بريد مجهول بقلم:المحامي راشد المصاروة
تاريخ النشر : 2020-07-10
بريد مجهول المحامي راشد المصاروة
خان سعاة البريد قسمهم بأن يوصلوا رسائلنا في وقت حاجتنا الى أحد ان يقرأها ويشعر بها, لذلك لم يبقى لها ساعٍ سواي فلديها ما يكفي من رسائل لتنقذ ما تبقي منها بعدما تفشى داء الحزن داخلها وصندوق بريدها مغلقٌ منذ اكثر من عشرين عام ولم تنوي فتحه الا بعدما تعثرت بدموعها وأنين الرسالة زاد صراخاً , راحت تبحث عمن ينقذ بقاياها ويخفف عنها شقاوة روحها وتمردها. بدأت حديثها معي بقولها أنيقٌ احساسك تجاهها....تجاهُ مَن؟ اياكِ والعبث معي بالكلمات....تجاهُ مَن تكتب....وما ادراكِ لمن أكتب؟ لأعلم لكنني شعرت ان كلماتك لها مذاقٌ خاص ونكهة جميلة ما الخلطة التي تستعملها؟ فلدي رسالة اود البوح بها لكنني لا أتقن فن الطبخ بالكلمات اجبتها مختصراً انا لست كاتبا او اديبا انا ادرس القانون ومهنتي المحاماة اما علاقتي بالكتابة ليست الا جوعٌ لقلمي ما بين فترة واخرى, تعجبت قائلة انت تتقمص الأدب اذن ! الادب هو حارس القانون وبنظري هما وجهان لعملة واحدة , ما رأيكِ ان تختصري الاسئلة فلدي اطروحة ماجستير ارغب بإنهائها قبل ايلول القادم .لم تكفّ عن الاسئلة على الرغم من انسحابي الكثير بين كل رسالة واخرى فأصبح لدي فضول ان اعرف الى اي نقطة تريد ان تصل وما الغاية منها ما عنوان اطروحتك؟ أترغبين ان أجيب بالأدب ام القانون ؟ الأدب ذلك ان القانون لن ينصفها بقدر الأدب كما ان عنوانها سيصبح اجمل ان وضعت علية خلطتك الأدبية, أذن فليكن اسمها (ضحية امي دراسة مقارنة بين حنانها وبين دخول رجل حياتها) وهل هي قصة حقيقة ام وهمٌ من خيالك؟....وكيف لأطروحة ماجستير ان تكون خيالاً! كما ان القانون لا يؤمن بخيالات الكاتب دائما ما يريد جريمة وعقوبة لإدانة المتهم. وعلية فأن ما كتبته عن موكلتك حواء هي قصة حقيقية وليست خيالاً؟ نعم هي كذلك او ان أجدت التعبير فهي رسالة لأحداهن رغبت في أن ابوح بها بعدما خانها ساعي البريد ....حدثني عن الضحية الجديدة التي كتبت أطروحتك لها ...هذه الضحية ليست حواء ... أعلم ذلك لكن عنوان الأطروحة أثار لدي الفضول لأسمع احداث القصة... سأحدثكِ عن الفكرة فقط ذلك أن الباب الأول منها يحتاج الى ما يتجاوز العشر ساعات للحديث عنه.
