هل هناك مرض اسمه العنف..!!بقلم:د. مصطفى يسري عبد الغني
تاريخ النشر : 2020-07-11
هل هناك مرض أسمه العنف..!!! بقلم/د.مصطفى يسري عبد الغني
العنف ظاهرة طبيعية إنسانية ليست بالضرورة أن تكون مرضية في كل أبعادها ،بل أنه قد يعد ضروريًا وأساسيًا عند تنشئة الأمم لأفرادها خاصة في حالات الحروب ومواجهة الأعداء ، والعنف عملية مركبة ، وذات أبعاد متشعبة ، وله جذوره المعرفية والتاريخية والسياسية والنفسية والاقتصادية والغريزية ، وقد يتخذ العنف صورًا متنوعة في الكلمات والأقوال (عنف اللسان) ، أو يظهر في الأفعال والأعمال (عنف السلوك ) ، وقد يمارس في نطاق الحروب أو الإبادة بين الدول وبعضها (عنف الدول) ، وفي حالات غير محددة قد يظهر في شكل انتفاضة تلقائية أو موجهة (عنف الجماهير) ، أوقد يتخذ مظهر القمع أو التصدي بالقوة لفرض أمر واقع (عنف السلطة) ، وقد يكون العنف مرتبطًا بمطالب مهنية أو فئوية (عنف النقابات والروابط) ، أو يكون العنف في نطاق الأفراد أو الأسر أو الجماعات كتعبير عن الخلل في الاتصالات أو العلاقات أو التفاعلات ، أو عدم القدرة على تحقيق التوازنات أو الإشباعات الفردية (العنف الفردي) .
وعلى وجه العموم قد يكون العنف منظمًا أو تلقائيًا ، فرديًا أو جماعيًا ، شخصيًا أو غير شخصي ، واضحًا ومعلنًا أو مستترًا في أشكال متنوعة ، مظهرًا للقوة أو للشعور بالنقص والإحباط ، يعكس نزعة الاستعلاء والرغبة في التملك ، أو يظهر أشكال الدفاع عن النفس وعدم الرضا عن الواقع ، وقد يرتبط العنف بجماعات أو أفراد ذات مطالب محددة دينية أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو مذهبية أو تشريعية أو ديموجرافية أو جغرافية أو مطالب خدمية عامة.
إن النظرة على المستوى العالمي والإقليمي لما يحدث من اضطرابات وحوادث عنف متكررة ، أو عدوان على الأقليات ، أو حوادث القتل والعنف الصارخ ، تجعل الفرد يلمس بوضوح تزايد حالات العنف والتصارع بين الفصائل والقبائل داخل الدولة الواحدة ، وغني عن البيان أن حوادث العنف تسبب تأثيرات ضارة على اقتصاد الأمم ومسيرتها التنموية كما حدث في العراق و السودان و تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا خلال عام 2011 (ما قبله وما بعده) ، مما يجعلنا نؤكد على أن العنف ظاهرة عالمية ، وإن كانت أساليب مواجهتها ليست بالضرورة عالمية ، وليس أدل على ذلك من أن هيئة الأمم المتحدة تنفق في الوقت الراهن على تسليح وإعداد جنود حفظ الأمن والسلام للعالم ما لم تنفقه من قبل منذ تاريخ إنشائها ، ومع ذلك فإن حوادث العنف في تزايد مستمر دون تناقص ، بل دخول قوات الأمم المتحدة (أو قوات بعض التحالفات العالمية) في بعض الدول لم يؤدي إلى حصر الصراع ، بل يؤدي إلى تفاقمه ، ربما للممارسات الخاطئة من بعض هذه القوات أو لعدم تقبل أهل المنطقة لطبيعة دورها أو لعوامل أخرى سياسية وتاريخية ونفسية ودينية واقتصادية واجتماعية .
هذا ، وقد شهد الواقع المصري مع مطلع السبعينيات من القرن الماضي ، وحتى الآن أشكالاً متنوعة من العنف المجتمعي التلقائي أو المنظم ، وفي ذات الوقت ظهرت أنماط جديدة من العنف الفردي لم تكن معهودة من قبل بالمجتمع المصري ، وقد تنوعت وتزايدت أشكال العنف الأسري مثل : حوادث الاغتصاب والاعتداء والتحرش الجنسي ، وحوادث قتل الأبناء للآباء أو قتل الآباء للأبناء ، أو طرد الأبناء للآباء من الوحدات السكنية بالقوة الجبرية ، وكذلك تزايدت حوادث قتل الأخوة أو الأقارب أو الجيران أو المعارف أو الأصدقاء بدافع السرقة أو الانتقام أو الاختلاف في الرأي ، وتزايدت كذلك حوادث العنف بين الزوجين ، وقتل أحدهما للآخر ، حتى أن بعض الزوجات قد ابتكرن أشكالاً جديدة للتنكيل بشريك الحياة ، كما تزايدت عمليات العدوان الأسري على الأطفال بإهمالهم وتشريدهم مما أدى إلى تزايد عمالة الأطفال ، وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع ، يضاف إلى ذلك ما نراه من أحداث حرق وتدمير وتحطيم وقتل وانتقام في كل يوم