العنصرية والصهينة بقلم:ماهر الصديق
تاريخ النشر : 2020-07-13
العنصرية والصهينة بقلم:ماهر الصديق


العنصرية والصهينة

 عند النائبات تنكشف طبائع و معادن الناس ، فيظهر الشخص على حقيقته بلا تصنع و لا مراوغة ، بلا اقنعة و لا رتوش . خلال الحقبة التاريخية المفصلية التي بدأت عام 2011 ازيلت اقنعة لا حصر لها عن وجوه لطالما كانت خادعة ، بانت بملامحها و استفرغت ما بداخلها من امراض و خبائث و عرضت ما كانت تخفيه من افكار على الملأ بلا تنميق و لا تمحيص و لا لباقة . منهم من كان يدعي  الانتماء للمعارضة و رفض الظلم و الطغيان ثم ظهر موقفه جليا عندما انحاز للاستبداد و حكم الفرد و الحزب و العائلة . و منهم من كان يركب موجة  التقدمية والوطنية و القومية و الدينية ثم تبين انه من رجال استخبارات الدولة او تابع لاجهزة مخابرات محلية او اقليمية او عابرة للحدود . و من الذين كشفت الوقائع طبائعهم و قبحهم اؤلئك الذين كانوا يتركوننا نغرق بوصلات من البكاء تأثرا بمواعظهم الدينية و الذين كانوا يملؤون الشاشات بكلمات التسامح و المحبة و عدم التفرقة بين الناس على اساس اللون و العرق و القطر ، و عدم التعرض للناس من اجل افكارهم و سياساتهم و عقائدهم ، ثم فجأة و بلا مقدمات بانت انيابهم الحادة التي تقطر دما و تبين انهم من رجال الامير  او الملك او الرئيس و انهم يقبضون من خزينة الدولة عدا ما يأتيهم من حوافز و عطايا و رشاوى .

ان الاحداث المأساوية و الاحوال الداخلية المتردية و الحروب و النزاعات السياسية و المشكلات الاقتصادية كثيرا ما تخلف انقسامات اجتماعية و معيشية تنعكس بشكل خاص على الفقراء الذين لا يعرف معظمهم اسباب تلك المشكلات و من يقف خلفها و من له مصلحة في استمرارها . هذا الوضع بما يحمله من آلام  و ما يسببه من زيادة في الفقر و البطالة و الضيق و ما تؤثره على الاسر و العلاقات الاجتماعية الا انه يحمل معه طابع ايجابي وحيد ! فإنه يكشف المستور و يبين ما كان مطمور بطبقات من الغش و الكذب و الخداع ، و يجعل المخادعين وجها لوجه امام الحقيقة .

تماما كما يكون حال الشمطاء بعدما ازيلت الدهون التجميلية فظهر قبحها و دمامتها و سوء منظرها . عندها فقط يقف العاقل الحر النظيف موقفا نقديا امام نفسه ، يراجع حساباته و يدقق بمواقفه و يصحح مساره . عليه ان يسأل نفسه : كم صفقت لاشخاص خدعت بهم ، كم هتفت حتى بحت حنجرتي ، كم مدحت من لا يستحق المدح ؟ و كم ظلمت اشخاص طيبين ، كم هجوتهم و قللت من مكانتهم و اتهمتهم بعقولهم و نلت حتى من انسابهم و احسابهم و مرغت ماضيهم بالوحل ، كل هذا لخلافي معهم في الرأي او بالاصح لخلاف من اسير وراءه بلا دراية او عقل .

