نزحوا إليها.

كما أفرز الواقع السوري شريحة جديدة من اللاجئين توصيفهم " لاجئون مهجّرون" حيث يعيش قرابة 1400 عائلة هجّرت قسريّاً من مخيمات اليرموك وخان الشيح وحندرات ودرعا، تعيش في مخيّمات التهجير في مناطق " دير بلّوط- أعزاز- عفرين وسواها" في الشمال السوري، يعانون أوضاعاً إنسانيّة مزريّة، ويعتمدون في معيشتهم على معونات شحيحة، في حين لا يتلقّون أي مساعدات من "أونروا"، كما أنّهم محرومون من خدماتها التعليمية والصحيّة، ويشتكون من غياب أي دور لمنظمة التحرير الفلسطينية المفترض أنها الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين حول العالم.

اللاجئون الفلسطينيون المهجّرون الى تركيا بلا حقوق

 يقيم بين 7- 8 آلاف لاجئ فلسطيني من المهجرين من مخيمات سوريا في تركيا، محرومون من أيّة حقوق إنسانية واجتماعية كالحق في العمل والطبابة والتسجيل في المدارس، حتّى  عدم تمكنّه من شراء خط هاتف باسمه.

تتمثل مشكلة هؤلاء اللاجئين، بغياب وجود قانون في تركيا ينظم أوضاعهم، حيث أنّ الفلسطيني ضمن القانون التركي هو القادم من الأرضي الفلسطينية ويحمل جواز سفر السلطة الفلسطينية، ودخل إلى تركيا بموجب فيزا، بينما فلسطينيو سوريا الذين يملكون وثيقة سفر صادرة عن السلطات في دمشق لا يعاملون معاملة الفلسطيني.

كما يعانون من غياب أيّ ممثل سياسي فلسطيني عنهم، مع غياب اهتمام السفارة الفلسطينية بشؤونهم، وغياب التحركات القانونية لحلحلة قضاياهم القانونية والمعيشيّة.

 اللاجئون الفلسطينيون في الأردن والتمييز السلبي

يتجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن الثلاثة ملايين، يعانون من تمييز اجتماعي-اقتصادي، وخصوصاً القاطنين في المخيمات ومناطق السكن العشوائي المحيطة بالمدن، إذ يعيشون حياة مزرية، تفتقد شروط الحياة الكريمة، زاد من حدتها تقليصات "أونروا" التي استهدفت القطاع الصحي والتعليمي والخدمات الاجتماعية.

اللاجئون الفلسطينيون في  العراق ضعف حد التلاشي.

كان يعيش في العراق قبيل الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، نحو 34 ألف لاجئ فلسطيني، يتمركزون بصورة رئيسية في بغداد.

ظل وضع اللاجئين الفلسطينيين ملتبساً قانونياً ، حتى صدور قرار "202" لسنة 2001، والذي ساوى اللاجئ الفلسطيني بالمواطن العراقي بكافة الحقوق والواجبات باستثناء الحقوق السياسية، علما أن اللاجئين الفلسطينيين في العراق غير مُدرجين ضمن سجلات "أونروا"، فمع إنشاء الوكالة عام 1949، حيث رفضت الحكومة العراقية أن يكون العراق من مناطق عملياتها وتعهد حينها للوكالة الدولية، بالإشراف الكامل على شؤون الفلسطينيين، وتقديم كافة المساعدات مقابل عدم دفع العراق أي مبالغ للأونروا.

لكن  في عام 2017، صادق الرئيس العراقي فؤاد معصوم، على قانون يقضي بتجريد الفلسطينيين اللاجئين في العراق من كل الامتيازات والحقوق التي كانوا يتمتعون بها قبل عام 2003.

وزادت أزمة "كورونا" والإجراءات الحكومية على هذه المعاناة، خصوصاً وأن غالبية الفلسطينيين من أصحاب الدخل المحدود الذين يعملون مقابل أجر يومي بسيط، مع وقف الراتب التقاعدي للموظف المتوفَّى، وقطع منحة الرعاية الاجتماعية للأرامل وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

كما أوقفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين برنامج "بدل الإيجار" عن 200 أسرة فلسطينية، ويرافقها توقف المساعدات والعلاج التي كانت تقدمها.

