لقد نجح الجميع و فشلنا نحن بقلم:سعيد محمد الكحلوت
تاريخ النشر : 2020-07-13
لقد نجح الجميع و فشلنا نحن بقلم:سعيد محمد الكحلوت


لقد نجح الجميع و فشلنا نحن :
سعيد محمد الكحلوت 

كاتب فلسطيني

نجحتْ التوجيهي في إدخال السرور من أوسع أبوابه و وجدنا انفسنا غارقين في فرح عابر  ،  اذ أن  الفرح  صار عزيزاً و بخيلا في هذه الرقعة التي تتناوب عليها الخُطوب تناوبَ الليل و النهار. 

لكن  فرحاً كهذا الذي اشتعلت السماء بالمفرقعات لأجله ، و امتلئت به صفاحتنا الفيس بوكية ، ليس إلا فرحاً فردياً   ،  هذا لأن أنس  و ديما و محمد و مُنيف و فِراس و آية  فرحوا لأنهم وحدهم أصحاب هذا الإنجاز .

   حتى الطالبة صاحبة معدل 99 و أعشار لم يشاركها أحد في صناعة النجاح اذ كانت تقارع مرارة العيش  بيدها المجردة إلا من العزيمة  ، و تقف وحيدة تحت الأمطار   اذ تغرق غرفتها المشتركة مع سكان البيت الآخرين و حاجيتهم  و تحترق و اياهم صيفاً ، ولولا أنها انتصرتْ في حربها  لما علمنا  بهذه المعركة الفردية المباركة .

اذن سيكمل هؤلاء  الناجحون مشوار الدراسة و بشكل فردي أيضاً سيخوضون معارك جديدة أبسط تلك المعارك و أقربها  بعد أيام معركتهم  مع الجامعات و أشباه الجامعات اذ تزين لهم تخصصات تغرق السوق الغارق أصلا بمزيد من أكوام خريجين أمثالهم  استدان بعض ذويهم و باع بعضهم أثاث بيته ليدفع الأقساط الجامعية .

ثم سينضم بعد بضع سنين أبطال فرحة اليوم إلى سلسلة البطالة التي تلتف حول عنق المجتمع،  فتضاعف أمراضه الموجودة من فقر و حرمان و طلاق و عنف أسري و إدمان و هجرة  و تطرف في مواجهة الآخر  و عمالة و ما خفي أعظم.

هذا النجاح الذي سالت له دموع الآباء قبل الأمهات يجب أن يقابل باعتراف شجاع من قبل من قرر أن يصير قطبان  للسفينة و التوقف عن تكرار أن المجتمع شاشة بيضاء و أن كل شىء على ما يرام .

فنظرة عابرة للوضع العام كفيلة بأن نعلم أننا لسنا على ما يرام و أن الشاشة البيضاء لم تعد شاشة أصلا .

لكي ننجح كما نجح هؤلاء الفتية اليوم يجب أن نعترف انه قد نجح الأفراد و فشلتْ ال "نحن " .

  فشلنا جميعاً في أن نعترف أن غيوم الخيبة ما زالت كبيرة و سوداء و ما زالت تمطرنا كل يوم بمزيد من الإخفاقات التي يجتر بعضها بعضا، ثم تصير سدودا منيعة في طريق التحرير و العودة و بناء الدولة ، فالعقول التي بات أكبر همها  تلبية الاحتياجات الأساسية و ترواح في الدرجة الأولى من سلم الحاجات الانسانية لن تكون قادرة على التفكير لا بالقدس و لا بالعودة  .

فالبتزامن  مع اعلان نتائج امتحانات  الثانوية العامة ، كان جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني يعرض ورقة عمل بمناسبة اليوم العالمي للسكان .

  أذكر سريعاً هنا بعض منها  :  بلغ معدل كثافة السكان هنا 5,453 نسمة لكل كيلو متر مربع و هو الأعلى عالمياً ،  يعاني أكثر من 52 % منهم من البطالة. في حين بلغت نسبة الآمنين غذائياً منهم  فقط ٣٠% ، اذ أن 83.3 % منهم يرزحون تحت خط الفقر المدقع _ و لمن لا يعرف هذا الخط اللعين فهو 1900 شيقل لأسرة مكونة من أب و أم و ثلاث أطفال _  .

 و قد تراجع  متوسط الانفاق الشهري للفرد الواحد بحوالي 17% عن العام 2011 . أما المياه الصالحة للشرب الآدمي وفق معايير الجودة العالمية و التنمية المستدامة فقد حصلت على 11% .

في حين حصل جميع أبناء أصدقائي تقريباً على معدلات تجاوزت 85% .

لقد نجح الجميع و فشلنا نحن .. حظاً أوفر لنا .