تدور احداثها ما بين الساعة التاسعة والنصف بتوقيت غرينتش والحادية عشر بتوقيت الخيانة حينما كان الجميع مشغولين بتشييع مراسم الرقص والغناء وكانت هي تنظر الى المرآة كل خمس ثوانٍ لترى مفاتنها تجهيزاً لعملية اخلاءٍ عاطفي من ذكرى الماضي دونما أن تأبه بأنه ضحية قرار امرأة تحاول ان تعيد مراهقة العشرين الى جسدها قد همّ هو بالهرب تحت سريره الحديدي متسللاً عبر قضبانه ليتداوى من جحيم مستقبلاً ينتظره وحياة لم يبدأ بفتح صفحاتها بعد, او لربما امه هي من اقنعته بالذهاب هناك كي لا يكون شاهداً على جريمتها, يناظر حوله والصمت مطبقٌ علية وليس له لغة في هذه الاثناء سوى النظر الى البؤس الذي حلَّ في غرفته. دخلت علية متسللة لكي لا يشعر بها الحضور وليطمئن قلبها انه دخل في موجة سباتٍ طويلة فتفاجأت حينما وجدته مستلقياً تحت السرير وكأنه خائفٌ من شبح ما وبسؤالها الغريب او الغبي ماذا تفعل هنا يا أمي؟ أجابها والدموع ملئُ عيناه ألملم أشلائي بقايا جسدي بعدما نَحرتِه او اعتقد انني ابحث عن ضميرك النائم هنا عساي ألتقي به وأوقظه, وبتغييرها لأسلوب الإدانة التي أجابها به راحت تمسح على رأسه وتحكي له قصة ليلى والذئب الا امه أوقفها قبل ان تنطق بأي كلمة قائلاً انا اعرفها جيداً وقبل هذا اليوم لم أكن لأشكك بمدى مصداقيتها ام الأن فأنا اشعر ان ليلى هي من أوهمت الذئب وغررت به واستدرجته الى بيت جدتها ذلك ان ليلى وامثالها الكثير لديهن نقصٌ عاطفي في هرمون الأنوثة يرغبن في ملئه وان كان على حساب جثثٍ وضحايا اخرى , هو مجهول الهوية الأن طفلٌ متبنى لقرارٍ لم يكن له يدٌ فيه لِمَ حشرته بين هنا وهناك؟ وماذا سيقول للمُدرسه غداً؟ ولصديقه عبدالله بعدما ظل يحدثه عن حنان امه وانجازها في التخلي عن كافة حقوقها من اجله , أوقفتني قبل ان أكمل لها مقدمة أطروحتي قائلة انا صاحبة الرسالة المجهولة والتي كتبت موكلتي حواء على اسمها واعترف بذلك الأن لانني اشعر ان اطروحتك اصبحت جزء من قصتي وارغب في اكمالها لكي تُنهي اطروحتك بها . ضحكتُ وتفاجأت في ذات الوقت, أخال انني كنت اعرفكِ من طريقة الكلام فعندما كتبت موكلتي حواء شعرت بالمرأة التي حدثتني واحسست بها بطريقة غريبة كما احسستُ تماما بطريقة كلامك انها انتي, لِمَ غيرتي عنوانكِ؟ لا تسألني انا مبعثرة الأن لقد غيرتُ هويتي ايضاً واموت كل يوم قهراً على ماضٍ كنت اخالة يقف بجانبي ....حاولت أن اغير نبرة حزنها فقلت ما رسالتكِ اليوم؟ وان كنت انصفتكِ في المقال السابق ثقي انني سأنصفكِ هنا ...لن أجرح الذكورة في رسالتي اليوم فلم يعد لي شأنٌ بآدم واكتفيت بما كتبته عن حواء ...عن ماذا تريدين ان اتحدث أذن؟ تحدث لها واسألها ان كان قد همس في أذنها انه متيمٌ بها منذ زمن كما كان يفعل معي وان كانت تنفجر ضاحكة في كل مرة على كذبةٍ لمسيلمة اعتاد ان يقولها أسالها عن خاتمها وعن بذلة الزفاف عن الخلطة التي صنعتها لتقف هذه الوقفة مكاني, لا اخفي عليك كنت ارغب بالحضور لأرى ان كانت طلّتها كما انا في ليلتي الأولى برأيك ما الذي دوزن اقدامها لتحدث فيه كل هذا الاضطراب الكوني ؟ لا تهتمي ولا تأبهي بذلك ما دمت الأصل لكل نسخة مقلدة هو الأن تحت قدميها يرتل صلوات الاستسقاء اما انتِ فاخلعي حداده عنكِ وانثريه كورقة خانت الشجرة التي حملتها وسقطت سأبعث رسالتكِ هذه ببريدي على الرغم من انني لا اعلم مدى قرابتي منكِ لأفعل ذلك كل ما في الأمر ان حدسي لا يُخطئ ابداً أترغبينها مجهولة؟ نعم لئلا ان يفهمها الا مَن يستطيع فك طلاسمها ...لكِ ذلك اذن.

الكاتب المحامي راشد المصاروة