ان الذين يكيدون من الدهاة الفاسدين  يتمتعون بملكات لا حصر لها من المكر و الخداع و هو ما يفتقده الكثير من الناس ، فهم قادرون على تحمل الاهانات و حتى الصفعات و الشتائم ، لا يغضبون بل يبتسمون في وجوه مخالفيهم بينما قلوبهم تشتعل من الداخل و عقولهم تعمل بالتخطيط للانتقام . هكذا هم جبناء لا يواجهون و لكنهم حاقدون ينتظرون الفرصة المناسبة للانقضاض . و من كانت طبيعته بهذه الخساسة و النقص فانه قابل للتلون و لتغيير المواقف كما يغير ثيابه الرثة . و جاهز للارتماء باحضان اي جهة معادية للوطن و الامة و العقيدة من اجل مصالحه  المادية و المعنوية . و تبقى ميزة يتمتعون بها تضاف الى ميزاتهم المتعددة الاوجه، ميزة العنصرية ! فكل من ينطبق عليه الكلام آنفا لا بد ان يكون عنصريا وضيعا كارها لكل من يحمل في نفسه روح الكرامة و عزة العقيدة و حب التضحية و الفداء من اجل عقيدته و امته  و وطنه و شعبة و حقه . و في هذه البقعة البائسة على خريطة العالم هناك امة مبتلية بمفسدين وكلاء للصهيونية و الغرب ، و هناك احتلال لقطعة مقدسة من بلاد العرب ، و شعب يأبى الاستسلام . و هناك من يريد القضاء على مقاومة هذا الشعب بعدما فشلت القوة العسكرية الصهيونية على مدار عشرات السنين من القيام بتلك المهمة و بعدما فشلت الصهيونية بمكائدها و دسائسها من اجتثاث القضية و اذابة ما تبقى من اصحابها في المجتمعات الاخرى . فكان لا بد من تحريك الادوات الرخيصة المتواجدة في بلاد العرب . فكانت السهام تنهمر من كل حدب و صوب تشكك بعدالة القضية و تدعو للتطبيع مع الصهاينة . كان لا بد لهم من اجل

استكمال مشروعهم من الضغط و التضييق و استعمال وسائل الاعلام و الدراما و البيانات و اللقاءات المباشرة او عبر القنوات الفضائية ، حتى بدا الصهيوني هو " الشقيق" و الفلسطيني هو العدو ! و واكب هذه الحملات بعض السياسيين و العسكر و رجال الدين ، فالقوا على الفلسطيني مسؤولية مصائبهم الاقتصادية و السياسية بل ان كل اخفاقاتهم التي سببها الفساد السياسي و الاداري و التبعية لامريكا و  " اسرائيل" وضعوها على فلسطين و الشعب الفلسطيني . فإن كان هذا شاملا بلاد العرب من محيطها الى خليجها و بنسب متفاوته ، فان البعض من ابناء الشعب اللبناني الشقيق برزوا اكثر من غيرهم في هذا المضمار و سبقوا بذلك اقرانهم في السعودية و الامارات ، فلم يفوتوا فرصة الا و حشروا بها الفلسطيني  حتى الوباء استخدموه للتحريض عليه ، و حتى لقمة الخبز و ازمة المحروقات .

كل ازمة من ازمات النظام السياسي غير المتوازن كان للفلسطيني حصة  في الملامة و الاتهام . اؤلئك العنصريون لا يرون ايجابية في الفلسطيني ، لا في دعم اقتصاد بلدهم من قبل الاثرياء و المغتربين الفلسطينيين و في مساهمة اللاجئين في كافة المجالات الحيوية التي تنمي الاقتصاد و العلوم و الحياة العامة .

انهم لا يرون هذا الكم الهائل من الظلم الواقع على الفلسطيني بموجب قوانين غير انسانية ، و هذا التضييق الذي يشمل التنقل و العلاج و البناء ، و مع ذلك فانهم دائما في الجانب الايجابي الداعم لامن  لبنان و سلمه الاهلي و استقراره الاقتصادي ، و انهم يقفون على مسافة واحدة من الجميع و لا يتدخلون بالشؤون اللبنانية لا من قريب و لا من بعيد الا ما يتعلق بالخدمات الضرورية للاجئين .

فلماذا هذه النغمة التي تتنقل من مكان الى مكان و من وزير الى نائب و من حزب الى حزب و من طائفة الى طائفة ، لماذا هذا الانهيار الاخلاقي المبني على الكذب . هم يعلمون علم اليقين ان الفلسطيني ليس مسؤولا عن مشكلاتهم فلماذا يستخدم اللاجئ الفلسطيني دائما و يتم وضعه على رأس القائمة ؟ انها ليست العنصرية وحدها بل هي الصهينة ، هذه حقيقة يجب ان يدركها كل مواطن شريف حر في الوطن العربي . يراد لهذه الامة ان تبتلع من قبل  الصهاينة و هذا لن يكون الا بمساعدة ادواتهم و معهم الجهلة الذين يتبعون اسيادهم على غير هدى . ان الذي يستهدف القضية الفلسطينية و شعبها المكافح في هذه المرحلة التطبيعية انما يعمل بشكل مباشر او غير مباشر في المسار الذي يخدم اهداف المشروع الصهيوني في تصفية القضية الفلسطينية .

ماهر الصديق