كالملكة بقلم صفد البلوي
تاريخ النشر : 2020-07-10
دخلتُ على هذه الأرضِ كما دخلَ جميعُ الناسِ الذين دخلوها قبلي ، والذينَ سيدخُلُوها بعدي بِلا أيّ تدخُلٍ منّي أو منهم بِدونِ أيّ خيار أو إختيار لم أختر لوني ولا شكلي لا عِرقي ولا أهلي لم اختر أيُّ شيء .
خرجتُ من أجوافُ أُمي لهذا العالم .. أُمي على السرير مُرهقة وأبي في الخارج ينتظر و الأطباء سعيدين بإتمام العملية بنجاح وأنا هُنا أبكِ هذا البكاءَ الأولُ لي على هذه الأرض، ولو أنّي كُنتُ أعلم أنني سأعيشُ ما عِشتَهُ لو فرّت دموعي للمستقبل لا بأسَ فأنا دائماً أملكُ الدموع كما لو أنّي بحرٌ لا ينفذ..
خرجنا من المشفى وكانت أولُ أيامي على هذه الأرض بل كانت أجملُ أيامي فحينها كان ضعفي طبيعي ككُلِ الأطفال والكلُ ملتفٌ حولي كما لو أني كنزٌ يخافون فُقدانه كبرتُ بينهم على هذا الحال الذي يكبر عليه كل أطفال هذا العالم ...
مع بدايتي بالتعرف على هذا العالم في عامي الثاني بالتحديد في أول محاولتي باللعب كنت اشعر بالتعب والارهاق وهذا ما جعل والداي يشعرون بالخوف ذهبت للطبيب وإكتشفنا حينها اني مريضة وأن هذا المرض لا يسمح لي أن أعيش كباقي البشر . من ثم مُنعتُ من الركض ومن أيّ شيء سيجعلني أكتشف وأتعلم ، سألتُ ما السبب إكتفوا بقول من أجل مصلحتُكِ
وفي يومٍ كانت أمي الحنونة نائمة وأبي مُنشغل في هاتفه نظرتُ لهم كعادتِ من النافذة يلعبون السباق إستغليتُ إنشغاله وخرجتُ لألعبَ معهم ومع أولُ خطواتي في الركض بدأتُ أتعب كما لو أنَّ روحي ستخرُج توقفتُ وسقطتُ أرضاً وخرجَ أبي يركض خلفي وأمي تبكِ بدأ خوفهم عليّ واضح وأنا كنتُ أُقسم أني لم أفعل شيء غريب كما يفعلون الأطفال فعلتُ بِلا أي نقص أو زيادة إذن لِما يحصل هذا بي ؟
لِما لستُ مثلهم قاطعتني أُمي بحضنٍ لطيف مُرددة لي أن الملكاتِ لا يلعبن بل يجلسن بكُلِ هدوء .
مضت أعوامي الأولى في المدرسة وانا كما قالت أمي جالسة لا اتحرك فقط أراقب .. أراقب نفسي و أنا ملكة ... ولم أستطع تحمل هذا الوضع فأنا لا أريد أن أكون هذه الملك أريد أن أكون كما الجميع الهو والعب من هنا قررت أن أتوقف عن التعليم ومع أصراري على هذا وافق والدي وتركت المدرسة وبقيت في البيت بلا أي عمل أو هدف مضت أعوامي بأيام متشابهة تُكرر نفسها كل يوم ..يدخل على حياتي البشر بعضهم يتخلى عني والبعض يشعر في الشفقة نحوي وحدهم اهلي وعدد قليل من الصديقات من كانو خلفي دائما يخففون عني مرارة الايام .. كأنه لم يكن يكفيني أنني لم أستطع فعل ابسط حقوقي أبسط الامور التي كان يفعلها كل البشر ..الامور التي كانت تحرقني وبقيت حسرة في قلبي لا بأس لعلي أحصل عليها في الجنة ... تلك الجنة التي أصبر على بشاعة الأيام وبشاعة الناس من أجلها .