فرخ الأفعى بين المصلين بقلم بكر السباتين
تاريخ النشر : 2020-07-07
فرخ الأفعى بين المصلين بقلم بكر السباتين


بقلم بكر السباتين
قصتان قصيرتان

(1)فرخ الأفعى بين المصلين

وقف خطيب المسجد الذي عرف عنه بانتقاده لحكومة بلاده على المنبر، واكتشف بأن ثلثي من بالمسجد غرباء، وتوقع أن يكون نصف العدد من الجواسيس وقد جاءوا لرصد زلاته.. فانقبض قلبه من شدة الخوف.. فكيف سينتقد الحكومة مثلما كان يفعل كلما امتلأ المسجد بمعارفه من الجيران والخلان وعابري السبيل!
فتفتق ذهنه عن فكرة خبيثة.. هامساً في أعماقه:
“سوف أخرجهم من جحورهم”
فما كان منه إلا أن نادى بأعلى صوته محذراً بارتباك مصطنع:
إخوتي في الله..
لا أريد أن أحدثكم عن هموم المواطن المغبون في زمن الرياء؛ إلا بعد أن تجدوا فرخ الأفعى السام الذي تسلل من خلف خزانات الأحذية إلى المسجد حتى اختفى بينكم.. شاهدته للتو بأم عيني.. حماكم الله من لدغه.. وأبعد عنكم سمّه الزعاف.. تصرفوا بهدوء.. أخلوا المسجد ثم عودوا بعد أن تتأكدوا من أن بيت الله آمن من خطر الثعابين.
فانتفض المصلون هلعاً مندفعين في فوضى عارمة إلى البوابة، وأخلوا المسجد، فيما انتشر بعض الشباب لتفحص المكان دون أن يعثروا على شيء “يبدوا أنه تسلل خارجاً من الباب الجانبي”.
بعد ذلك عاد نصف المصلين إلى المسجد فيما انتشر بعض الغرباء في الخارج مترددين في الدخول إليه ويبدو أنهم آثروا المكوث حوله فلا بأس إذ بوسعهم كتابة تقاريرهم من وحي خيالهم المتوقد المريض “أي كلام وتسلك الأمور”. وقد تأكد الخطيب بأن المندسين لن يقربوا الصلاة بقلوب يملؤها الخوف.. ولم يستبعد من أنهم يدخلون المساجد دون وضوء فقط يتظاهرون بالصلاة لاعتقال من يزل لسانه بكلمة.
فتنفس الخطيب الصعداء وهو يرتقي درجات المنبر متمتماً في سره:الآن سأقول ما عندي.

2
 ركلة البغل والدنجوان

عندما شاهد سائق التكسي المتصابي سيدة فاتنة الجمال تخرج من أحد المحلات التجارية، وتؤشر له بيدها البضة الناعمة، ركن سيارته جانباً، وعلى غير عادته وكأن لوثة داهمت عقله المسلوب، نزل المتملق من سيارته وهو يمسد شاربيه المصبوغين، وعيناه تلامسان مفاتن هذا الصيد الصباحي المثير. ومن باب المجاملة غير المعتادة انحنى صاحبنا كأنه راكع يصلي للشيطان، وأخذ يفتح الباب الأمامي كأنه يعزف على الكمنجة، بينما أخذت عيناه ترصدان مفاتن السيدة البضة كلص مسلوب الحجا، وتوقع أن الوليمة تقترب من أشداقه التي سال منها اللعاب.. وبغتة! شعر بأن شاحنة صدمت مؤخرته.. حينما تعرض قفاه لركلة قوية حشرته لقوتها مع الشياطين في المقعد الخلفي.. فبدأ كأنه نمر طوقته الخطوب.. سيفعل ما يعيد إليه الكرامة التي هدرت أما السيدة التي تعالى صوتها حتى ظن المسكين بأنها تشتم صاحب القدم الضخمة انتصاراً له، وقد أخلّت الضربة توازنه، فاستشعر بطاقة الغضب تحرضه على النزال، صارخاً:
” طاب لك الموت يا أبو الفوارس”..
عبارة خرجت من فمه كالزير.. بينما عيناه تبحثان عن “القنوة” الخشبية المخفية تحت المقعد الجلدي، حتى يؤدب المعتدي مهما كانت صفته بالنسبة للمرأة.. لكنه تراجع سريعاً عن موقفه والدهشة تأكل لسانه، وفتح حدقتي عينيه من شدة الرعب، واستلبه الصمت كأن على رأسه غراب، هامساً بتلعثم:
” اعقل يا عنترة زمانك”
فقد شاهد وهو يحاول التمترس خلف نافذة الباب الخلفي الذي أطبق عليه، منكبين عريضين فتلت عليهما عضلات أفعوانيه طوقت ذراعيه حتى الرقبة، والتي أُركن عليها رأسُ هزبرٍ مطوقٍ بالشعر الكثيف.. صارخاً فيه بصوته المزلزل:
“أين أجلس إذا جلست المدام إلى جوارك يا تافه.. بقي عليك أن تقبل يدها!”
وتداركاً للموقف، خرج السائق من الباب المقابل وهو يجزل بالكلام اللين معتذراً من هذا الدب الضخم الذي يقف خلف السيارة وقد تأبطت السيدة ذراعه بافتخار، حتى قال بصوت مرتجف خجول وهو يحلف أغلظ الأيمان:
” سامحك الله.. والله يا سيدي إنما انحنيت فقط احتراما لطلتك البهية.. عن أي امرأة تتحدث فأنا أجل وأرفع من ذلك! هزلت يا رجل! لك مقود سيارتي لو شئت”.
لكن غضب المرأة لأجل كرامتها التي جرحت للتو، كان أشد إيلاماً، حينما أمرت بغلها بمغادرة السيارة، ثم أطبقت الباب على يد الدنجوان المتخبط في غيّه.. وتركته وسط زحام الفضوليين يصرخ ويلعن حظه العاثر الذي نحسته الغربان.