تجليات المشاعر الوطنية في قصيدة:أيا تونس بقلم:محمد المحسن
تاريخ النشر : 2020-07-09
تجليات المشاعر الوطنية في قصيدة:أيا تونس بقلم:محمد المحسن


تجليات المشاعر الوطنية في قصيدة:أيا تونس..يا من تسكنين خلف شغاف القلب..للشاعرة التونسية المتمرسة هادية أمنة
التجربة الشعرية للشاعرة التونسية المتمرسة -هادية أمنة-غنية وحافلة بالعطاء الإبداعي والتنوع الموضوعاتي, كتبت عن الوطن (تونس) وعن الوَجد والحب بأبعاده الإنسانية والحياة والوجدان والقصيدة.. ولكن قبل أن يخوض المرء في الحديث عن صورة الوطن في شعر-هادية أمنة-يجدر به أن يحدد تعريفاً لهذه المفردة التي لم تكن ذات حضور كبير في الشعر العالمي،والشعر العربي(1) كذلك. ويبدو أن بروزها أخذ يطفو على السطح، ضمن فهم جديد، في مرحلة نشوء الدول ذات الكيان السياسي المحدد جغرافياً. «والوطن بالمعنى العام منزل الاقامة،والوطن الأصلي هو المكان الذي ولد به الانسان، أو نشأ فيه.
والوطن بالمعنى الخاص هو البيئة الروحية التي تتجه اليها عواطف الانسان القومية.ويتميز الوطن عن الأمة (Nation) والدولة (Etat)بعامل وجداني خاص،وهو الارتباط بالأرض وتقديسها، لاشتمالها على قبور الأجداد»(2). ونقرأ في المعجم الفلسفي المختصر،تحت مفردة «الوطنية»،ما يلي : «مبدأ يعبر عن حب المرء لوطنه وعن استعداده لخدمة مصالحه.انها انشداد المرء الطبيعي نحو مسقط رأسه، نحو اللغة الأم والتقاليد الوطنية،واهتمامه بمصير البلاد التي ترتبط حياته كلها بها». ونقرأ أيضا : « ولكن المشاعر الوطنية لا تأتي عن أسباب غيبية،من «صوت الدم» أو «العرق» كما يزعم المنظرون البرجوازيون.فهي تظهر تاريخاً،بتأثير ظروف حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية،ولذا فان مضمونها يتغير تبعاً لتغير تلك الظروف" وتحضر تيمة الوطن في قصيدة أيا تونس..يا من تسكنين خلف الشغاف للشاعرة التونسية المتميزة -هادية أمنة-موضوع الدراسة،بشكل قوي ومهيمن،حيث تحتفي فيه الشاعرة بوطنها تونس،وتجعله في قلب الشعر والخيال والتفكير وفي قلب الأحداث،هو المحور المركزي وفي فضائه الأنا والجماعة روحا وجسدا. "تونس أنت يُؤنس فيك الزائر. بربرية الشعر والأساور. كحلُكِ العربيّ زاد جماله. أراك اليوم يا تونس حائرة. ثكلتُ أبنائي وقد تلطخت بدمائهم حيطاني .. فيا سيّدي التاريخ بُح لهم بكلّ أسراري .. تصدّعت جُدرانها من ضرب الرّصاص ووطئتها أقدام همجيّة و ما كانت لتُداس. هذه عليسة ضيفة على أرضنا.. شيّدت مجدا كان فيه عزّنا.. ويا حنبعل لا تبتئس.. أعلام قرطاج أبدا لا تنتكس.. أيا إبن خلدون يارائد علم الإجتماع. أتونس الخضراء لتجّار الكلام تُباع؟ إلى من تحركّت في وجدانه بقرآننا الكلمات. أُنفض غُبار التاريخ وتحقّق بكلّ ثبات أنا عقبة بن نافع من القيروان أقولها "تونس أنت... تونس أنت كنت للإسلام منارة." وإن صار شكّ في هذا أقولُ "يا للخسارة " أيا تونس من واحات الجنوب جاءك النداء. ابو القاسم الشابي علّمك معنى الإباء التونسيّة من دون النساء إستثناء أروى قالت لعصر الحريم "لا وألف لا " صغيرة أنت يا حوريّة بين الأمم . عظيمة أنت في شحذ الهمم. طوق الياسامين على جيدك ثورة بحبِّ الحياة كان التونسيُّ صُراخه ودماء العشاق دوما مباحة تونس أنت يؤنس فيك الزائر. بربرية الشعر والأساور. كحلك العربيُّ زاد جماله. أراك اليوم يا تونس حائرة..
وغدا..على درب فجر الحياة سائرة..
