الدفاع عن العروبة حتمية وجودية!بقلم: الصادق بنعلال
تاريخ النشر : 2020-07-10
الدفاع عن العروبة حتمية وجودية!بقلم: الصادق بنعلال


الدفاع عن العروبة حتمية وجودية !

* الصادق بنعلال :

و أنا أتصفح بعض المقالات التي خصصتها لاستقراء ظاهرة الحراك الشعبي العربي الذي انطلق مع الانتفاضة التونسية، ليشمل العديد من الأنظمة الشائخة منقضية الصلاحية ، أفاجأ بمقالة صحفية كتبتها في يوم اندلاع الثورة الليبية (17-02-2011)، و لأهميتها التاريخية و الرمزية ارتأيت إعادة نشرها مع بعض التحويرات التقنية!

أ - يعيش العالم العربي راهنا وضعا سياسيا غير مسبوق بكل المقاييس .فبعد أن أجمع كبار المعنيين بقضايا الأمة العربية على تكلس الشارع، و استكانة المواطنين و استسلامهم للأمر الواقع، انطلاقا من " إيمانهم " بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، بل إن البعض الآخر أقر بوفاة العرب و لم يتبق سوى " الإعلان " عن هذا الموت، على إثر ما عايشته المجتمعات العربية من هزائم و ويلات عسكرية و حضارية، تململ الجسد من جديد ، ممثلا في شباب عاش ثورة معلوماتية و اختبر بنجاح تقنيات التواصل الاجتماعي الافتراضي، أملا في رؤية الضوء في نهاية النفق العربي المظلم، خاصة و أن المؤسسات العربية الرسمية حققت نجاحا باهرا في حرمان المواطن من أبسط حقوق المواطنة، و جعله يئن تحت وطأة الإقصاء و التهميش و الفقر المادي و الرمزي، مما حدا به إلى ركوب قوارب الموت و ما بعد " الموت " عسى أن يعثر على قدر يسير من الكرامة. لم يعد و لن يعود الشباب العربي للاستماع إلى الأسطوانة المشروخة: لا شيء يعلو فوق صوت المعركة ( تأجيل الانتقال إلى البناء الديمقراطي إلى حين إنهاء القضايا القومية الكبرى ) .. إن الشباب العربي الراهن عقد العزم على وضع حد للأصولية الدولتية، و تغول الأنظمة الحاكمة بغاية مواجهة أنماط سياسية مهترئة و زعامات غارقة في أمراضها الفيزيائية و الماورائية، كانت سببا محوريا في تفاقم الاحتقانات الداخلية و الخارجية، و نشر النعرات العرقية و الدينية و الفوارق الاجتماعية المدوية، و تعميق بؤر الفساد و نهب الثروات .

ب - لم تعد الغاية الأسمى للفاعلين السياسيين من شباب و مثقفين و أصحاب الضمائر الحية، هي تغيير مسؤول بمسؤول آخر مهما علا أو انحنى شأنه، لقد أضحى ديدن هؤلاء هو إقامة أنظمة سياسية ذات مصداقية تؤمن بالمواثيق و القيم الإنسانية المتعارف عليها دوليا، إنه من أوجب الواجبات في هذه المرحلة التاريخية المباركة غرس نظام سياسي ( ملكي – رئاسي – جمهوري .. ) مستند إلى دستور حداثي تشارك في صياغته كل الأطراف المنضوية داخل المجتمع دون إقصاء أو استئصال، في سياق استفتاء شعبي حر و نزيه لوضع حد لظاهرة الدساتير الممنوحة و المفروضة على رقاب الشعوب الملوبة على أمرها، و أن يكون هناك فصل بالفعل و ليس بالقوة بين السلطات التشريعية و التنفيذية و القضائية، و العمل الجاد من أجل تحقيق مطلب طالما حرم منه المواطن العربي ألا و هو الإعلام المستقل للمساهمة في تنظيف الممارسة السياسية العربية من مظاهر التزلف و التشهير و اختلاق الأحداث و تحريف الحقائق. و هكذا لا يمكن بالبت و المطلق أن نلتحق بركب الدول المتقدمة إلا بالقطع مع أساليب الحكم البائدة: أساليب الاستبداد و الفساد متعددة الأصناف، و أوضح الطرق المؤدية إلى هذا المبتغى إنجاز إصلاحات بنيوية و صادقة و فعالة.

ج - و قد أعلنها صيحة مدوية منذ مستهل التسعينيات من القرن العشرين منظر العقلانية العربية المرحوم محمد عابد الجابري في كتابه: وجهة نظر.. حينما قال:
" إن الديمقراطية في الوطن العربي، هي اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة لا من أجل التقدم و حسب بل من أجل الحفاظ على الوجود العربي ذاته ".
من المصلحة الحيوية الدفاع عن الوجود العربي و كينونته، من أولى الأولويات السعي نحو تكريس نهج تقرير مصيرنا و المشي قدما نحو إرساء دولة الحق و القانون، من المروءة النضال من أجل زرع بذور الوحدة و التضامن و العدل و الحرية.. لعل تضحيات الشباب في أكثر من قطر عربي من شأنها أن تعلن عودة العرب مجددا إلى مسرح التاريخ و أن تشرق شمسهم بعد ظلام حالك السواد.

* باحث في قضايا الفكر و السياسة