اللاجئون الفلسطينيون في شتات العالم

أنتجت الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالدول المضيفة للاجئين كالحرب الأهلية اللبنانية والغزو الأمريكي للعراق والحرب في سوريا، وظروف سياسية أخرى في فلسطين وخارجها، أنتجت ظاهرة لجوء جديدة قديمة إلى الدول الأوروبية والأمريكيتين لا يوجد إحصائية دقيقة لعددهم الذي يقال أنه تجاوز مئات الآلاف، دون وجود تمثيل فلسطيني موحد لهم حول العالم.

ففي السويد التي يعيش فيها نحو3700 فلسطيني، ينظمون اعتصامات للمطالبة بحقوقهم في السكن والطبابة والرعاية الاجتماعية، بسبب رفض دائرة الهجرة منحهم حقّ اللجوء، مع أن بعضهم تجاوزت فترة وجودهم في السويد 12 عاماً.

أما في اليونان، فيتشارك أكثر من 6 آلاف لاجئ فلسطيني من سوريا وقطاع غزّة، الحياة في الجزر اليونانية مع آلاف آخرين، في مخيمات تضم أعداداً أكثر من طاقتها، وسط ظروف إنسانية وخدميّة وصحيّة متدنيّة.

أوضاع تنسحب على كثير من اللاجئين الفلسطينيين في مختلف الدول الأوروبية.

حيث يبلغ عدد الفلسطينيين في شتات الدول الأجنبية بحسب الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء،  نحو 800 ألف لاجئ.

اللاجئون وزمام المبادرة:

بعد هذا الاستعراض لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين المأساوية، بات ربما على ملايين اللاجئين عمل مراجعة تقييم لأوضاعهم، لجهة قياس درجة قربهم أو بعدهم عن تحقيق أهدافهم.

فقضية اللاجئين الفلسطينيين هي قضية العودة الى بيوتهم وديارهم التي هجروا منها، وليس قضية تأمين الاحتياجات الانسانية لاستمرار بقائهم على قيد الحياة فقط، فالفلسطيني المناضل لسان حاله اما حياة تسر الصديق واما ممات يكيد العدا.

فهدف الفلسطيني ليس تأمين حياة كريمة - وان كان هذا حقه الطبيعي كانسان- ولكن هدفه تأمين عودته الى وطنه السليب كهدف استراتيجي، والعمل على تأمين حياة كريمة له – كهدف تكتيكي- الى حين تحقيق هذا الهدف.

لكن ما نراه ان التكيتكي أصبح مقدما على الاستراتيجي، ما يفرض على قادة الشعب الفلسطيني العمل على اعادة تصحيح البوصلة، والعمل على توظيف هذا الكم العددي الهائل للاجئين، وانتشارهم الجغرافي النوعي في دول الطوق، وفي مختلف دول العالم، ضمن خطة استراتيجية لتمكين ملايين اللاجئين الفلسطينيين من أخذ زمام المبادرة، والانتقال من مقاعد المفعول به، الذين ينتظرون مساعدة الآخرين، الى مقاعد الفاعل، الذين يساعدون أنفسهم بأنفسهم، والتوظيف الذكي لما يمتلكون من قدرات هائلة اقتصادية وادارية وعملياتية، فضلا عن الثقل السياسي المستند الى قوانين الشرعية الدولية التي تصطف إلى جانب حقهم على الدوام.

اللاجئون الفلسطينيون قادرون على قلب الطاولة، ويستطيعون بعثرة مختلف الأوراق في المنطقة، وقادرون على التقدم بخطوات نوعية،  لكنهم يحتاجون فقط إلى فريق تخطيط استراتيجي، وخلايا تفكير ابداعية، وتوظيف ذكي لقدراتهم الكبيرة.