حينما قرأت هذا النص توقفت عند عتباته المهمة من حيث التشكيل في الصورة والسينوغرافيا والالوان واللغة والمشاعر من جهة،،والابداع والتألق والانطلاق في عالم كتابة الشعر.. لغة الشاعرة التونسية اللامعة -هادية أمنة- تتميز بالدلالات المتغيرة (غير ثابته) لوصف الصورة التي تتشابك في ذهنها وخيالها، وتعصف لنا صورا شعرية متحركة..لأن الصورة الشعرية وبحجم الشاعرية التي تحملها تكون جوهراً للشعر،كما هي روح القصيدة التي تمتد من اول عتبة الى اخرعتبة لتثبت للقارئ الصلة بين الواقع والتأثير المهم جداً،لذلك تأتي الصور قوية ! كل مفردة لها خصوصية في حواس القارئ وشعوره،لأن فن الصورة مرتبط بمفهوم الفن لدى الشاعرة -هادية أمنة-.. والناقد بطبيعة الحال يبحث عن الجمالي في الصورة وعن التجربة الفنية والحالة النفسية للشاعر.. وايضا يبحث الناقد في مستويات الشاعر المتميز من حيث كيفية تجددالصورة ونشاتها في فكره وخياله وعكسها للقاريء لان الحواس وحدها غير كافية بتوصيل ما نصبو اليه، بالاضافة الى بحثه عن الانزياح اللغوي وتحديث اللغة عند الشاعر، وبين الذاتية والموضوعية نتوقف كثيرا،لأن حجم الشاعرية والانزياح اللغوي،وتشكيل الصورة الجديدة،وسعة الخيال والمخيلة وسائل نكتشف بها معايير مهمة لجمالية الصورة الشعرية عند اي شاعر،وهي بصراحة مفاتيح للناقد مهمة لتفكيك اي نص شعري،حتى نصل الى جوهر النص وجمالياته الفنية.. الشاعرة -هادية أمنة- لم تأتي بالصدفة ابدا إنما هي ثمار تجارب عديدة حاولت أن تمزقها لكنها كانت قوية من الداخل،حيث تمتلك الذائقة الشعرية لتبوح نتتكلم وتصرخ ،لها الشغف الكبير والمعرفة في حب الوطن،لذلك جعلت اهتمامها في الشعر في قلب اهتماماتها،وجعله صوتها المنحدر من أي مكان يسكنها صوب الوطن ..وليس رجع صدى . الصوت والكلمة والطاقة التي يمتلكها الشاعر ضمان كبير في تركيبة الصورة وانعكاسا لحياته، وبنفس الوقت انعكاس لمفهوم المكان -الوطن -لأن الزمان ماعاد يشكل شيئاً الآن .. فالذاكرة تعتمد المكان اولا ًثم تخوض في الازمنة لاحقاً لتثبت من قبل الاسماء كدلالات معروفة للقاصي والداني،ومن اهتم بشأن الادب والتاريخ .
وهذا التقابل الفني بين واقع الشعر المعيش وبين ركام التاريخ يؤسس لوعي ولاحساس الشاعر في فكره ووجدانه بحب الوطن ومتابعة معاناة الناس.. نص شعري تتدفق منه مشاعر خليطة من قوتين أساسيتين هما الفكر الانساني الذي تحمله الشاعرة ونبضات قلب حساس رهيف شفاف،يشكلان قوة نابضة في دعائم النص،وهما في نفس الوقت الجسر الذي تعبر به الشاعرة-هادية-إلى الانسان القاريء وبالتالي تضيف تفاعلاً عضوياً في المجتمع،وبالمحصلة يتحول النص الى ثمرة جميلة فيها من التكامل الروحي والانساني ..وتسكن في مخيلة القارئ ويتدفأ بها وبأحضانها ! كعاشقة، كحبيبة ! كمعشوقة،كمعشوق ! فالنص يسري على المذكر والمؤنث بنفس التوجهات،لأن الجميع يعيش داخل الاسوار..أسوار حب الوطن (تونس) وانا هنا بصراحة لا اتساهل في مسؤولية الكتابة النقدية من حيث المحاباة في الاصدقاء،كوني ولسبب بسيط لااعرف الشاعرة-هادية أمنة-عن قرب أبدا ..انما أعرفها عن بعد لمتابعتي اعمالها الشعرية وما تكتب بالفن والادب وهذا من تخصصي انا ! وقد استحوذ علي هذا النص لأن أسجل له ما يستحق من حق واستحقاق وكنشاط ابداعي له ولتجربتها الشعرية وفي قصائدها المتعددة وهي إبنة تونس-مهد الثورات العربية-ابنة الشعر وابنة السرد والحكايا ومكامن الوعي الجمالي في العلاقة بين السحر في اللغة والشعر وما بينهما من انتاج للوعي المتجدد في فضاء وروح الشاعرة السائرة على درب العالمية بخطى ثابتة هادية آمنة..
محمد المحسن (شاعر وناقد تونسي)
المراجع:
1-لم تتكرر كلمة وطن كثيراً في الشعر العربي.وفي لسان العرب المحيط للعلامة ابن منظور،وهو معجم لغوي علمي قدم له الشيخ عبد الله العلايلي وأعده وصنفه يوسف خياط ونديم مرعشلي.ورد التعريف التالي لمفردة وطن : موطن: اقليم يتسم بخصائص طبيعية تلائم احياء معينة. بيئة: مكان له ظروف خاصة يستوطنه بعض الأحياء مثل ساحل البحر والغابة والمستنقع. الموطن الأصغر: هو الموطن البيئي الخاص الذي يعيش فيه كائن ما. موطن الأصل : موطن الشخص عند ميلاده.
2- انظر : جميل صليبا، المعجم الفلسفي، بيروت 1982. ج2 ص 580 .